تحتل محافظة سوهاج مكانة مهمة في جنوب مصر حيث تمتلك تراثا زاخرا من المساجد التي تعكس التراث الإسلامي والفن المعماري الرائع، وتعد تلك المساجد ليس فقط مكانًا لأداء الصلوات. والعبادات، بل هي أيضًا جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية لمحافظة سوهاج، فتأخذ تلك المساجد زوارها في رحلة عبر الزمن، حيث تتجسد جمالية العمارة الإسلامية وتعكس تنوع الطراز المعماري، فتلعب المساجد بالمحافظة دورًا حيويًا في تعزيز الروحانيات والتضامن بين المواطنين لتشكل تلك المساجد مركزًا للتعليم الديني والفعاليات الدينية والتي تستمد المحافظة قوتها وتميزها من هذه البنية الروحانية التي تسهم في بناء مجتمع قوي ومترابط، فتجد مساجد محافظة سوهاج ليست مجرد دور عبادة فقط، بل هي معالم تعكس تنوع وجمال التراث الإسلامي في المحافظة، ومن أجل ذلك حرصت “البوابة نيوز” علي ان تصطحبكم في جولة من داخل أبرز المساجد العريقة بالمحافظة.
مسجد العارف بالله
ومن بين دور العبادة، يبرز مسجد العارف بالله بمدينة سوهاج، الذي يعتبر شاهدًا على التاريخ العظيم للمنطقة، فمسجد العارف بالله واحد من أهم المساجد الإسلامية في محافظة سوهاج، ويعود تاريخه للقرن الثامن الهجري، وأعيد بناؤه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1968م، وتم تجديده عام 1993م، وتبلغ مساحته حوالي 7 آلاف متر مربع، وله مئذنتان كبيرتان، وبداخله جناح ملحق به ضريح العارف بالله إسماعيل بن علي بن عبد السميع بن عبد العال اليماني الملقّب بحسين أبو طاقية والملقب أيضا بفحل الرجال الذي ولد بقرية دندرة بقنا في 4 ذي القعدة عام 724 هجرية، ثم انتقل إلى محافظة سوهاج، وهو من عائلة الأشراف وله 3 أشقاء هم: الشريف عبد الظاهر، والشريف شهاب الدين، والشريف الشيخ عبد الكريم ولكل منهم مقام بمحافظة قنا، يقصده الناس من جميع المحافظات، وللضريح مدخلان أحدهما من الخارج للرجال والآخر من الداخل للنساء، ويوجد بجوار المسجد قبر مراد بك حاكم جرجا، خلال عهد المماليك، ويعقد بالمسجد مناسبات دينية مثل احتفالات الإسراء والمعراج وليلة القدر وبداية السنة الهجرية وغيرهم من المناسبات والاحتفالات الدينية الكبري.
المسجد الصيني
يعد المسجد الصيني بمدينة جرجا جنوب محافظة سوهاج من أهم وأقدم الآثار الإسلامية بالمحافظة، ويعود تاريخه للعصر العثماني، وسمي المسجد بالجامع الصيني لوجود بلاط “القيشاني” الصيني المزخرف الذي تم جلبه من تركيا لتزيين قبلة المسجد وبعض جدرانه، كما اشتق هذا المسجد اسمه من كسوة أحد جدرانه ببلاط السيراميك، وللمسجد مئذنة في الركن الشمالي الغربي من المسجد، وبناه الأمير محمد بك الفقاري أحد أمراء المماليك عام 1117هـ. وتم تجديده بعد فيضان النيل عام 1202هـ على يد الشيخ عبد المنعم عبد الرحمن المعروف بأبي بكري الخياط.
ويقع المسجد بمنطقة القيسارية بمدينة جرجا، وتم بناؤه على جزء مرتفع حتى لا يتأثر بمياه السيول، وبنيت جدران المسجد من الطوب المحروق، باستثناء جدار المدخل الرئيسي الواقع في الجهة الشمالية، فتم بناؤه من الحجر ويبلغ سمك كل جدار حوالي متر، وعن سقف المسجد تم تشييده من الخشب، ويوجد في أعلى جدرانه فتحات للتهوية ولإدخال الضوء، ويتكون المسجد من الداخل من 4 أروقة تحيط بفناء مفتوح في المنتصف، وسقف الأروقة يقع على 5 صفوف من الأعمدة الخشبية يبلغ عددها 22 عمودًا، وبه منبر خشبي قديم ومحراب القبلة الذي ما زال محافظا على شكله وزخرفته، وهو مغطى ببلاط "القيشاني الصيني"، وعلى يساره محراب صغير آخر، وله مقصورة خشبية مرفوعة على أعمدة خشبية مخصصة للنساء في نهاية المسجد، وللمسجد مئذنة ترتفع إلى 3 طوابق، وتم تنفيذها على الطراز المحلي للمآذن المصرية، وليس على طراز المآذن التركية العثمانية، وللمسجد بابان، الباب الرئيسي من جهة شارع البحر، والباب الثاني من داخل منطقة القيسارية.
