يقول بعض المفكرين، إن الحرب في ذاتها هي وجه من أوجه السياسة ولكن بطريقة ميدانية بعيدة عن الطاولات والغرف والوفود متعددة الأطراف، وفي ذات الوقت تُعتبر الحرب هي الوسيلة الأكثر قذارة في السياسة بمعناها الواسع، حيث يدفع الثمن الضحايا الأبرياء، بينما يرفع شارة النصر الأوغاد الذين أشعلوا نيران المعارك، ليس هذا فقط، ولكن يتمتع هؤلاء الأوغاد بنعيم الحكم والسلطة والسيطرة بعد أن تحط الحرب أوزارها. وكل حرب جرت في التاريخ لم تكن نهايتها صفرية ولكنها انتهت بالتفاوض وتحرير المعاهدات التي ليس شرطا أن تكون معاهدات سلام ولكنها معاهدات تحافظ على مكاسب كل طرف من المتحاربين بعد شلالات الدم التي انهمرت ولم تشربها الأرض لأن الأرض تحب السلام.
لا أساوي هنا بين الضحية والجلد ولكنني أبحث عن مفر لوقف المذبحة التي فاقت الهولوكوست وفاقت ضحايا قنبلة أمريكا النووية على هيروشيما ونجازاكي، في القرن الواحد والعشرين يتم دفن الأجساد التي نفخ فيها الله من روحه بالجرافات في مقابر جماعية وتنتهي القصة بأنها مقابر مجهولي الهوية، والحقيقة هي أن هؤلاء الضحايا هم الهوية ذاتها وهم العلم والشعار والانتصار والهزيمة معا، مجهولو الهوية هم من أشعلوا الحرب وتصدروا وسائل الإعلام ليتكلموا عن الاستراتيجية والتكتيك، في إسرائيل عشرات الاحتجاجات التي يقودها اليسار لوقف الحرب والتفاوض وإنهاء هذه المأساة فيتبجح اليمين المتطرف هناك ويصف هؤلاء بالخونة، ويلعب نتنياهو وسيده بايدن لعبة الانتخابات وحصد الأصوات من الدماء التي غطت كامل خريطة غزة.
لا أريد الاتجاه إلى مندبة تشكو ولكنني أبحث عن مفر، المؤتمرات العربية والإسلامية العادية والطارئة منها لا تسمن ولا تغنى من جوع للحياة، حناجر الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج مغلوب على أمرها، المساعدات اليومية وطوفان الشاحنات والمعونات الغذائية والطبية هي أضعف الإيمان.
شجاعة وقف الحرب تحتاج إلى إرادة حقيقية صلبة من كلا الطرفين، نتنياهو الحزين على محنة ٧ أكتوبر ليس مفوضا بتحديد الخرائط السياسية لفلسطين، حماس التي اندفعت وتدفع مع شعب غزة الموت والجراح تحتاج إلى شجاعة التفاوض المرن، الحرب ليست نزهة يتجول فيها المتحاربون ولكنها أشلاء عجائز وأطفال ونساء، عداد الموت يتسارع ورقعة الميدان تتسع والخراب يقترب من الجميع، تحركات الحوثي في باب المندب وتهديد الحرس الثوري الإيراني بغلق مضيق جبل طارق يجعل من الحكاية حربا عالمية ثالثة ورابعة وألفا، التضامن مع الشعب الفلسطيني يحتاج عقلا باردا قادرا على إدارة الأزمة، عقل مسلح بإرادة حديدية تعرف من أين تبدأ الكلام وعند أي نقطة ينتهي، أما هذا الصمت والتراخي من ناحية والاندفاع المتهور من ناحية أخرى لايمكن لهما تضميد جرح فلسطيني ولا يمكن له وقف المقابر الجماعية التي تمطرنا بها الشاشات على مدار الساعة.
مصر الدولة الكبيرة الرائدة والتي تحارب على جبهات مختلفة لم تسلم من توابع حرب غزة وأهمها مخطط التهجير، وكأن الحرب في السودان قد انتهت حتى يبتلينا الظرف المعاكس بمعركة حماس وإسرائيل، وكأن ملف ليبيا قد تم ترتيبه حتى يبتلينا الظرف المعاكس بمعركة حماس وإسرائيل وكأن ملف سد النهضة ومعركة المياه مع إثيوبيا قد تم حسمها حتى يبتلينا الظرف المعاكس بمعركة حماس مع إسرائيل، وكأن قضية العدالة الاجتماعية بمصر وضرب حيتان الاحتكار قد انتهينا منهما حتى يبتلينا الظرف المعاكس بمعركة حماس مع إسرائيل، وعلي الرغم من كل هذا يرى كل صاحب عينين أن مصر في قلب معركة حماس مع إسرائيل، وفي ظني أن مصر سوف تنجح في وقفها والأيام القادمة سوف تشهد لنا.