لم تكن محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وليد الأزمة الحالية، وإنما كان القطاع الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي منذ السابع من أكتوبر، محورا لمباحثات ومفاوضات بين أطراف عديدة في المنطقة والإقليم بأكمله في إطارات وسياقات مختلفة بين التوصل إلى حلول مؤقتة أو الإقرار بالوضع النهائي لشكل الدولة الفلسطينية المأمولة.
وكانت قضية غزة، كمثل باقي ملفات الصراع المرتبطة بفلسطين، لها جذور وأخذ ورد بين الأطراف المعنية والفاعلة والمؤثرة فيها والمتأثرة بها، ونبحث خلال السطور التالية في أغوار قصة الصراع من أجل غزة وعليها، حيث طفا على السطح في الأزمة الحالية، ما كان يناقش خلف الكواليس، وما كان يدبر سرًا بات على المشاع، وأصبح مخطط تصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير السكان وإفراغ القطاع، مفضوحا أمام العالم أجمع، بعدما رفضته مصر مرارا وتكرارا بدءا من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وانتهاء بكل المسئولين المصريين المعنيين بهذا الشأن وقد خرج الشعب المصري في أكتوبر الماضي، رافضا لهذا المخطط وداعما للدولة المصرية لمواجهته رفضا للتفريط في سيناء ودعما لبقاء الفلسطيني في أرضه.
مخطط إسرائيلي
الرفض المصري لتهجير الفلسطينيين امتد إلى الدول العربية والإسلامية، التي أعلنت وقوفها ضد أي مخطط إسرائيلي لدفع الفلسطينيين خارج القطاع، إلا أن تل أبيب استمرت في سعيها لتنفيذ هذا المخطط الشيطاني، وأجبرت الفلسطينيين طوال شهرين كاملين على النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه القريب من الحدود المصرية، وبدأت الأوضاع تتوتر في منطقة الجنوب بعدما تكدس الفلسطينيون، حيث استنكر سامح شكري وزير الخارجية فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بزعم إنقاذهم من نيران الصراع المشتعل بفعل الحرب الدائرة واصفا هذا الطرح بأنه مرفوض كليا، في رسالة مباشرة وواضحة تؤكد موقف مصر الثابت من هذا الطرح.
ورد وزير الخارجية على سؤال خلال حواره لشبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية، في نهاية الأسبوع الماضي، "لماذا لا تستقبل مصر الفلسطينيين بشكل مؤقت في سيناء لإنقاذهم من نيران الحرب؟ قائلا: أليس من الأولى وقف إطلاق النار من أجل حل الأزمة والصراع الدائر بدلًا من النظر فى إزاحة الفلسطينيين إلى أماكن أخرى؟
واستطرد شكري قائلا: إن هذا الطرح بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء أو من الضفة إلى الأردن أو أي مكان آخر يتعارض مع القانون الدولي وهو إجراء غير ملائم، وشدد شكري على أن التهجير ليس صيغة معترف بها للتعامل مع أي صراع وليس هناك سببا لأن يترك الفلسطينيون أرضهم، مؤكدا أن الفلسطينيين المدنيين ليسوا مسئولين عما حدث في ٧ أكتوبر الماضي ولا يجب معاقبتهم على ذنب لم يقترفوه، وأكد وزير الخارجية أن مصر ستظل مناصرة للفلسطينيين لنيل حقوقهم.
وقابلت مصر التصعيد العسكري الإسرائيلي بتصعيد دبلوماسي، حيث نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي، عن أربعة مسئولين أمريكيين وإسرائيليين، أن مصر حذرت الولايات المتحدة وإسرائيل من تهجير الفلسطينيين في غزة إلى سيناء نتيجة العدوان على جنوب القطاع وذكر الموقع، أن مصر تعتبر الحرب على غزة تهديدًا لأمنها القومي، وتريد منع جيش الاحتلال من تهجير النازحين الفلسطينيين من غزة.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في تقرير أن معظم النازحين في رفح ينامون في العراء بسبب نقص الخيام، رغم أن الأمم المتحدة تمكنت من توزيع بضع مئات منها.
