لا شك أن الوضع الإنساني في قطاع غزة كارثي في ظل الانهيار الحقيقي للنظام الصحي في القطاع في أعقاب العدوان الغاشم الذي تشنه قوات الاحتلال منذ نحو شهرين، حيث وصلت حصيلة العدوان حتى منتصف ديسمبر الجاري إلى 18787 شهيدًا، وأكثر من 50897 جريحًا منذ السابع من أكتوبر الماضي، و70% من الضحايا من النساء والأطفال.
ما زاد عدد الشهداء بالطبع هو الانهيار شبه التام لمستشفيات القطاع نتيجة لاستهداف قوات الاحتلال للمراكز الطبية والمستشفيات والمجمعات والوحدات الصحية، حتى الأطقم الطبية لم تسم من الاستهداف والقتل والاعتقال من قبل سلطات الاحتلال، إلى جانب استهداف المدنيين في كل بقاع غزة، وقالت وزارة الصحة الفلسطينية مساء أمس الخميس، في آخر بيان عن ضحايا العدوان، إن قوات الاحتلال ارتكبت 18 مجزرة وجرائم ابادة جماعية خلال الساعات الماضية في كافة مناطق قطاع غزة.
وأفاد المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية، الدكتور أشرف القدرة خلال مؤتمر صحفي عقد في اليوم الـ69 للحرب على غزة، بوصول 179 شهيدًا و303 إصابات خلال الساعات الماضية، فيما لا يزال العدد الأكبر من الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات، وبذلك ترتفع حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ بدء العدوان على قطاع غزة إلى 18787 شهيدًا، وأكثر من 50897 جريحًا منذ السابع من أكتوبر الماضي، و70% من الضحايا هم من النساء والأطفال.
وأشار القدرة إلى تحويل الاحتلال الاسرائيلي مستشفى كمال عدوان لثكنة عسكرية، ويطلب تحت التهديد إجلاء الجرحى والمرضى إلى مجمع الشفاء الذي يفتقر إلى كل المقومات العلاجيّة، لافتًا أنّ هذا الاجراء " يشكل إعدام لهم".
وحذّر من خطر يهدد حياة 12 طفلًا في العناية بسبب عدم توفر الحليب وأجهزة دعم الحياة عنهم.
الاحتلال يهدم المستشفيات ويعتقل الأطقم الطبية
كما أشار القدرة الى اعتقال الاحتلال 70 من الطواقم الطبيّة والجرحى منهم مدير مستشفى كمال عدوان الدكتور أحمد الكحلوت، معربًا عن خشيته من إقدام الاحتلال على حصار واستهداف مستشفى العودة ومنع الماء والطعام والكهرباء عنه ووصول الجرحى والمرضى إليه.
وأكدّ القدرة أنّ الاحتلال الاسرائيلي يتعمّد تصفية الوجود الصحي في شمال غزة لاجبار السكان على النزوح.
ووصف الوضع في مستشفيات جنوب غزة بأنّه "لا يطاق"، فالمستشفيات فقدت قدرتها الاستيعابية والعلاجية، والطواقم الطبية باتت تفاضل بين الحالات لانقاذ حياة ما يمكن انقاذه من بين الأعداد الكبيرة التي تصل الى المستشفيات.
وناشد القدرة المؤسسات الدوليّة بدعمها بالادوية والمستهلكات الطبية والوقود والفرق الطبية المتخصصة
وذكر استمرار اعتقال الاحتلال الاسرائيلي 38 كادرًا صحيًّا، منهم د. محمد أبو سلمية في ظروف قاسية وغير انسانية والاستجواب تحت التعذيب والتجويع.
استشهاد 300 كادرًا صحيًا وتدمير 102 سيارة اسعاف
ولفت إلى أنّ العدوان الاسرائيلي ضد المنظومة الصحيّة أدت الى استشهاد 300 كادرًا صحيًا وتدمير 102 سيارة اسعاف، فضلًا عن استهداف قوات الاحتلال 138 مؤسسة صحيّة أخرج منهم 22 مستشفى و52 مركزًا صحيًّا.
