في يوم النصر الكبير، تعبيرًا عن فرحتهم الغامرة، استقبل أهالي المدن المحررة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، جنود ومقاتلي الجيش العراقي بالقبلات والأحضان والزغاريد، خاصة أن الجيش خاض معركة طويلة امتدت لثلاث سنوات، انتهت بانتصار العراق في ١٠ ديسمبر من العام ٢٠١٧، حيث مرت الذكرى السادسة لتحرير المدن والمحافظات العراقية من قبضة أحد أكبر التنظيمات الإرهابية في العصر الحديث، وأكثرها إجرامًا وبشاعة.
يحتفل العراق بالذكرى السادسة لتحرير أراضيه من تنظيم داعش الإرهابي، في إنجاز وطني كبير تطلبت تضحيات كبيرة من الجيش العراقي والشعب العراقي.
يأتي هذا الاحتفال وسط تحديات داخلية عديدة، أبرزها الهجمات المتكررة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، والتي تستهدفها ميليشيات وتنظيمات مسلحة مدعومة من إيران. وتأتي هذه الهجمات في إطار الرد على الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل في عدوانها المستمر على قطاع غزة.
كما يتزامن الاحتفال بيوم النصر مع إجراء انتخابات محلية "مجالس المحافظات" لأول مرة بعد توقف دام لـ١٠ سنوات. وتثير هذه الانتخابات جدلًا بين الأحزاب السياسية المختلفة في البلاد، حيث تختلف الآراء حول أهميتها. وأيضا تظل مسألة عودة النازحين الإيزيديين إلى ديارهم واحدة من المشكلات الأساسية التي تحاول الحكومة العراقية إنجازها والانتهاء منها، خاصة أن الإيزيديين عانوا طويلا بعدما اجتاح تنظيم داعش الإرهابي قراهم ومناطقهم.
استدامة النصر
في بيان لرئيس الوزراء العراقي، قال إنه بمناسبة الذكرى السادسة للانتصار الكبير على عصابات داعش الإرهابية، نستذكر هذا النصر التاريخي، الذي تمكن فيه العراقيون من دحر داعش وإرهابها، نيابةً عن العالم والإنسانية جمعاء. ووجه "السوداني" التحية لكل قيادات وأبناء الشعب العراقي، مشيدا بدور المرأة العراقية ووقفتها العظيمة، وقد حصدت المواجهة من الشهيدات والمُغيبات والمختطفات، مثلما حصدت من أرواح الرجال. ولا يفوتنا توجيه الشكر لكل الأشقاء والأصدقاء الذين ساندوا العراق في حربه الحقة ضد قوى الشر والظلام.
وأضاف، أن العراقيين اليوم يخوضون معركة الإعمار والبناء، ومحاربة الفساد، وتحدّي تأمين الخدمات، انطلاقًا من الاستقرار المتحقق بفضل تلك التضحيات، التي لا يمكن أن نسمح لأحد أن يفرط به، بأي حال من الأحوال.
ويحتفل العراق اليوم بالذكرى السادسة لتحريره من تنظيم داعش الإرهابي، الذي احتل مساحات واسعة من البلاد، وتسبب في معاناة كبيرة للشعب العراقي. في سياق وضع الأجهزة الأمنية للعديد من الخطط الأمنية لتأمين إجراء أول انتخابات محلية "مجالس المحافظات" بعد توقفها نحو ١٠ سنوات كاملة. وتثير هذه الانتخابات جدلًا بين الأحزاب السياسية المختلفة في البلاد، حيث تختلف الآراء حول أهميتها.
وبدوره وجه الفريق الركن كريم التميمي، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، التهنئة للقيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، وجميع المقاتلين المضحين من كافة القوات المسلحة العراقية، وأبناء الشعب العراقي، كما خصَّ بالذكر عوائل الشهداء والجرحى بمناسبة يوم النصر على واحدٍ من أخطر التنظيمات الإرهابية في العصر الحديث.