وتقول الأمم المتحدة إن نحو ٨٠ بالمئة من سكان غزة البالغ عددهم ٢.٣ مليون نسمة فروا من منازلهم إلى الجنوب، وإن كثيرين منهم انتقلوا مرات تحت وطأة القصف الإسرائيلي الشامل على القطاع.
ثلاث مراحل إسرائيلية للتعامل مع القطاع
وفي مستهل ديسمبر الجاري، كشف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عن خطة رؤية الاحتلال لمستقبل قطاع غزة، والمكونة من ٣ مراحل، حيث أفصح لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بأن إسرائيل ستُقيم منطقة أمنية عازلة، داخل قطاع غزة، كما أنها ستتولى المراقبة الأمنية داخل القطاع، بحسب ما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية "كان"
وأوضح مستشار نتيناهو للسياسة الخارجية أوفير فولك، المراحل الثلاثة للخطة الإسرائيلية، بشأن "اليوم التالي" في القطاع، وهي تدمير حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ونزع السلاح من غزة، على أن تتولى إسرائيل المراقبة الأمنية داخل القطاع، وأشار مستشار نتيناهو إلى أن المنطقة العازلة قد تكون جزءًا من عملية نزع السلاح، لكنه لم يكشف ما إذا كانت هذه الخطط قد أثيرت مع شركاء دوليين.
الخطة الإسرائيلية تسعى لتحقيق هدف الأمان للمستوطنات القريبة من غزة، حتى لا تشهد دولة الاحتلال طوفانا جديدا مثل ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي.
وفيما يتعلق بالهدف الإسرائيلي الأول فإن الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون أكد أن القضاء على حماس يستغرق ١٠ سنوات وفقا لـ"سي إن إن".
وفيما يتصل بسعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة في قطاع غزة، أوضح الدكتور حامد فارس أستاذ العلاقات الدولية، أن هناك رفضا أمريكيا ودوليا معلنا حيث تهدف تل أبيب إلى إقامة منطقة عازلة ما بين ٣ إلى ٤ كم وسط قطاع غزة لفرض السيطرة الأمنية واحتلال شمال القطاع غزة وهو المخطط الذي أعلن عنه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
وفي هذا السياق، قال خبير الشئون الدولية الدكتور حامد فارس في تصريحات لـ"البوابة" إن هناك توزيعا للأدوار بين واشنطن وتل أبيب، فعلى الرغم من الرفض الأمريكي لمقترح المنطقة العازلة، إلا أن الولايات المتحدة، هي التي تمول إسرائيل بالمال والسلاح، وتدعمها سياسيا وتحميها من قرارات الشرعية الدولية، منوها إلى أن حقيقة الموقف الأمريكي ستظهر خلال الفترة المقبلة.
وفي منتصف نوفمبر الماضى أكد وزير الخارجية سامح شكري، أنه يجب التركيز الآن على إنهاء الصراع الحالي في غزة وإنهاء معاناة المدنيين وليس على ما هو بعد، في إشارة إلى ما أثير حول مستقبل القطاع.
وأوضح شكري خلال حديثه في ١٦ نوفمبر للمراسلين الأجانب بالقاهرة، أنه ليس من الملائم أن تكون هناك ترتيبات تعزز الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية أو تأتي بأية ترتيبات مغايرة للجهتين، مشددا على وحدة واتساق قطاع غزة والضفة الغربية باعتبارهما أراضٍ محتلة ويخضعان للقانون الدولي والمسئوليات الملقاة على عاتق دولة الاحتلال.
وقال شكري ردا على سؤال حول ما صدر من تصريحات من جانب إسرائيل حول أن دول جوار غزة سيكون لها دور في مستقبل القطاع، وما إذا كانت مصر سيكون لها دور- أنه من المبكر تناول قضية مستقبل قطاع غزة إلا انطلاقًا من الأسس المرتبطة بأن كلا من قطاع غزة والضفة الغربية هما وحدة متكاملة من الأراضي الفلسطينية لا تتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة الواقعة تحت الاحتلال.
