الصدق والمكاشفة والمصارحة هي أقرب الطرق لعلاج المشكلة، هكذا أكتب وسأستمر في ما أكتبه دائمًا بتسليط الضوء والنقد البناء لكل ما أراه في الداخل المصري، بدون مواربة أو تملق لأن ليس لي مطامع أو مصالح في منصب أو مميزات، الهدف الأسمي لما أكتب من أجله هو وطني مصر، ومن محبرته الذي تسكن دمائي، أغمز بقلمي لأكتب من أجل مصر التي تحيا بداخلي.
غياب تام للحكومة عن الشارع ولذا تمت صناعة حالة من الضجيج والعويل والصراخ ملتبسة بحالة توهان وغيبوبة يعيش فيها المواطن ومصالحه، والسبب ليس كما يتناوله الجميع بشخصنة الحالة داخل شخص المسئول أي أن كان منصبه، لأن ذلك تناول للظواهر وليس الأسباب، وهنا مربط الحصان في كل مشاكل مصر منذ ستينيات القرن الماضي إلي وقتنا هذا، فالمشكلة تكمن في السياسات وليس الأشخاص، والسياسات تتمثل في الجهاز الإداري للدولة القائم منذ عهد محمد علي إلى وقتنا هذا أي ما يقرب من ٢٥٠ عاما، تخيلوا أيها السادة المسئولون والمواطنون أن مصر يحكمها جهاز تم تكوينه منذ ذلك التاريخ، وقد تناولنا في جريدة «البوابة» الغراء سلسلة مقالات تناولت تلك المشكلة واقتراحات حلها علي مدار ١١ مقالا.
ذلك الجهاز الإداري للدولة تم تهجينه بتشابك وانصهار تزاوج المال مع السلطة أثناء عهد حكم نظام مبارك، ولذا أصبح العنصر البشري الذي يصل إلي منصب هو مهجن بدوافع ومسببات تلك الحالة القائمة علي المحسوبية والنفاق والتملق مع طرد الكفاءات وأهل التخصص إلي دائرة الانزواء والتهميش، وهنا الأسباب الحقيقية لمشاكل مصر ونقطة ارتكاز أولية للدراسة والتشخيص والعلاج، أما تناول مشاكل مصر من أي زاوية أو منعطف أخر فهذا حرث في المياه تكون نتيجته مزيدا من التعب والإنهاك الذي سيؤدي إلي الغرق لا قدر الله، فكان يلزم أن تتناول القيادة السياسية منذ عام ٢٠١٤ وضع استراتيجية عمل لتوليد جهاز إداري عصري داخل دائرة الرقمنة والحوكمة يكون قادرا علي مسايرة حالة العولمة المعرفية التي تحكم مجتمعات العالم والتي أصبحت مصر منفصلة عنها تمامًا.
وللعلم لا يمكن أن يكون العنصر البشري ابن حالة الجهاز الإداري للدولة الحالي هو أداء للتغيير لأنه مكون أساسي من مكونات ثقافة المشكلة، وهذا ما ذكرناه في سلسلة المقالات المذكورة، ولحين تحرك القيادة السياسية لوضع يدها علي الحل، أقترح أن تتحرك تلك القيادة بوضع استراتيجية عاجلة تحت اسم «انضباط الشارع في أول مائة يوم» تهدف إلي إنقاذ الشارع من حالة العشوائية التي أصبحت مشكلة مزمنة تستعصي الحل علي قدرات المسئول وصلاحياته، وهذا ظهر جليًا في المقال الذي كتبته في جريدة «البوابة» الأسبوع الماضي تحت اسم «رسالة إلي محافظ المنيا»، والذي طالبته بإنقاذ مدينة سمالوط بمحافظة المنيا من سيطرة التوكتوك وأسواق الخضار والفواكه التي أقيمت أمام المرافق الحيوية مثل المستشفيات والمدارس والفرش أمام المحلات التجارية وركن السيارات في أماكن غير مخصصة لها والقمامة التي امتلأت بها الشوارع... إلخ، حيث جاءتني الكثير من الرسائل والتعليقات بأن تلك الحالة في كل جموع مدن مصر.
وعندما أفكر في ذلك الاقتراح أجد أنه لابد أن تكون هناك جهة قوية غير منغمسة في الفساد يثق فيها المواطن ويهاب حضورها، ولا أجد أمامي دائمًا إلا جهاز الأمن الوطني هو من يمتلك تلك الصفات والسمات، فجهاز التنمية وإدارته المحلية هو عصب قوي داخل الجهاز الإداري للدولة المتشبع بالفساد والترهل، ولا يمكن الاعتماد عليه وسيفشل أي مشروع قانون مهما كان جودته في حضور ذلك الجهاز، واقتراحي هو أن تكون هناك مشاركة بين الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وجهاز الأمن الوطني لإنقاذ الشارع المصري من تلك الحالة ووضع خطة عمل مستدامة لاستمرار انضباطه.
آراء حرة
انضباط الشارع في أول مائة يوم رئاسة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق