قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إنه في خضم الضغوط المتزايدة على إسرائيل من قِبَل الحلفاء الغربيين لحملها على كبح حملتها ضد حماس، مازال رئيس الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ متمسكًا بموقفه؛ لما أكد للعديد من المحللين أن إسرائيل تكافح من أجل تدمير غزة وليس من أجل تدمير حماس؛ إذ قال هرتزوغ خلال مقابلة أجريت معه يوم الثلاثاء الماضي: "إننا نعتزم السيطرة على قطاع غزة بأكمله وتغيير مسار التاريخ".
حماس راسخة ومن الصعب هزيمتها
وأكد تحليل "إيشان ثارور" الذي نشرته "واشنطن بوست" أنه حتى بعد شن واحدة من أكثر الحملات العسكرية كثافة وأثقل في التاريخ الحديث، لم تتمكن إسرائيل من تحييد سوى جزء صغير من القوة المسلحة لـ"حماس".
وأضاف أن حماس لم تهزم حتى الآن، رغم إصابتها بالرضوض، ففي حين تسعى إسرائيل إلى قطع رأس قيادتها العسكرية والقضاء على جزء كبير من قدرتها العسكرية، إلا أن الحملة المستمرة أثبتت أنها صعبة، بغض النظر عن قدرات إسرائيل ومواردها المتفوقة.
ورأى ثارور، أنه حتى تحقيق انتصار شبه كامل في ساحة المعركة لن يقضى على الجماعة التي لها جذور في المجتمع الفلسطيني وتضع نفسها كحامل لواء المقاومة لعقود من الاحتلال الإسرائيلي والاستيلاء على الأراضي.
كما استشهد في تحليله إلى عدد من الآراء، فمن جانبه، قال مايكل ميلشتين من مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب لصحيفة "الجارديان" البريطانية: "أود أن أسميه كيانًا مرنًا للغاية يجمع بين الحزب الحاكم المميز ومنظمة سرية وصندوق خيري.. إنه ليس شيئًا إذا تمكنت من قتل القائد الأعلى فسيتم تقويض الهيكل بأكمله".
هذه الحرب ستدمر غزة بدلًا من تدمير حماس
لكن إسرائيل، في هذه العملية، سحقت أكثر من ذلك بكثير؛ إذ قال دوف واكسمان، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "بدلًا من تدمير حماس، ستدمر هذه الحرب غزة وتجعلها غير صالحة للسكن إلى حد كبير، كما يمكننا أن نرى بالفعل في شمال غزة.. وهذا سيغذي المزيد من التشدد بين الفلسطينيين والمزيد من الدعم للمقاومة المسلحة".
وذكر تحليل "واشنطن بوست" أن هذا الشعور يتأكد من خلال اللغة المخيفة الصادرة عن العديد من الأصوات البارزة في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، بما في ذلك نتنياهو، الذي ناقش "تقليص" عدد سكان غزة.
ويوضح مؤرخ الشرق الأوسط جان بيير فيليو أن خطاب نتنياهو يوضح أن وراء "رغبة إسرائيل المعلنة في الانتقام تكمن الرغبة في القضاء ليس على حماس فحسب، بل على قطاع غزة أيضًا".
وأشار تحليل "إيشان ثارور" إلى ما أن بعض السياسيين الإسرائيليين يقولون ذلك بصراحة: "قطاع غزة بأكمله يجب أن يكون خاليا.. المسطح.. تمامًا كما حدث في أوشفيتز.. فلتكن متحفًا للعالم أجمع ليرى ما تستطيع إسرائيل أن تفعله"، هذا ما أعلنه مؤخرًا ديفيد أزولاي، عمدة مدينة ميتولا، المدينة الواقعة في أقصى شمال إسرائيل. وأضاف: "لا يجوز لأحد أن يقيم في قطاع غزة ليراها العالم أجمع، لأن السابع من تشرين الأول/أكتوبر كان بطريقة ما محرقة ثانية".
ورد المتحف الرسمي في معسكر الاعتقال الأكثر شهرة في الهولوكوست على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلًا: "إن تصريحات رئيس البلدية الإسرائيلي قد تبدو بمثابة دعوة للقتل على نطاق يشبه أوشفيتز".
هرتسوغ في نظر واشنطن قبل الحرب والآن
وجاء موقف هرتسوغ المتشدد ليكشف حقيقته في عيون واشنطن؛ إذ ذكرت الصحيفة الأمريكية إنه قبل اندلاع الحرب، كان ينظر إلى هرتسوغ على نطاق واسع على أنه أكثر حمائمية ومعقولية في نظر مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن العاصمة من رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو.
ولكن منذ الهجوم، اتخذ هو والعديد من المسئولين الإسرائيليين الآخرين موقفًا متشددًا؛ إذ سخروا من الانتقادات العالمية للقصف الإسرائيلي لغزة، في حين رفضوا الحديث عن وقف إطلاق النار لإنقاذ حياة الفلسطينيين وتخفيف الأزمة الإنسانية البشعة.
دمار غزة في الحرب
وأشار التحليل إلى الدمار الذي خلفته هذه الحرب؛ إذ دمرت إسرائيل الأراضي المحاصرة التي تسيطر عليها حماس، وشردت ما يقرب من ٩٠٪ من السكان في قطاع غزة، كما سوت أحياء بأكملها بالأرض، وأثارت كارثة إنسانية مترامية الأطراف، ووجدت نفسها تتأرجح في معركة خاسرة لكسب الرأي العام العالمي.
وأضاف التحليل أن مستشفيات غزة باتت في حالة انهيار، ولا يوجد سوى عدد قليل منها قادر على العمل.. المرض والجوع يطاردان المنطقة.. أنظمة الصرف الصحي فشلت.. هناك القليل من الكهرباء، وتقريبًا لا يوجد غاز للطهي، مما يؤدي إلى تفاقم المخاوف بشأن الوضع الراهن المشتعل.