وأشار شكري إلى الوضع القائم فيما يتعلق بالسلطة الوطنية الفلسطينية ومسئوليتها فى إدارة الأراضي المحتلة، مؤكدا أن منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد لفلسطين هي من الناحية القانونية المسئولة عن إدارة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبعد يومين فقط من تصريحات شكري، نشرت صحيفة معاريف العبرية، مقالا للسفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة يتسحاق ليفانون، دعا فيه مصر إلى تحمل المسئولية في قطاع غزة بعد الانتهاء من الحرب مؤقتا، على غرار "الانتداب البريطاني والفرنسي" في القرن الماضي.
ويرى سفير إسرائيل السابق لدى القاهرة، أن "الوجود العسكري لبلاده في غزة بعد الحرب يشكل مشكلة لها" لافتا إلى أن الحل هو وجود مؤقت لمصر، لضبط النظام في قطاع غزة والإشراف على إعادة إعماره"، وهو نفس الطرح الذي اقترحه بيرتز على الرئيس السيسي.
وطالب "ليفانون" بألا يبقي تواصل بين الإسرائيليين وبين غزة، وتكون مصر الفعل بينهما، على غرار الانتدابين البريطاني والفرنسي في القرن الماضي، لافتا إلى أن الهدف ليس إعادة غزة إلى مصر، بل إعطائها تفويضا مؤقتا للوجود في القطاع، تشرف خلال هذه الفترة على بناء غزة بمساعدة مالية دولية لتكون مختلفة عما هي عليه اليوم.
مبارك يرفض إدارة قطاع غزة
وبعد هذه الأحاديث المتواترة حول دور مصري في قطاع غزة، أدلى رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود باراك، بأن الرئيس الراحل محمد حسني مبارك رفض مقترح إسرائيلي بحكم قطاع غزة في عام ٢٠٠٨.
وأوضح باراك أن مبارك أكد رفضه التام لأي سيطرة مصرية على القطاع، مضيفا في تصريحات مع منتدى الطيارين ٥٥٥، أن الرئيس الراحل رفض بشدة القبول بأي سيطرة مؤقتة على القطاع، وبعدها ذهب باراك لإقناع أبو مازن لكنه رفض قبول السيطرة على القطاع تحت غطاء إخضاع حماس للجيش الإسرائيلي.
وقال موقع "١٤ الآن" إنه بسبب رفض كل من مبارك وأبو مازن الموافقة على حكم غزة، فإن باراك، لم يكن لديه خيار سوى الاستمرار في السماح لحماس بالحكم في قطاع غزة حتى الجولة المقبلة.
وقال باراك أيضًا إن هدف عملية الرصاص المصبوب عام ٢٠٠٨ كان هو القضاء على حماس ونقل القطاع إلى السلطة الفلسطينية، لكن من أجل القيام بذلك، احتاجت إسرائيل إلى إدارة قطاع غزة بمعرفة مصر لفترة انتقالية حتى انتقال القطاع إلى أيدي أبو مازن وهو ما لم يحدث بسبب الموقف المصري الرافض لهذه الفكرة.
المنطقة العازلة
المنطقة العازلة في غزة هي فكرة قديمة في أذهان القادة الأمريكان والإسرائيليين على السواء، وتجسدت إبان العداون الإسرائيلي على قطاع غزة في ديسمبر ٢٠٠٨ ويناير ٢٠٠٩ وكان المخطط يقضي بنشر قوات أجنبية داخل حدود القطاع المتاخمة للحدود المصرية، بعمق نصف كم إلى نقطة التقاء الحدود المصرية الفلسطينية الإسرائيلية على مسافة ١٤ كم في العمق.
وقد تفجرت هذه الفكرة قبل ثلاثة أيام من انتهاء حكم إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، أعلنت الولايات المتحدة توقيع مذكرة تفاهم مع إسرائيل، حول إجراءات لوقف إمداد حماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية بالأسلحة والذخائر.
وأورد السفير أحمد أبوالغيط الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية، في كتابه "شهادتي" تفاصيل المخطط الأمريكي الإسرائيلي في ٢٠٠٩ حيث كان يتولى أبوالغيط حينها منصب وزير الخارجية.
