السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

د. زاهي حواس يكتب: دون منازع.. عام الأثريين المصريين.. اكتشافات أثرية بأيادٍ مصرية بدرجة عالية من الجودة والكفاءة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جاء فيلم المجهول والهرم المفقود علي قناة نتفليكس الأمريكية وسجل اكتشافات أثريين مصريين ليعلن أن هذا العام هو عام الأثريين المصريين وقد تصدر هذا الفيلم رقم واحد في المشاهدات علي المنصة في كثير من دول العالم. وسألني صحفي فرنسي ما أهم الاكتشافات الأثرية التي حدثت في مصر قلت له إنه في عامي ٢٠١٠ و٢٠٢٣ كانت جميع الاكتشافات علي أيدي مصريين علي درجة عالية جدا من الخبرة والكفاءة، لذلك يمكننا أن نقول إن هذين العامين هما عاما الأثريين المصريين. أما عن أهم الاكتشافات الأثرية فهو بالطبع الكشف عن الغموض الذى أحاط سرداب الملك "سيتي الأول"، والذي حير العلماء، وكان آخر من حاولوا الكشف عن أسراره هو الشيخ على عبد الرسول في عام ١٩٦٠- يعني نحو نصف قرن.

ولكن الذى حدث أنه بعد وصوله إلى ما يقرب من مائة وثلاثين مترًا داخل السرداب المظلم لم يستطع عماله التنفس أو الحركة نتيجة الغبار الكثيف وقلة الأوكسجين، ولأنه لم يكن ينقل الرديم الموجود داخل السرداب إلى خارج المقبرة، وإنما يقوم بحفر نفق صغير له ولرجاله داخل النفق الأصلى؛ ولذلك أوقفت مصلحة الآثار أعمال الحفر في ذلك الوقت وظل الشيخ على يصرخ لكل من يقابله قائلًا: أنا على ثقة من أن كنوز الملك "سيتي الأول" لاتزال مدفونة داخل هذا السرداب.

وإلى الآن لا أعرف بالضبط سبب تلك الثقة الزائدة التي كانت عند الشيخ على عبد الرسول! والذى حدث أننى قابلته وجلست معه مرات عديدة فى عام ١٩٧٣، بل وذهبت معه إلى فتحة السرداب داخل مقبرة الملك "سيتي" بوادى الملوك، ولم يفسر لى الشيخ على سبب إيمانه بأن كنوز المقبرة ما زالت موجودة داخل هذا السرداب.. ولم يحاول علماء الآثار الحفر داخل السرداب لخوفهم من انهيار المقبرة، ولكن جاءت ساعة الحسم عام ٢٠٠٧ عندما حاولت مع فريق العمل المساعد لى الكشف لأول مرة عن أسرار سرداب الملك "سيتي" في عام ٢٠١٠.

بدأنا العمل داخل السرداب بتدعيمه بدعامات صلبة متصلة ببعضها البعض لتدعيم السقف حتى نتمكن من إزالة الرمال والأحجار المنهارة داخل السرداب، وكذلك قمنا بعمل مشاية من الخشب لكي يسهل تحرك العمال وفريق العمل داخل السرداب. أما إزالة الرديم والأحجار فكانت تتم عن طريق عربات صغيرة تسير على خطوط حديدية تم تركيبها داخل السرداب، وكنت أستعمل هذه العربات فى النزول والصعود وهي عملية شاقة جدًا، خاصة إذا علمنا أن بداية النفق من عند حجرة الدفن والتى تقع أسفل الجبل ومدخل الوادى بمسافة أكثر من ٩٠ مترًا، بعدها نقوم بالنزول إلى عمق السرداب الذى وصل إلى أكثر من ١٧٠ مترا أسفل حجرة الدفن.

شيء مرعب حقًا تخيل وصول الفراعنة إلى هذه الأعماق ونحت سرداب ضخم تطلب منا العمل لمدة ثلاث سنوات إلى أن وصلنا إلى تنظيف وتدعيم كل المنطقة التي وصل إليها الشيخ على ورجاله، واتضح لنا أنه فقد المسار الصحيح للسرداب وبدأ يحفر ورجاله فوق جسم السرداب الأصلي، الأمر الذي كلفنا الكثير من الجهد والوقت لتصحيح أعماله وترميم الجسم الأصلى للسرداب. وقد استطعنا الكشف عن ٥٤ درجة حجرية بطول أكثر من مترين، وبعد ذلك وصلنا إلى صالة منحوتة في الصخر، وعثرنا على نص هيراطيقى يقول: "ارفع السقف ووسع البوابة"، وهى عبارة عن أوامر من المهندس المعمارى للعمال الذين يعملون داخل هذا السرداب، وبعد ذلك وجدنا ٣٧ سُلمة منحوتة في الصخر أيضًا، والمفاجأة التى أذهلتنا هى أن نهاية هذا السرداب كانت على مسافة ١٧٤.٥ متر، وأنه مسدود في نهايته أى لم يتم استكمال أعمال الحفر به.

وهناك حقيقتان يجب أن نركز عليهما وهو أن هذا السرداب هو عبارة عن مقبرة ملكية داخل المقبرة الأصلية، أى أن المصرى القديم قد نحت وزين الـ ٩٨ مترًا الأولى للمقبرة، وبعد ذلك فكر في نظام جديد للعمارة، وهو عمل هذا السرداب، ولكن نظرًا لأن الملك حكم اثنى عشر عامًا فقط فلم يستطع المهندس المعمارى استكمال المخطط الجديد للمقبرة، وهذا واضح فى الدرجة الحجرية الأخيرة رقم ٣٨ والتي بدأ العمال في نحتها وتوقفوا دون استكمالها لتؤكد نظريتي، وربما يكون ابنه "رمسيس الثانى" قد نجح فيما لم ينجح فيه أبوه "سيتي" اما اكتشافات عام ٢٠٢٣ فهذا حديث آخر.


زاهي حواس: من أهم الأثاريين المصريين، وزير سابق للآثار، يحاضر فى العديد من الدول الغربية حول الآثار الفرعونية وتاريخ قدماء المصريين. له مؤلفات بالعربية والإنجليزية فى هذا المجال.. يكتب عن أهم عامين يعتبرهما عامى الأثريين المصريين بامتياز.