وبيّن القدرة أنّ الآلية المتبعة لعلاج الجرحى في الخارج "عقيمة وغير مجدية"، وتساهم في قتل مئات الجرحى، مطالبًا الجهات المعنيّة بتوفير آلية فاعلة لانقاذ الجرحى.
وأعلن القدرة عن نفاد تطعيمات الأطفال بالكامل من وزارة الصحة، مطالبًا كافة الجهات بالعمل الفوري على توفيرها لمنع الكارثة الصحية المحققة لدى الاطفال المواليد.
وأوضح أنّ الوضع الصحي والانساني في مراكز الإيواء لا يمكن احتماله، معربًا عن خشيته من وفاة عشرات الآلاف نتيجة انتشار الأوبئة والأمراض المعدية وسوء التغذية وعدم توفر اي خدمات صحية لهم.
وأشار إلى أنّ الطواقم الطبيّة رصدت 327 الف حالة مصابة بالامراض المعدية وصلت للمراكز الصحية من مراكز الايواء، لافتًا الى أنّ هذا العدد هو الذي استطاع الوصول للمراكز الصحية، مرجحًا أن يكون العدد أكثر بكثير.
وطالب القدرة المؤسسات الأممية بالعمل على توفير المقومات المعيشية والرعاية الصحيّة لمراكز الايواء، ولأكثر من 700 الف طفل و50 الف سيدة حامل و350 مريض مزمن منهم 1100 مريض غسيل كلى فضلًا عن آلاف الجرحى، وناشد القدرة شركاء العمل الصحي إلى إقامة نقاط طبية، وعيادات متنقلة لتوفير الرعاية الصحية للنازحين في المناطق الغربية لخان يونس ورفح.
وأكدّ أنّ الاحتلال الاسرائيلي يتعمّد ابقاء المنظومة الصحية في حالة انهيار مستمر متحكمًا في حجم ونوعية ومسار المساعدات الطبية، مطالبًا بتوفير ممر انساني آمن يضمن تدفق الامدادات الطبية والوقود ووصولها لكافة مستشفيات قطاع غزة.
ونادى المؤسسات الدوليّة بالتدخل العاجل توفير الاحتياجات الدوائية والوقود لتشغيل مجمع الشفاء الطبي الذي يمثل الوحيد للجرحى والمرضى والولادة والاطفال بعد خروج مستشفيات شمال غزة عن الخدمة، وطالب كافة الدول والمؤسسات الدولية باقامة مستشفيات ميدانية شمال غزة لانقاذ الجرحى والمرضى.
الأونروا تحذر من انتشار الأمراض والأوبئة
من جهتها، حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من انتشار الأمراض والأوبئة في غزة بعد رصد تفشي مرض الالتهاب الكبدي "أ"، محذرة من استمرار انتشار المرض وانتقاله إلى مناطق أخرى داخل القطاع المُحاصر.
وقالت الناطقة باسم "أونروا" تمارا الرفاعي: "متخوفون للغاية بشأن انتقال المرض بسبب الاكتظاظ الذي تشهده ملاجئ ومدارس الأونروا في قطاع غزة، خاصة أن هذا الالتهاب الكبدي الوبائي يُمكن أن يتفشى بسهولة، في خضم زيادة توافد النازحين على مراكز الإيواء بعد عودة القصف".
وأكملت: "نتخوف كذلك على وضع الناس في الملجأ الذي رصدنا فيه انتشار هذا المرض"، معبرة عن أملها في استعادة الهدنة مجددًا للسيطرة على تلك الأمراض.
تدمير 45 % من الوحدات السكنية بقطاع غزة
وأكدت "الرفاعي أنه منذ انتهاء الهدنة في غزة، عاد النزاع بما في ذلك القصف الجوي، وصار نحو 1.8 مليون من سكان القطاع "نازحين"، ما يمثل قرابة 80 بالمئة من سكان غزة البالغ إجمالي عددهم نحو 2.2 مليون مواطن، مشيرة إلى أن 1 مليون مواطن من النازحين في غزة باتوا يعيشون داخل 156 منشأة تابعة للأونروا، بينهم 950 ألفًا يتواجدون في ملاجئ الوكالة بالمناطق الوسطى والجنوبية من القطاع، في حين أن معظمهم بالأساس قادمون من الشمال.