ويقول أبو الغيط في كتابه "شهادتي": "فجأة يعلن في واشنطن يوم ١٧ يناير، عن توقيع الجانبين الإسرائيلي والأمريكي لمذكرة تفاهم حول إجراءات لوقف إمداد حماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية بالأسلحة والذخائر، وأن لهذا التفاهم بعدا إقليميا لمنع وصول السلاح إلى غزة، وآخر دوليا يستهدف تجميع رأي عام دولي للسيطرة على نفاذ السلاح إلى حماس".علاف
ويضيف "وأعلن رفضنا لهذه المذكرة وعدم التزام مصر بها مطلقا، كما أنها لا تعنينا في شئ، ثم اتصلت بوزيرة الخارجية الأمريكية في واشنطن، وكانت تستضيف ليفني التي زارت واشنطن لتوقيع مذكرة التفاهم، وأوضحت دهشتنا لهذا الموقف وردت بقولها إن الولايات تحاول إرضاء إسرائيل لكي تقبل بوقف إطلاق النار، وترسل رايس عبر السفارة الأمريكية بالقاهرة بورقة تتضمن آلية إقليمية ودولية للتعامل مع عمليات التهريب".
وتابع أبو الغيط "وتبدأ المساعي الأمريكية المدعومة أوروبيا لجذب مصر للتعامل مع الآلية المقترحة، مجموعة دولية للمراقبة والإشراف ومطالب من مصر لكي تشترك في هذا الجهد وقيام قوات حرس الحدود المصرية بأعمال للاعتراض والتصدي للتهريب، وبدأت تلويحات باستخدام بند المساعدات الأمريكية والتهديد بوقفها إذا لم تتجاوب مصر".
وأشار أمين عام جامعة الدول العربية، إلى أن "بعض الأوروبيين تحدثوا ببعض الأفكار غير المسئولة عن وضع قوات دولية أو غربية على الحدود المصرية الفلسطينية، وأقول وبحزم إن مصر لن تقبل بوجود أوروبي أو غيره على أراضيها، وإن هؤلاء الذين يطالبون بإيفاد هذه القوات عليهن احتلال شريط من الأرض داخل أراضي فلسطين ضد إرادة القوى الفلسطينية داخل القطاع"
وفي خضم هذه الأزمة يتلقى أبو الغيط اتصالا من نبيل العربي يقترح عليه ضرورة تجميد مصر اتفاق السلام مع إسرائيل بسبب العدوان على غزة، وأورد أبو الغيط رده على هذا المقترح بالقول "إنني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أوصي الرئيس بإعلان تجميد معاهدة السلام إلا إذا كان هناك خطر واضح على المصالح المصرية من قبل إسرائيل أو تهديد لأراضينا من جيشها".
حماس تحت مظلة السلطة الفلسطينية
وفي ظل توارد الأفكار المختلفة حول مستقبل القطاع بعد انتهاء الحرب، كانت هناك رؤية فلسطينية رسمية صادرة عن رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية، التي أكد فيها أن السلطة الفلسطينية تعمل مع المسئولين الأمريكيين على خطة لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب، معتبرا أن هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على "حماس"، "غير واقعي"، وأضاف أنه "يجب بدلًا من ذلك ضمها إلى نظام حكم جديد"
وأوضح رئيس الوزراء الفلسطيني في تصريحات لوكالة بلومبرج الأمريكية، في مكتبه برام الله الخميس الماضي السابع من ديسمبر الجاري، أنه يفضل بعد انتهاء الحرب أن تصبح "حماس"، "شريكًا صغيرًا في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، مما يساعد في بناء دولة مستقلة جديدة تشمل الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس الشرقية"
وتابع اشتية، أن مسئولين أمريكيين زاروه في وقت سابق من الأسبوع الجاري، لبحث خطة لليوم التالي للحرب على غزة واتفق الجانبان على أنه "لا ينبغي لإسرائيل إعادة احتلال غزة، أو تقليص أراضيها لإنشاء منطقة عازلة، أو طرد الفلسطينيين"، مشيرا إلى أن "حماس قبل ٧ أكتوبر شيء، وبعده شيء آخر، وإذا كانت مستعدة للتوصل إلى اتفاق، وإذا قبلت البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، عندها سيكون هناك مجال للحديث"، مضيفًا: "لا ينبغي تقسيم الفلسطينيين".
