ذكر الدكتور عبدالرحمن زكي، أن لكل مدينة من المدن القديمة شخصيتها التي تميزها عن غيرها، سواء من الناحية في موقعها الطبيعي أو في أسلوب مبانيها المعماري إلى جانب الأحداث التاريخية التي مرت بها، وبيت المقدس في طليعة مدن الشرق العربي التي لها مكانتها الروحية عند المسلمين والمسيحيين واليهود، لكن مع كل هذا لم تنجو من أهوال الغزوات وأحداث الحصار المتعاقبة يزورها المسلمون للصلاة بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة.
تاريخ القدس
يقول الدكتور عبدالرحمن زكي، في كتابه “القدس بين الحق الإسلامي والمزاعم اليهودية” إن تاريخ القدس يمتد إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد وجعلها الملك داوود عليه السلام عاصمته بعد انتزاعها من مؤسسيها اليبوسيين، وأقام سليمان هيكله العظيم هناك فزاد ذلك من بهائها واتخذها ملك يهوذا عاصمة مملكته وظهر فيها كثير من أنبياء اليهود الذين نادوا برسالتهم في طرقاتها، فتقدر مساحة الحرم القدسي بحوالي 260650 مترا مربعا يضمها سور يبلغ طوله في الناحية الشرقية 424 مترا، ومن الناحية الغربية 490 مترا ومن الناحية الشمالية 321 مترا ومن الناحية القبلية 283 مترا.
وهناك الكثير من الرحالة الذين وصفوا القدس عند زيارتهم له بجانب قبة الصخرة، فقد وصف تاج الدين أحمد الحرم القدسي وقبة الصخرة في كتاب تحت عنوان “ المسجد الأقصى في صفة الصخرة والمسجد” وقال إن صحن الصخرة المحيط بها مفروش بالبلاط الجليل المصقول وطوله من القبلة للشمال مائتا ذراع وتسع وعشرون ذراعا، ومن الشرق للغرب مائتا ذراع وثلاثة وعشرون ذراعا ونصف ، وذرع ما بين الرواق قبلي الباب القبلي من أبواب الصخرة إلى رأس السلالم إلى عتبة الجامع مئة وخمسون ذراعا ونصف وربع ، وبأعلى هذه السلالم أربع قناطر محمولة على ثلاثة عمد وكتفين من البناء منها عمودان صوان أحمر ، والأوسط رخام أبيض فيه نقر مربع وعلى مقربة من هذه القناطر قبتان من الرخام، بقواعد شمعية وارتفاع القبة ثمانية أذرع ونصف وربع وتعرف أيضا بقبة النجوى.
المدرسة المعظمية
وفي القرنة أي الجهة القبلية من جهة غربي الصحن موضع يُعرف بالمدرسة المعظمية ، طولها من ظاهرها أربعة وثلاثون ذراعا وعرضها من القبلة للشمال سبعة أذرع لها بابان يفتحان للشمال تحدهما ثلاثة أعمدة من الرخام كل عمود به أربعة في جسد واحد ملفوفة مثعبنة وتلو ذلك عمودان ، ويبغ ارتفاع بنائها تسعة أذرع من أرض صحن الصخرة ويدخل في هذين البابين لرواق طوله ثمانية عشر زراعا ونصف في عرض ستة بصدره القبلي ثلاث طاقات مطلة على الحرم وأبواب الجامع وبالجهة الغربية منه قبة معقودة ،وبالجهة الشرقية من الرواق المذكور قبة ألطف من هذه تُعرف بقبة الملك المعظم وهي سكن الإمام وقيم المكان وحاصل الزيت.
كما يقابل المدرسة المعظمية في القرنة الشرقية من هذا الصحن قبة لطيفة مكسوة من ظاهرها بالبياض، وهي خلوة لبعض المتصدرين بالحرم الشريف، يفتح بابها للشمال ، وفي حائطي هذا الصحن الغربي ولاشمالي مسطبتان تعلو إحداهما قبلة من جهة الغرب والأخرى في الشمال لها سقف على عمودين من رخام يصلي عليها المبلغون في الصلوات الخمس.
أربع مآذن للحرم القدسي
إن للحرم القدسي أربع مآذن هي مئذنة باب المغاربة وهي المركز الجنوبي الغربي، وتسمى المنارة الفخرية ، شيدها القاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلى ، بينما مئذنة باب السلسلة : غربي الحرم وفوق باب الكنيسة شيدها الأمير سيف الدين تنكز الناصري ، ومئذنة باب الغوانمة في الركن الغربي الشمالي، بناها القاضي شرف الدين عبد الرحمن الذي شيد المئذنة الأولى، بأمر من الملك المماليك المنصور حسام الدين لاجين ، ثم جددها الأمير تنكر في عهد الملك الناصر محمد قلاوون ، ولذلك يطلق عليها مئذنة قلاوون، مئذنة باب الأسباط تقع بين باب الأسباط وباب حطة ، وفي الناحية الشمالية الشرقية من الحرم، أنشأها ناظر الحرمين الأمير سيف الدين قطلوبغا في أيام الملك الأشرف شعبان بن حسن ابن الملك الناصر محمد قلاوون
أروقة الحرم
نجد في طرف الحرم من الغرب أروقة محكمة البناء، أنشئت في عهد الملك الناصر محمد قلاوون وفي طرفه من الشمال أيضا أروقة بعضها أنشيء في أيام الملك الأوحد .. وبعضها في زمن الملك الأشرف شعبان وقد سد العثمانيون هذه الأروقة في أيامهم ، فاتخذوها مساكن براء المحتاجين والمهاجرين من فقراء المسلمين بيد أن المجلس الإسلامي منذ تولى الإشراف على الحرم ۱۹۲۲م أزال جدرانها لخارجية وأعادها إلى ما كانت عليه في أيام المماليك.