وقال التميمي، في بيان له، يوم الأحد الماضي، إن التضحيات الجسام التي قدمها العراق العظيم في معارك التحرير تضعُ على عاتقنا عظيمَ المسئولية في استدامة النصر واتباع أنجع الطرق في التحصين والمنع والردع، وفقًا لسياسات واستراتيجيات وخطط مبنية على أساليب علمية وواقعية تؤتي ثمارها الملموسة في توفير حياةٍ مستقرةٍ آمنة لشعبنا الصابر العزيز.
وأضاف أنه يوجه التحية والتقدير لكل من شاركَ ودعمَ وساهم في تحقيق هذا الإنجاز الكبير، ووفق الله الجميع لكل خير وكل عام والعراق من نصر إلى نصر.
من جانبها، استعرضت قوات التحالف الدولي ضد داعش، التي ساندت العمليات العسكرية ضد التنظيم الإرهابي، خلال صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مجموعة من الصور التي تظهر حطام ودمار أحياء بعض المدن العراقية ثم نفس الأحياء لكن البناء والترميم والتنمية.
تعافي البلاد
وأكدت قوات التحالف الدولي أن يوم النصر يعتبر بداية تعافي البلاد بعد هزيمة تنظيم داعش من قبل قوات الأمن العراقية. وعلى مدار ست سنوات، أُعيد بناء المدن، لتستعيد الحياة، وتعزز سبل العيش وفرص العمل للشباب.
وخلال اجتماع لكبار الممثلين الدبلوماسيين من المجموعة المصغرة للتحالف الدولي، في روما، مطلع الشهر الجاري، أعرب أعضاء التحالف عن رضاهم عن حملة التحالف للعام ٢٠٢٣ والتي تعهد فيها بتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة في سوريا والعراق، وشددوا على أهمية تنفيذ هذه التعهدات وأثنوا على التقدم الذي أحرزته حكومة العراق لتصبح شريكا كاملا في مجال مكافحة الإرهاب.
يشار إلى أن تنظيم داعش الإرهابي، اجتاح عدة مدن ومناطق شاسعة في العراق، وسيطر على مدن رئيسية مثل الموصل وصلاح الدين والأنبار، ووضع التنظيم الجيش العراقي في مأزق خاصة أنه سيطر على مدن مكتظة بالسكان، بعدها تطوع مئات وآلاف الشباب العراقيين للانضمام إلى القوات المسلحة للدفاع عن بلادهم خاصة بعد تصاعد عدة مخاوف من زحف التنظيم الإرهابي للسيطرة على باقي مدن ومحافظات العراق، وقد تمكن الجيش من تحقيق تقدم تدريجي في المعركة ضد التنظيم الإرهابي.
وفي العاشر من ديسمبر لعام ٢٠١٧ تمكن الجيش من تحرير مدينة الموصل معقل التنظيم الإرهابي ومركزه في البلاد، وشاركت في الحرب إلى جانب الجيش العراقي تشكيلات عسكرية عراقية مثل الشرطة الاتحادية، وجهاز مكافحة الإرهاب، وقوات الرد السريع، والبيشمركة، والحشد الشعبي.
ولفت تقرير أعدَّه فريق من الخبراء بالأمم المتحدة عن جرائم داعش ودورها فى استخدام أسلحة كيماوية وذات دمار شامل فى العراق إبان مرحلة سيطرتها بعد العام ٢٠١٤، حيث أوضح الخبراء أن التنظيم قام بتصنيع وإنتاج صواريخ وقذائف هاون وذخائر للقنابل الصاروخية ورؤوس حربية كيماوية وأجهزة متفجرة كيماوية يدوية الصنع.