مسجد الحسن بن الأمير
يعتبر مسجد الحسن بن الأمير الذي يقع في الجهة الشمالية من شارع الأمير حسن شرق مدينة أخميم بسوهاج من أهم المساجد الأثرية بالمدينة، ومن المعالم الإسلامية الرائعة بمحافظة سوهاج، حيث يجذب أنظار زواره بطرازه المعماري الفريد وزخارفه الهندسية والكتابة الرائعة، المسطرة علي جدران، وأنشأه الأمير الحسن ابن الأمير محمد عام 1117هـ وأكمل بناءه عام 1121 هـ، ودفن في المرقد الملحق بالجامع عام 1132 هـ، ويتميز المسجد باستخدام الأعمدة الخشبية لدعم سقفه، وهو أمر لم يسبق له مثيل في مساجد الصعيد، وهو نادر في المساجد المصرية بشكل عام، كما تضم العديد من العناصر المعمارية والزخرفية والهندسية والكتابة، بالإضافة إلى المشغولات الخشبية، مما يمنحها أهمية أثرية خاصة، وتعتبر مثالًا جيدًا. للتراث المحلي في العمارة الدينية العثمانية.
تبلغ مساحته 648 مترا مربعا وله أربع واجهات، لكل واجهة مدخل يؤدي إلى المسجد مباشرة، باستثناء مدخل الواجهة الجنوبية الذي يقع في طرفها الغربي ويؤدي إلى صحن مفتوح، ومن الداخل يأخذ المسجد الشكل المستطيل، وهو عبارة عن صحن مفتوح، ويحيط به أربعة أروقة يرتكز سقفها على أعمدة خشبية بدون أقواس تحمل عتبات خشبية يبلغ عددها 34 عمودًا وهي عبارة عن أعمدة خشبية مزخرفة من الأعلى والأسفل بألواح.
يشتمل جدار القبلة على 3 محاريب، أكبرها هو المحراب الأوسط، وهي عبارة عن حنية نصف دائرية محاطة بعمودين من الرخام مع قواعد جرس وتيجان وتم تزيين حاجب المحراب بـ6 نقاط من المقرنصات المدببة، ويوجد فوق المحراب مساحة مستطيلة ذات زخارف كتابية منقوشة بالخط الكوفي، أما المحرابان الجانبيان فهما متشابهان وكل واحدة منها عبارة عن حنية نصف دائرية خالية من الزخارف وجدار القبلة مزين من الأعلى بنوافذ وشبابيك مصنوعة من الجص المجوف والملون بالزجاج الملون ويحتوي المسجد على مصطبة مصنوعة من الخشب المخرطة تقع في المربع الأوسط من البلاطة المطلة على الفناء أما الرواق الشمالي، مقابل رواق القبلة، فيتكون من صحنين موازيين لجدار القبلة، وفي وسط جدار هذا المدخل فتحة الباب الشمالي، كما تحتوي على صفين من النوافذ، وفي أقصى الطرف الغربي منه يوجد باب يؤدي إلى المئذنة، وتتشابه الممرات الشرقية والغربية ويتكون كل منها من بلاطتين موازيتين لجدار القبلة مع صف واحد من الأعمدة، ويحتوي كل من الجدران الشرقية والغربية على باب مفتوح وصفين من النوافذ.
وعن مئذنة المسجد تقع في الزاوية الشمالية الغربية للمسجد وهي منفصلة عنه ويمكن الوصول إليها من خلال باب يفتح في الطرف الغربي من الجدار الشمالي للمسجد يؤدي إلى درج حلزوني يصعد منه إلى شرفات المئذنة، والذي يتكون من 3 طوابق الأول مربع الشكل ويتحول إلى مثمن من خلال مثلثات كروية في الزوايا وهو الطابق الثاني ويحتوي هذا الطابق على 8 أقواس ومجموعة من الأعمدة المتكاملة المزخرفة بزخارف حلزونية.
المسجد الفرشوطي
مسجد الفرشوطي أو المسجد القديم أحد المعالم الأثرية الإسلامية المهمة بمحافظة سوهاج، ويعود تاريخه إلى العصر الفاطمي، ويحتوي المسجد على لوحة كتب عليها أمر من السلطان الغوري، يقع في ميدان الفرشوطي في قيسارية بقلب مدينة سوهاج، ويعد مسجد الفرشوطي أو الجامع القديم كما يطلق عليه أهل سوهاج من أقدم وأشهر مساجد المحافظة، ويعود تاريخه إلى عهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله 527هـ.