قبة الصخرة
تقع قبة الصخرة في وسط الحرم الشريف ببيت المقدس، وقد أطلق عليها اسم جامع عمر، لأن الخليفة الثاني كان قد أقام في موضعها مصلى صغير من الخشب، وشيد عبد الملك بن مروان على أنقاضه البناء الحالي ، الذي شرع في تشييده سنة ٦٦ هـ، وفرغ منه سنة ٧٢ هـ ، ومع ذلك فقد قال بعض
المؤرخين غير ذلك .
إن قبة الصخرة أروع العمائر الإسلامية وما زالت إلى اليوم فريدة شيدوها بعد ذلك في عمارتها ، ولم يقلد المسلمون تصميمها في المساجد التي شيدوها بعد ذلك ، وقد عني عبد الملك بن مروان بقبة الصخرة عناية زائدة فتأنق في زخرفتها وأبدع في اختيار موادها وانتقاء بنائيها وفنانيها
فجاءت تحفة معمارية لا مثيل لها حتى اليوم .
إن الصخرة التي شيدت عليها هذه القبة ، كانت مقدمة عند المسلمين والنصاري واليهود على السواء وتبلغ أبعادها من الشمال إلى الجنوب ۱۷,۷۰م، وعرضها من الشرق إلى الغرب ۱۳,۵۰ متر وشكلها نصف دائري تقريبا، وهي تقع في وسط هضبة صخرية فسيحة تسمى " الحرم الشريف" ويقع على امتداد محورها المسجد الأقصى وحولها درابزين من الخشب المنقوش والمدهون، وضعه الملك العزيز عثمان الأيوبي. وحول هذا الدرابزين مصلى للنساء له أربعة أبواب، ويفصل بين هذا المصلى ومصلى الرجال سياج من حديد مشبك ، كان قد بناه الصليبيون ، ويلاحظ أن تخطيط قبة الصخرة على شكل المثمن يلائم تماما للاحاطة بالصخرة ، ويتفق مع الغرض الأساسي من بنائها، وهو الطواف حول الصخرة التي اعتقد الحجاج أن النبي صعد عندها إلى السماء وقد اتخذ المسلمون هذه الصخرة قبلة قبل أن يوليا وجوههم شطر الكعبة ، وقد ولوا وجوههم شطر الكعبة في السنة الثانية
للإسراء ومع ذلك فقد ظلت الصخرة محترمة في نظرهم ؛ لأن النبي عرج منها إلى السماء وهذا ما حدا بعبد الملك بن مروان أن يختارها لبناء مسجده.
وصف ناصري خسرو للقدس
ذكر نيقولا زيادة المؤرخ الفلسطيني في كتابه " الجغرافيا والرحلات عند العرب" أن ناصري خسرو كان له وصف دقيق لكل دولة او مكان قام بزيارته.. من بينها وصفه للحرم القدسي بالقدس فكان له وصفا دقيقا الذي يعتبر من ادق ما وصل إلينا من المعلومات عن هذا المسجد المبارك، ولعله أول من ضبط ابعاد المسجد الأقصى وقياساته
وقال خسرو عن وصفه لقرى القدس أنها تقوم على رؤوس الجبال أو سفوحها ويكسو زهر النرجس بقعة من الأرض إلى الغرب من حماة، كما يقول عن القدس في وصفه لها أن شوارع المدينة مبلطة، والأرض في نواحي القدس مستغلة استغلال طيبا، والزيتون هناك كثير، بها أسواق جميلة وأبنية عالية، وكل أرضها مبلّطة بالحجارة، وقد سووا الجهات الجبلية والمرتفعات وجعلوها مسطّحة بحيث تغسل الأرض كلها وتنظّف حين تنزل الأمطار
الجامع شرقي المدينة وسوره هو سورها الشرقي، وبعد الجامع سهل مستو يسمى "الساهرة"، يقال إنه سيكون ساحة القيامة والحشر، ولهذا يحضر إليه خلق كثيرون من أطراف العالم ويقيمون به حتى يموتوا فإذا جاء وعد الله كانوا بأرض الميعاد، وعلى حافة هذا السهل قرافة عظيمة، ومقابر كثير من الصالحين يصلي بها الناس، وبين الجامع وسهل الساهرة واد عظيم الانخفاض كأنه خندق وبه أبنية كثيرة على نسق أبنية الأقدمين.