يقول مجرم الحرب رئيس وزراء الكيان الصهيونى بنيامين نتنياهو: الفارق الوحيد بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس أن الأخيرة تريد تدمير إسرائيل فورًا والآن، فيما تسعى السلطة لذات الهدف ولكن تدريجيًا وعبر مراحل.
نتنياهو الذى قتل بقذائف طائراته ودباباته حتى تاريخ كتابة هذه السطور نحو ١٨٢٠٥ مدنى فلسطينى، قدم بهذا التصريح الأخير إجابة شافية للمتسائلين عن مدى مشروعية حق المقاومة الفلسطينية فى الكفاح المسلح من أجل تحرير الأراضى المحتلة بأحاديثهم المتصاعدة حول معايير النصر والهزيمة بدلا من الإنشغال بإدانة جرائم العدو الصهيونى ضد كل المدن الفلسطينية سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية على حد سواء.
فى الآونة الأخيرة كثّف كتاب ومحللون أمريكيون وصهاينة وحتى عرب طرح تساؤلات مفتوحة حول إمكانية اعتبار صمود المقاومة الفلسطينية حتى الآن انتصارًا أم هزيمة خاصة مع تدمير شبه كلى لقطاع غزة وسقوط أكثر من ١٨٠٠٠ شهيد مدنى.
الأصوات التى تسعى إلى تعزيز وجهة نظر الكيان الصهيونى تذهب إلى القول بأن المقاومة الفلسطينية وتحديدًا حركة حماس قد منيت بهزيمة نكراء لأن عمليتها فى السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى) لم تسفر عن تحرير المسجد الأقصى وتسببت فى فقدان المزيد من أراضى قطاع غزة بسبب توغلات جيش الاحتلال، علاوة على سقوط آلاف الشهداء ونحو ٥٠٠٠٠ مصاب وتدمير كل مظاهر الحياة الطبيعية فى عموم القطاع ونزوح عشرات الآلاف نحو الجنوب.
فى المقابل تذهب الأصوات المنحازة لحركة حماس إلى أن المقاومة قد حققت كامل أهدافها السياسية والعسكرية فى يوم ٧ أكتوبر، أولًا بنجاحها فى تنفيذ عنصر المفاجأة العسكرية لجيش العدو المحتل فى اقتحام المستوطنات الصهيونية، وثانيًا بنجاحها فى أسر ما يزيد عن ٢٠٠ صهيونى من العسكريين والمدنيين، وتمضى هذه الأصوات فى وجه نظرها إلى القول بأن حماس وباقى فصائل المقاومة فى غزة تستكمل الآن مسيرة انتصاراتها العسكرية بتكبيد جيش الاحتلال خسائر كبيرة فى العتاد والقوات.
حسب تقارير الصحف العبرية ذاتها بلغ حجم الجرحى والمصابين خلال الـ٦٦ يوما من العدوان الصهيونى ٥٠٠٠ مصاب بين الجنود الصهاينة أصبح ٢٠٠٠ منهم على الأقل معاقين بخلاف من أصيبوا بصدمات نفسية جعلتهم غير مؤهلين للاستمرار فى هذه المعارك وهم يقدرون على ما يبدو بالمئات على أقل تقدير بالنظر إلى التقارير الصحفية العبرية وليس غيرها التى تتحدث عن هروب مئات الجنود وامتناع وحدات كاملة عن المشاركة فى هذه الحرب.
بالعودة إلى أصوات الكتاب والمحللين الذين يروجون إلى أن المقاومة الفلسطينية قد منيت بهزيمة كبرى فهم فى الواقع يسوقون لكتابات وتحليلات أمريكية تنصح رئيس الوزراء الصهيونى نتنياهو وحكومته بتركيز الخطاب الإعلامى على لفت انتباه الرأى العام العالمى إلى أن حركة حماس ومن معها من فصائل المقاومة الفلسطينية يتحملون المسئولية الأولى والأخيرة عن كل هذا الدمار فى قطاع غزة، وفى الواقع هذه هى الرواية التى يسعى الكيان الصهيونى إلى تسويقها منذ بداية هذه الحرب، إلا أنهم فشلوا فى إقناع الرأي العام العالمى بها حتى الآن وبسبب هذا الفشل فى ترويج الرواية الصهيونية هرع كتاب ومحللون إلى التأكيد على هزيمة المقاومة الفلسطينية مرتكزين على أعداد الشهداء والمصابين دون تشديد الإدانة لممارسات جيش الاحتلال الصهيونى، فيما يوجهون إداناتهم لفصائل المقاومة الفلسطينية.
هذه الأصوات خاصة التى تتشدق بقيم حقوق الإنسان تريد إنكار حق الكفاح المسلح على الشعب الفلسطينى فى تحرير أرضه، وتتجاهل عمدًا أن كل شعوب الأرض التى تعرضت للاحتلال قد دفعت أثمانًا باهظة من دماء أبنائها لتحرير كل شبر من أراضيها ويحاولون تصوير الشعب الفلسطينى وكأنه قد نسى قضيته الأصلية وهى تحرير الأرض وأنه تعايش مع هذا الواقع المذل ورضى باستمرار اغتصاب أرضه وحقوقه وراح ينشغل بتطلعات وأحلام أخرى عادية وكأنه يعيش فى وطن مستقل.
حتى يمكن اعتبار المقاومة الفلسطينية منتصرة هناك عاملان حاسمان يرتبطان بعضهما ببعض ارتباطًا وثيقًا وهما إفشال مخطط الكيان الصهيونى بتصفية القضية الفلسطينية بتهجير سكان قطاع غزة بدفعهم نحو الحدود المصرية وهذا العامل لا يعتمد فقط على المقاومة الفلسطينية وإنما باقى الأطراف العربية وفى القلب منها دور مصر التى أعلنت غير مرة رفضها القاطع لتصفية القضية عبر سياسية التهجير القسرى وقد اتخذت فى سبيل ذلك العديد من الإجراءات والخطوات الدبلوماسية والسياسية والميدانية والتى من بينها ضغوطاتها الدائمة والمستمرة بعدم وقف المساعدات العاجلة بكل أنواعها لتصل إلى الفلسطينيين داخل قطاع غزة.
تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فى تقرير حديث لها أن رئيس الوزراء الصهيونى نتنياهو قد عمل طوال سنوات على دعم حركة حماس وتسهيل إدخال الأموال والمعونات إليها بهدف إضعاف السلطة الفلسطينية برام الله.
وهذا المسعى الصهيونى مفهوم لأن بقاء قطاع غزة منفصلًا عن السلطة الفلسطينية فى رام الله يعنى مباشرة استحالة التوصل لاتفاق سلام دائم وشامل من شأنه إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
النصر الاستراتيجى الحقيقى هو ضرورة أن تدرك حماس أن عليها وفور انتهاء هذه الحرب التوصل أولًا لاتفاق مع حركة فتح يمكنها من الانضواء تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تدرك فتح ومن يمثلها فى السلطة الفلسطينية أنها فى نظر العدو الصهيونى لا تختلف عن حماس ومن ثم على الطرفين تقديم تنازلات تسمح بإعادة تشكيل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية التى فات عليها أن تضع البندقية على كتفها أثناء جلوسها على طاولة المفاوضات مع هذا العدو خاصة وأن الخلافات ذات الطابع الاستراتيجى قد تلاشت بتخلى حماس عن حلمها بتحرير فلسطين التاريخية واعترافها بحدود دولة فلسطين ما بعد ١٩٤٨ وما قبل ٥ يونيو ١٩٦٧.
*كاتب صحفى