واسمه نسبة إلى الشيخ الجليل عبد المنعم بن إبراهيم الفرشوطي، الذي ولد بفرشوط إحدى مدن محافظة قنا سنة 1203، وقدم من هناك واستقر في هذا المسجد سنة 1223، وتوفي عام 1223- 1275هـ، وأبناؤه العلماء الشيخ بكري الفرشوطي، والشيخ إبراهيم الفرشوطي، والشيخ محمد إبراهيم الفرشوطي، والشيخ أبو المجد محمد الفرشوطي، والشيخ سعد محمد الفرشوطي، وقاموا بالمهمة حتى تم ضم المسجد إلى وزارة الأوقاف عام 1382هـ.
وعن التكوين الداخلي للمسجد يتكون من 6 أعمدة، بالإضافة إلى قبة نورانية مركزية محفورة تحتها سورة من القرآن، وتم طلاء قواعد الجدران باللونين الأصفر والأبيض مع خطوط خضراء، ويوجد محراب الصلاة بجانب المنبر الخشبي في الجهة الجنوبية الشرقية، بالإضافة إلى حجارة عليها نقوش تاريخية تزين الزوايا، وأهم ما يميز المسجد هو المئذنة التي يبلغ ارتفاعها 53 مترا، ويضم المسجد مكتبة علمية ومكتبًا لتحفيظ القرآن الكريم، يرتاده الكثير من الأشخاص من القرى والمدن المجاورة.
مسجد باصونة
يأخذ مسجد أبو ستيت أو مسجد باصونة كما أطلق الأهالى عليه نسبة للقرية التى تحتضنه بمركز المراغة مكانًا بارزًا في قلوب سكان المحافظة، فهو يمثل تحفة معمارية جمعت بين طراز الماضى وأصالته، وروعة الحاضر وحداثته، مما جعلته مقصدا لكل أهالى محافظة سوهاج والوافدين عليها، فالمسجد بنى على طراز فريد يختلف عن تصميم باقى المساجد بمحافظات الجمهورية، وشاركت مصر من خلال مسجد باصونة الكائن بمركز المراغة بمحافظة سوهاج، لأول مرة فى جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد «2017-2020»، وهى جائزة مخصصة لعمارة وتشييد المساجد حول العالم لتشجيع الأفكار التخطيطية والتصميمية المختلفة، ويتكون المسجد من بدروم وطابق أرضى وميزانين، فالقاعة الرئيسية بمساحة 160 مترًا مربعًا، والمسجد له بابان أحدهما يطل على الشارع الرئيسى، والآخر يطل على قطعه أرض فضاء بجواره، وللمسجد قبة بلغ اتساع قطرها 6 أمتار بارتفاع 3 أمتار، واستخدم لون البيوت المجاورة بنوع من الأحجار المعمارية، وهو الحجر الرملى الجيرى الذى يتلاءم مع طبيعة المكان ليتحمل الأتربة وأشعة الشمس، ويحتوى المسجد على مصلى للرجال وآخر للسيدات، وتلك هى المرة الأولى التى يتوافر فيها مكان خاص لمصلى السيدات داخل القرية، وخصص الدور الأرضى للقوافل الطبية وفصول محو الأمية، فضلًا عن وجود ساحة خارجية لاستقبال أعداد أكبر من المصلين فى أوقات العيدين وصلاة الجمعة وصلوات الجنائز.
وصمم مدخل المسجد علي طريقة مدخل مسجد قرطبة الكبير المتواجد فى بلاد الأندلس بتصميماته المثالية، وعن قبة المدخل وهى قبة تراثية قديمة، وتليها قبة مركزية فى منتصف المسجد والتى شيدت بطريقة مميزة وغير معتادة احتوت على 35 صف طوب رأسى بحيث تجذب الهواء وتمنع دخول أشعة الشمس والأتربة من خلال أحجار "بلوك محلى"، وعن محراب المسجد، يحتوى على 99 مكعبا كل مكعب مكتوب عليه اسم من أسماء الله الحسنى، وهو مكعب معمول من الحجر «الألباستر» المنفذ للضوء، أما أعمدة المسجد فتجد أنها سلكت تصميما مبتكرًا بحيث تأخذ دورانا مقصودا عكس عقارب الساعة، وعن مصلى السيدات، هناك جدار به عدة فتحات مربعة أوسع من جهة المصليات وأضيق من جهة الإمام، ليصل إليهم صوت الخطيب بشكل واضح، وعن مئذنة المسجد، نفذت على طريقة نسق حرف الألف فى الخط المنسوب عند بن مقلة وتجسدت فى 3 أبعاد وهى طريقة مبتكرة فى تصميم المساجد.