وفي اليوم التالي لهذه التصريحات، هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المقترح الفلسطيني بأن تكون حركة حماس شريكة في حكم غزة بعد الحرب التي تدور في القطاع حاليا.
وقال نتنياهو في بيان: "لن تكون هناك حماس. سوف نقضي عليها. حقيقة أن هذا هو اقتراح السلطة الفلسطينية يعزز سياستي: السلطة الفلسطينية ليست الحل"
وفي هذا السياق، قال الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن طرح رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد اشتية، حول انضمام حركة حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية خطوة مهمة، ولكن لا اتفق مع ما قاله في أمرين، الأمر الأول أن تكون تنظيم صغير داخل منظمة التحرير لأن هذا يتعارض مع حق الشعب الفلسطيني الديموقراطي في انتخاب مجلس وطني يمثل كل الفلسطينيين في الداخل والخارج، والأمر الثاني هو المطالبة من حركة حماس بالاعتراف بما تعترف به منظمة التحرير الفلسطينية ومن ضمنها الاعتراف بإسرائيل وهذا تنازل كبير مجاني في ظل وجود حكومة احتلال لا تعترف بالشعب الفلسطيني أصلا ولا بحقه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، إلى جانب وجود أعضاء في البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" يحرض على قتل وإبادة الشعب الفلسطيني.
ونوه الدكتور أيمن الرقب في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" إلى ضرورة الدعوة لوحدة الصف الفلسطيني على أساس الاختلاف والاتفاق تحت مظلة يكون فيها رأي الأغلبية نافذ بشكل ديموقراطي، لافتا إلى أن أي ترتيبات للأطراف الدولية مع حركة فتح أو السلطة الفلسطينية بعيدا عن حماس، ستكون غير منطقية وستتغير في النهاية هذه الأمور لتصبح إيجابية.
كما أكد الدكتور حامد فارس أستاذ العلاقات الدولية، على ضرورة أن من يقرر مصير قطاع غزة هم الشعب الفلسطيني، وليس أحد آخر، ولكن هذا يتوقف على شرط إنهاء الانقسام الفلسطيني، واذا نجح هذا سيكون نقطة إيجابية في مواجهة العالم وإسرائيل لتوحيد أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة باعتبار أنه لا يمكن فصل هذه المناطق عن بعضها البعض وألا يحدد المحتل شكل الدولة الفلسطينية.
هل تسعى إسرائيل إلى احتلال غزة؟
ومن بين السيناريوهات المطروحة بشأن القطاع هو عودة الاحتلال مجددا بعد رحيله منذ عام ٢٠٠٥، ففي العاشر من نوفمبر الماضي، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، حوارا مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، أكد فيه أن إسرائيل ستحتفظ "بالمسئولية الأمنية الشاملة" إلى أجل غير مسمى في غزة بمجرد أن تزيل حماس من السلطة، واستبعد في "احتلال غزة أو حكمها" أو وقف إطلاق النار في الوقت الحالي.
وتشي تصريحات نتنياهو بأن السيطرة الأمنية للاحتلال بعد الانتهاء من العدوان، تشبه الاحتلال المؤقت وليس الدائم.
وأضاف نتنياهو "نحن لا نسعى إلى حكم غزة ولا نسعى إلى احتلالها، لكننا نسعى إلى منحها ومنح أنفسنا مستقبلا أفضل، علينا التأكد من أن هذا لن يحدث مرة أخرى"
وردت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، على طرح نتنياهو، بأن أي دور أمني إسرائيلي سوف ينظر إليه الفلسطينيون وجزء كبير من المجتمع الدولي باعتباره شكلا من أشكال الاحتلال العسكري وقد يؤدي هذا إلى تعقيد أي خطط لتسليم مسئولية الحكم إلى السلطة الفلسطينية أو الدول العربية الصديقة، ويخاطر بإغراق إسرائيل في حرب استنزاف.