وتابعت: "جرى تدمير 45 بالمئة من الوحدات السكنية بقطاع غزة خلال أيام الحرب، وبالتالي لم تعد صالحة للسكن، وأثناء الهدنة، لاحظنا زيادة عدد الوافدين إلى ملاجئ الوكالة، وهذا يعني أن النزوح ما زال مستمرًا، في الوقت الذي استغل العديد من الغزيين أسبوع الهدنة في زيارة منازلهم ودفن موتاهم.
وأكملت قائلة: "استطاعت الأونروا خلال الهدنة، توزيع المساعدات في الملاجئ بشمال القطاع، وهذه أول مرة نوزع المساعدات في الشمال الذي أغلقته القوات الإسرائيلية بشكل كامل، حاليًا؛ فأكثر ما نوزعه هو الدقيق والأطعمة المعلبة التي لا تحتاج إلى تجهيز، إلى جانب المياه النظيفة"، وفقا لقناة سكاي نيوز عربية.
وأفادت الناطقة باسم "الأونروا" بأنه "يجب التأكيد على وجود أزمة مياه داخل القطاع، فغزة بالأساس تفتقر للمياه الصالحة للشرب، ولدى وكالة الأونروا محطات صغيرة لضخ وتحلية مياه الآبار، لذلك نطالب بضرورة إدخال المزيد من شاحنات الوقود لاستخدامها من أجل ضخ المياه وتحليتها.
وقالت: "شهدنا دخول عدد أكبر من شاحنات المساعدات الإنسانية في أيام الهدنة، وكذلك صهاريج الوقود، لكن ما جرى إدخاله لا يكفي الاحتياجات الكبيرة للغاية لدى سكان القطاع حاليًا، حيث كانت الهدنة تتضمن زيادة عدد الشاحنات المسموح بدخولها إلى القطاع إلى 200 شاحنة، في الوقت الذي كان يدخل إلى القطاع 500 شاحنة قبل 7 أكتوبر".
واختتمت تصريحاتها قائلة: "منذ اندلاع الحرب والتشديد والإغلاق الشديد على القطاع، بات يدخل نحو 100 شاحنة من المساعدات، وانهار القطاع الخاص داخل غزة تماما، إذ باتت المحال فارغة ولا يوجد أي سلعة يتم شراؤها".
الوضع في قطاع غزة "كارثيٌّ"
أما الدكتور مروان الهمص، مدير مستشفى الشهيد محمد يوسف النجار في رفح، فأكد أن الوضع في قطاع غزة "كارثيٌّ"، بعدما شهدت الأيام الأخيرة "نقص الأدوية كارثيّ ولا يوجد مكان في المستشفيات"، وانتشار الأمراض التي تنتشر في الملاجئ والمدارس والمنازل المكتظة.
وقال "الهمص" أن مستشفى الشهيد محمد يوسف النجار يضم 63 سريرًا، ويستقبل 145 مريضًا، وربما يمثل ذلك أكثر من ضعف القدرة الاستيعابية للمستشفى، لكنّ مدينة رفح التي تقع على الحدود مع مصر، أصبحت الآن موطنا لمليون نازحٍ فلسطيني، بالإضافة إلى عدد سكانها قبل الحرب والذي كان يبلغ 300 ألف نسمة.
وأوضح في تصريحات تليفزيونية أنّ المستشفيات في جميع أنحاء قطاع غزة تستقبل المرضى الذين يعانون من الإسهال الشديد، والتعب، وارتفاع درجة الحرارة، وهذه كلها أنواع عدوى تنتشر عن طريق الماء، والغذاء، والاتصال بأشخاص آخرين.