العودة إلى الديار
ومن التحديات بالغة الصعوبة هي عودة النازحين الإيزيديين إلى قراهم ومناطقهم الذين هُجروا منها بعدما اجتاح التنظيم الإرهابي قضاء سينجار بمحافظة نينوى في أغسطس عام ٢٠١٤، ويبدو أن الأمر يزداد تعقيدا بعد فشل تحقيق العودة من قبل السياسيين العراقيين الذين وعودوا بذلك خاصة المسئولين في الحكومة العراقية.
وتشير التقارير ذات الصلة أن قرابة ربع مليون إيزيدي نازح ويعيش في مخيمات بعد فشل العودة إلى الديار، خاصة وأن القرى والمناطق التي اجتاحها التنظيم الإرهابي باتت مهدمة ويستحيل العودة إليها إلا بعد إعادة بناء بيوتها وإحياء المرافق والخدمات بها، وأيضا إعادة الأمان، خاصة أن المنقطة تشهد نشاطا لجماعات مسلحة منها حزب العمال الكردستاني التركي.
وفي أكتوبر الماضي، شهد قضاء سينجار افتتاح نصبا تذكاريا لتخليد مأساة إبادة الإيزيديين على يد التنظيم الإرهابي، الذي قتل الرجل والنساء المسنة، وسبى الفتيات لاغتصابهن وتوزيعهن على جنوده وقيادات التنظيم، كما أخذ الأطفال وضمهم إلى صفوفه بعد خضوعهم لعمليات تشويه ومسح وغسيل أدمغة.
النصب التذكاري الذي نادت بتشييده الناشطة الإيزيدية نادية مراد، الناجية من قبضة تنظيم داعش الإرهابي الذي سباها مع أخريات وتعرضت لعمليات قمع واغتصاب حتى تمكنت من الفرار، وحصلت على جائزة نوبل للسلام عام ٢٠١٨.
شُيد النصب التذكاري بدعم من قبل منظمة الهجرة الدولية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة نادية، وتم تشييده فوق مقبرة جماعية ضمت نحو ٨٠ امرأة مسنة بالإضافة لعدد من الأطفال.
وقالت المهندسة العراقية الإيزيدية ديرسم خيري نعمو، مصممة النصب، أنه يتكون النصب من ٢٥ لوحة حجرية مختلفة الأطوال ما بين متر إلى ١٠ أمتار، في رمزية لجبل سينجار الذي كان شاهدا على العمليات الوحشية ضد الإيزيديين، خاصة أن الجبل يمثل ملجأ وملاذا لأهل المنطقة على مر العصور، وتعلو النصب الشمس المقدسة التي تمثل رمزا للولادة والحياة عند الإيزيدية.
وخلال افتتاح النصب، بحضور الناشطة نادية مراد التي أشارت إلى التحديات الأمنية في المنطقة حيث ألقت باللائمة على السياسيين البارزين في المنطقة، قائلة "هناك سياسيون وأمراء حرب يسعون لمنع عودة الاستقرار إلى قضاء سنجار، السياسيون والقادة أنفسهم الذين فشلوا في حماية مواطنيهم عام ٢٠١٤، فشلوا في ترجمة وعودهم وأقوالهم إلى أفعال، والدليل هنا بارز على أرض سنجار".
وحول بقاء النازحين في المخيمات بعيدا عن بلادهم وقراهم، قالت "نادية": لقد طلبنا من حكومتنا مراراً وتكراراً دعم الناجين وعوائلهم، إن العيش في مخيمات النزوح على بعد ساعات من سنجار ليس حلاّ، هذه المخيمات عبارة عن إبادة أخرى تمزق نسيج المجتمع بأكمله، إن جيل كامل من الإيزيديين بقوا دون الحصول على التعليم المناسب أو فرص عمل أو الحصول على حقوقهم الأساسية مثل الخصوصية". في إشارة إلى تأخر المسئولين في الوفاء بوعود العودة إلى الديار التي التزموا بها في عدة خطابات أمام الشعب العراقي.