"إنها باريس!".. هكذا ردد كثير من السائحين الأجانب هذه الجملة، في سعادة غامرة، للتعبير عن مدى فرحتهم بقدومهم إلى العاصمة الفرنسية باريس لقضاء عطلة نهاية العام وحضور الاحتفالات بالعام الجديد 2024، حيث تمتلك باريس سحرا خاصا يجذب الجميع للذهاب إليها وقضاء وقت ممتع وسط معالمها الرائعة.
من المتعارف عليه أن فرنسا تعد من أكثر الوجهات السياحية في أوروبا زيارة لقضاء العطلات، وتعد مدينة باريس أكثر المدن جذبا للسياح الأجانب وخاصة في هذا التوقيت مع بداية عام جديد، حيث تعج المدينة رمز الرومانسية والأناقة والثقافة، بعدد كبير من السياح يأتون من مختلف دول العالم للاستمتاع بجمال المدينة مع مظاهر الاحتفال بأعياد الميلاد والأضواء التي تتلألأ في كثير من ميادين وشوارع العاصمة الفرنسية، ومظاهر الاحتفال بقدوم عام جديد مليء بالآمال والطموحات.
من أمام برج "إيفل" المعلم السياحي الشهير في باريس، تستمتع "ألكسندرا" من صربيا، بوقتها وسط أجواء مليئة بالبهجة. وقالت لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس: "هذه أول زيارة لي إلى فرنسا، كنت أرغب بشدة المجيء إلى هنا في هذا التوقيت من العام وخاصة وأنه تمت خطبتي هنا في باريس.. فهذا التوقيت مثالي لهذه المناسبة".
"جولهان" تركية جاءت من لندن، تزور باريس في الأساس للعمل إلا أنها انتهزت فرصة وجودها هنا للتسوق وزيارة المواقع السياحية. وقالت: "أود زيارة المعالم السياحية التي تشتهر بها باريس، وهي في الواقع في غاية الروعة، لم أتوقع هذا بهذا الشكل"، مشيرة بإصبعها إلى برج إيفل الكبير.
أما إليزابيث من بريطانيا، فعند سؤالها عن سبب اختيارها باريس للاحتفال بالعام الجديد، قالت بكل سعادة: "إنها باريس!.. مدينة العشاق والحب، لم أفعل من قبل شيئا مميزا في ليلة رأس السنة، لذلك أحببت أن أفعل شيئا مختلفا!".
ومن إيطاليا، أنطونيو وماريا أكدا "جئنا إلى هنا من قبل منذ 22 عاما وتمنينا تكرار هذه التجربة مع أبنائنا حيث أن مدينة باريس في قلوبنا.. ونود لقاء أصدقاء لنا وقضاء وقت ممتع معهم". فيما قال الأبن "جيوفاني": "أود أن أرى مظاهر الاحتفال بالعام الجديد والألعاب النارية.. رغبت في زيارة فرنسا عموما ولكن باريس على وجه الخصوص أعتقد أنها أكثر المدن جمالا وروعة في العالم.. وهناك مقولة مشهورة إنه إذا كنت من روما فعليك أن ترى باريس وإن كنت من باريس فعليك زيارة روما.. فهما مدينتان مترابطتان".
الاحتفال بالعام الجديد في باريس هو قرار صائب اتخذته "شارول" من سويسرا قائلة "كان قرارا عشوائيا لم أخطط له.. فقط لدي يومين عطلة لذا فكرت أن أذهب إلى باريس لقضاء وقت ممتع بمفردي.. فهذا أجمل شيء أن أكون هنا بمفردي مع سحر باريس".
المشهد لا يختلف كثيرا في العديد من المواقع السياحية الأخرى، بل يحرص كثير من السائحين وأيضا المواطنين الفرنسيين على الاستمتاع بوقتهم في أجواء مبهجة. وتعج جادة الشانزليزيه بكثير من الأشخاص من مختلف الجنسيات ويتحدثون بلغات مختلفة.
"ريشا" من الفلبين يحرص على أخذ صور مع أسرته مع خلفية "قوس النصر".. وفي سعادة قال: "كعائلة نحب أن نستمتع بوقتنا ونسافر إلى أماكن عديدة لذلك قررنا الاحتفال بالعام الجديد هنا في باريس وهي فرصة لكي نعرف ثقافات مختلفة".