وأضاف الهمص: "تنتشر أيضًا الأمراض الجلدية، وبلغ عدد الأشخاص الذين يأتون إلى المستشفيات والمراكز الصحية مصابين بالجدري المائي حوالي 4،593 شخصًا، وهذه الإحصائية تعود إلى خمسة أيام مضت".
وتشكل الحصبة مشكلةً كذلك؛ حيث سُجلت خمس حالات إصابة حتى الآن.
وقال الهمص إنّ التهاب السحايا مرضٌ خطيرٌ آخر، إذ تم تسجيل 115 حالة في جميع أنحاء قطاع غزة، مؤكدًا أنّ الأطباء يعالجون أيضا أعدادا كبيرة من المصابين بأمراض جلدية وطفح جلدي.
وقال إنّ ما مجموعه 35،305 حالةً من هذا النوع عولجت في المستشفيات في جميع أنحاء غزة في 8 ديسمبر/كانون الأول.
وأضاف: "شهدنا أيضًا 17،511 حالة لأشخاص يأتون إلى المستشفيات والعيادات مصابين بالطفيليات"، واستطرد قائلًا "لا يمكننا العثور على أدويةٍ لهم".
بالإضافة إلى ذلك، تم تسجيل 19،350 حالة من حالات الجرب، والذي ينتشر في الأماكن المكتظة بالسكان.
وتابع الهمص: "هذا كله بالإضافة إلى التسمم الغذائي"، وأضاف "بسبب نقص الغذاء، يلجأ الناس إلى تناول الخبز القديم. يغسلونه ويجففونه أمام النار أو فوق المدفأة ثم يأكلونه".
ويعاني الأشخاص أيضًا من اليرقان، عندما يتحول لون الجلد أو بياض العين إلى اللون الأصفر، وهو ما يرتبط بالتهاب الكبد الوبائي.
وقال الهمص إنّه تم تسجيل 4146 حالة التهاب كبدي، مطالبًا بفتح جميع الآبار الجوفية حتى يتمكن النازحون من الحصول على المياه النظيفة.
وأضاف الهمص: "يجب إغلاق مصادر المياه الراكدة أو المستنقعات التي تنشر الأمراض عن طريق البعوض والطفيليات".
ويقول إنّه متأكدٌ من أنّ جميع الإمدادات الطبية التي دخلت قطاع غزة قد نفدت.
وحذر الهمص قائلًا "نحن الآن أيضًا في بداية الطقس البارد، وإذا انتشرت الإنفلونزا أو أمراض الجهاز التنفسي، فلن نتمكن كوزارة صحة من التعامل مع الوضع، خاصة في مدينة رفح".
وتابع: "كنا نستقبل 1500 حالة يوميًا في منطقة الاستقبال فقط، والآن نستقبل أكثر من 2000 شخص" مؤكدًا أنه "إذا انتشر أكثر وأصبح وباءً، فسيكون الأمر كارثيًا حقًا".
وأنهى كلامه بالمطالبة بالمزيد من الوقود والذي تم فرض قيود شديدة عليه من قبل إسرائيل، التي تقول إنّ حماس ستستخدمه.
وأضاف الطبيب الفلسطيني: "نطالب المسؤولين بفتح معبر رفح للسماح بدخول الوقود الذي هو دم حياتنا، يجب أن تحصل جميع المستشفيات من الشمال إلى الجنوب على الوقود".
أرقام صادمة عن الوضع الإنساني في غزة
وقالت منظمة الصحة العالمية إنّ هناك في المتوسط وحدة استحمامٍ واحدة لكل 700 شخص، ومرحاضٌ واحد لكل 150 شخصا في غزة، بعد أكثر من شهرين من الحرب، ولا يوجد سوى مستشفى واحد يعمل في الشمال، بينما لا تزال 10 مستشفيات تعمل في الجنوب
وسجلت السلطات الصحية في غزة 350 حالة إصابة بالدوسنتاريا، وهي عدوى تصيب الأمعاء، وتسبب القيء والإسهال الذي يحتوي على دم أو مخاط، بالإضافة إلى تقلصات في المعدة، وهو مرض شديد العدوى.