المسئولون الإسرائيليون، أعلنوا أكثر من مرة أن إسرائيل لا ترغب في السيطرة على غزة لفترة "طويلة" أي أن السيطرة الإسرائيلية على القطاع مرتبطة بنزع سلاح حماس
وقبل يوم من تصريحات نتيناهو، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال زيارته إلى اليابان، أن إسرائيل "لا يمكنها احتلال" قطاع غزة، بعد نهاية الحرب التي تخوضها حاليا ضد حركة حماس، التي نوه إلى أنها لا يمكن أن تستمر في إدارة غزة، مشيرا إلى "الحاجة لفترة انتقالية ما في نهاية الصراع".
تصريحات نتنياهو وبلينكن، سبقها تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأنه لا يدعم احتلال إسرائيل لقطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب.
وفي هذا السياق، أشار أستاذ العلاقات الدولية حامد فارس، إلى أن محاولة إسرائيل احتلال قطاع غزة، سينتج عنه خسائر كبيرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لأن معقل المقاومة الفلسطينية موجودة في الشجاعية ومخيم جباليا جنوب غزة، وهو من أهم الاحياء التي لم تستطع إسرائيل كسر المقاومة فيها، مضيفا أن استهداف إسرائيل سيكون أمرا سهلا إذا احتلت قطاع غزة لأن حينها سيكون هناك تمركزات ثابتة لجنود وآليات ومدرعات جيش الاحتلال، وترتفع حينها حصيلة قتلى الاحتلال لأن المقاومة ستعرف أماكن تواجد القوات وتنفذ الخطط اللازمة لاستهدافه.
ونوه الدكتور حامد فارس، إلى أنه عندما سعت إسرائيل إلى تحرير أسير من قبضة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تم القضا على الجندي الإسرائيلي، الذي حاول ذلك، وهو دليل على أن المقاومة تقف على قدميها ولم تهتز رغم الاجياح البري والقصف الجوي والبحري المستمر منذ أكثر من ٦٠ يوما.
وقال حامد فارس أستاذ العلاقات الدولية، إن إسرائيل تضع أهدافا لا يمكن أن تتحقق على واقع الأرض، ومن بين هذه الأهداف نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وهو أمر صعب المنال، حتى لو اجتاحت كل شبر في قطاع غزة، وعلل "فارس" هذا بأن المقاومة فكرة وأيدلوجية.
وأضاف الدكتور حامد فارس في تصريحات خاصة لـ"البوابة" أن الهدف الأهم الذي يهدف الاحتلال الإسرائيلي في تحقيقه هو تصفية القضية الفلسطينية برمتها، واستغلال هجوم المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، لتنفيذ هذا المخطط.
وأشار "فارس" إلى أن فكرة المنطقة العازلة، طبقت من قبل في لبنان ولكنها لم تنجح، وهو أمر صعب الحدوث في قطاع غزة.
الانتصار حليف المقاومة
وأوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس الدكتور أيمن الرقب، أنه على الرغم من الفيتو الأمريكي الأخير الذي أجهض مشروع قرار مجلس الأمن الدولي، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلا أن المقاومة على أشدها ضد الاحتلال الإسرائيلي، الذي يركز ضرباته في جنوب القطاع خاصة مدينة خان يونس، ومنطقة الشجاعية.
وفيما يتصل بمخطط الاحتلال لتنفيذ هدف تهجير الفلسطينيين، أشار "الرقب" إلى أن هذا المخطط يندفع باتجاهين، الأول هو دفع كتلة سكانية كبيرة باتجاه رفح الواقعة على الحدود المصرية، ليحقق الهدف بإزاحتهم إلى رفح المصرية إلا أن هذا المخطط سيفشل لأن صلابة القاهرة ستكون صخرة تتحطم عليها أحلام الاحتلال، مضيفا أن الاتجاه الثاني هو الضوء الأخضر الممنوح من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، للاستمرار في هذه المعركة ضد الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من ذلك إلا أن هذا الأمر مرتبط بسقف زمني ستنتهي به هذه الحرب، ولاحقا تبدأ الترتيبات لإنهاء هذه الأزمة.
وأكد الدكتور الرقب، أن في النهاية الشعب الفلسطيني الذي يقدم تضحيات كبيرة هو الذي سينتصر، مشيرا إلى أن طرح سيناريو غزة بلا حماس، هو سيناريو بعيد عن الحقيقة، لأن المقاومة مازالت صامدة وأي حلول نتوقع أن تكون بحماس وليس بعيدا عنها.