كذلك، من أمام كنيسة "القلب المقدس" الشهيرة، تنظر "كاري" من الولايات المتحدة الأمريكية، بشغف إلى جمال المعمار والتراث الفرنسي قائلة: "جئت إلى هنا لكي أرى هذا المعمار الذي تتميز به فرنسا.. وباريس تعد مدينة تحتضن ثقافة رائعة ومعمار يحافظ على تراثه.. هذا مكان يستحق أن نزوره".
زحام كبير داخل المواقع السياحية الباريسية، وهو أمر جيد كما وصفه "خالد شلبي" ويعمل في شركة سياحة "جي دو ترافيل" ويرى أن عدد السائحين يمكن أن يكون أكبر مقارنة بالعام الماضي.
وأوضح "بعد خروجنا من أزمة كوفيد 19، حرص العديد من السياح المجيء إلى هنا، وأغلبهم يأتون من إندونيسيا ومن تايلاند وهونج كونج والفلبين وكولومبيا ومن إيران ومن تركيا وهناك أيضا كثير من الأمريكيين فضلا عن أعداد كبيرة من الإيطاليين والإسبان نظرا لقربهم من فرنسا إلا أن هناك قليل من اليابانيين الذين بدأوا في التوافد إلى فرنسا.
أما السائح العربي، فقد أكد خالد عن توافد أعداد قليلة من السياح العرب هذا العام، وأغلبهم يأتون بشكل فردي وليس ضمن فوج سياحي ويمكن أن يعمل ترانزيت في مدينة أخرى ومنها إلى باريس لكي يوفر في نفقات تذاكر الطيران العالية.
ومع هذا الإقبال الكبير، يرى خالد أنه ليس بنفس القدر الذي كانت تشهده فرنسا قبل كوفيد-19، فقد أصبحت إسبانيا والبرتغال وألمانيا وإيطاليا وانجلترا من المقاصد الأكثر جذبا للسياحة أكثر من فرنسا. وأرجع ذلك إلى "ارتفاع تكاليف السفر وأيضا بسبب الإضرابات التي تشهدها المدينة الفرنسية بشكل متكرر، منها في وسائل النقل، ما يؤدي إلى تعطيل أو تأخير بعض الخدمات وبالتالي يؤثر على مدى توافد السياح". لكنه ختم كلامه: "باريس تظل باريس.. ومازالت تجذب العديد من السائحين وهناك حجوزات كثيرة لزيارة برج إيفل وديزني لاند".
هذا ما أكدته أيضا المرشدة السياحية "حنان عزت" وهي تعمل في كثير من المواقع السياحية، لكنها ذكرت أن قصر فرساي التاريخي شهد أعدادا قليلة مقارنة بالمعتاد في مثل هذا التوقيت من العام، وذلك نظرا لأن القصر كان مستهدفا خلال الفترة الماضية بكثير من البلاغات الكاذبة بوجود قنابل وتم إخلاء القصر عدة مرات.
وتابعت: "عندما يتم نشر مثل هذه الأخبار فهذا يؤثر على مدى توافد السياح إلى هنا خاصة وأن هذا الإجلاء تكرر، ما أثر على عدد السياح الراغبين في زيارة القصر". لكن فيما يخص باقي المواقع السياحية، هناك أعداد كبيرة تتوافد عليها "بل مذهلة" كما وصفتها حنان لرؤية الأضواء ومظاهر الاحتفالات.
حظيت فرنسا بلقب أكثر دولة جذبا للسياح خاصة في عام 2019 (قبل جائحة كورونا)، حيث استقبلت البلاد نحو 90 مليون زائر. وفي عام 2022، تصدرت فرنسا قائمة أكثر الدول استقبالا للسياح بواقع أكثر من 79 مليون سائح، تلتها إسبانيا في المرتبة الثانية بواقع 71 مليون و660 سائحا، وفقا لبيانات السياحة العالمية لعام 2022.
لكن هذا العام، يستمتع السياح بأوقاتهم في العاصمة الفرنسية في ظل تواجد أمني مكثف ووسط إجراءات أمنية مشددة، حيث إن فرنسا ليست بمنأى عن التوترات التي يشهدها العالم والأحداث الأخيرة التي وقعت في الشرق الأوسط وتؤثر على البلاد.
وأشار وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين إلى مشاركة كبيرة لقوات الشرطة والأمن لتأمين الاحتفالات بالعام الجديد "بسبب ارتفاع مستوى التهديد الإرهابي"، حيث سيتم نشر 90 ألف شرطي، من بينهم ستة آلاف في العاصمة خلال الاحتفالات بالعام الجديد. ومن المتوقع أن يتواجد أكثر من 1.5 مليون شخص في جادة الشانزليزيه، المكان المخصص للاحتفالات بالعام الجديد.