طلب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" 14 مليار دولار إضافية كمساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل، وهو الطلب الذي يدرسه الكونجرس حاليا. ومع ذلك، فإن ارتفاع عدد القتلى من المدنيين الفلسطينيين وتزايد الخلافات بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية حول أساليب القتال ونتائجه، يؤشر إلى أن تمرير كمية هائلة من الدعم العسكري الأمريكي الذي يضمن مواصلة إسرائيل للحرب يجب ألا ينظر إليه باعتباره موافقة روتينية.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه مع استمرار المفاوضات بشأن حزمة التمويل الطارئة الضخمة التي تقدر بـ 105 مليارات دولار، وتتضمن مساعدات عسكرية قدرها 61 مليار دولار لأوكرانيا و14 مليار دولار لإسرائيل، ومخصصات لأمن الحدود الأمريكية، يجب على المشرعين الأمريكيين (أعضاء الكونجرس) طرح بعض الأسئلة الصعبة على إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية بشأن هذه المخصصات.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن أبرز هذه الأسئلة هو: هل إسرائيل في حاجة بالفعل إلى مساعدات مالية؟، معتبرة أنه حتى إذا كانت إسرائيل تسعى للحصول على أسلحة إضافية لأغراض أمنية وصفته بالـ"مشروعة"، فإن مثل هذه المساعي لا تشكل في حد ذاتها ضرورة مالية على دافعي الضرائب الأمريكيين، خاصة وأن الاقتصاد الإسرائيلي ينمو خلال السنوات الأخيرة بشكل جيد وأصبحت إسرائيل في العقود الأخيرة دولة غنية نسبيا.
ودللت المجلة على ما ساقته بالإشارة إلى تقارير البنك الدولي لعام 2022، والتي تحدثت عن أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل أعلى من نظيره في كل من فرنسا وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة، وأكثر 12 مرة من نظيره في أوكرانيا (الدولة الأخرى المتلقية للمساعدات العسكرية)، وهو ما يتطلب من المشرعين الأمريكيين التحلي بالعناية الواجبة، والسعي للحصول على أدلة تثبت أن إسرائيل لا تستطيع أن تدفع بشكل معقول ثمن الأسلحة الإضافية الضرورية بنفسها.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن أعضاء الكونجرس الأمريكي في حاجة أيضا إلى التساؤل عما إذا كانت إسرائيل -وهي بالفعل أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية- قد استخدمت عشرات المليارات من الدولارات من الدعم العسكري الأمريكي حتى الآن بطريقة تعزز أمنها بدلا من الإضرار به. ويجب هنا ملاحظة أن واشنطن زودت إسرائيل بالأسلحة والمساعدات على مدى عقود، فيما أدان الكونجرس الأمريكي مرارا وتكرارا الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر والفظائع التي ارتكبتها ضد إسرائيل، وأعرب (الكونجرس) عن دعمه لحق حليفته (إسرائيل) في حماية شعبها. ومع ذلك، وكما أوضحت تقارير عديدة حتى الآن، فإن فشل إسرائيل في منع الهجوم الذي شنته حماس لم يكن بسبب نقص الأسلحة أو الموارد، بل كان نتيجة فشل الحكومة الإسرائيلية نفسها في اكتشاف الهجوم ونشر قواتها وفقا لذلك.
وأوضحت المجلة الأمريكية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته لم يكتفوا بتجاهل الوضع المزري في قطاع غزة وأفراد الأمن الإسرائيليين الذين حذروا الحكومة من خطط حماس، بل أعطوا الأولوية أيضا لإرسال قوات عسكرية إلى الضفة الغربية، حيث يتواجد المستوطنون اليمينيون المتطرفون الذين يشكلون جزءا كبيرا من قاعدة مؤيدي نتنياهو، والذين كثفوا المضايقات التي تدعمها الحكومة الإسرائيلية للمجتمعات الفلسطينية هناك.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل قامت بمضاعفة عدد كتائبها في الضفة الغربية في الأشهر التي سبقت 7 أكتوبر؛ مما ترك جنوب إسرائيل ضعيفا في الدفاع قبل الهجمات. وألقى الخبراء الإسرائيليون أنفسهم اللوم في الرد البطيء من جانب إسرائيل على هجوم حماس على حقيقة أن العدد الكبير من القوات الإسرائيلية كان في الضفة الغربية.
كما أنه في خضم الحرب الحالية وظهور تفاصيل جديدة لما وصفته المجلة الأمريكية بـ "الفظائع" التي ترتكبها حماس ضد الإسرائيليين في الجنوب، قدمت حكومة نتنياهو ميزانية في وقت سابق من هذا الشهر من شأنها تخصيص ما يعادل عشرات الملايين من الدولارات الجديدة لتمويل مشاريع استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية. لذا، فإن الأمريكيين يحتاجون إلى تفسير لسبب وجوب قيامهم بسد الفجوات في التمويل العسكري الإسرائيلي التي نتجت، جزئيا، عن النشاط الاستيطاني الذي لا يؤدي إلا إلى تفاقم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأكدت "فورين بوليسي" أن مشروع الحكومة الإسرائيلية الذي لا ينتهي لتوسيع المستوطنات وتهجير الفلسطينيين يثير سؤالا حاسما آخر: هل ستستخدم إسرائيل الأسلحة الممولة من الولايات المتحدة بما يتوافق مع القانون الأمريكي والقانون الدولي؟!
ونوهت المجلة الأمريكية في هذا الصدد إلى أنه في حين أن التقديرات تشير إلى مقتل ما يزيد على 15 ألف فلسطيني في غزة بينهم بدون شك عدد من مقاتلي حماس، إلا أن الغالبية العظمى من القتلى من المدنيين وأكثر من نصفهم أو حتى ثلثيهم من النساء والأطفال. وهذه الأرقام هي دليل ظاهري على أن إسرائيل لم تلتزم بأحكام القانون الدولي التي توجب اتخاذ جميع الاحتياطات المعقولة لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين وإلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية.
في الواقع، أفاد باحثون إسرائيليون بأن الجيش الإسرائيلي يستهدف بشكل متعمد ومنهجي البنية التحتية المدنية، ويهاجم بشكل روتيني مواقع غير معروف عنها سوى القليل من النشاط العسكري، ويسكنها عائلات فلسطينية.
علاوة على ما سبق، فإن التصريحات والبيانات العامة الموثقة جيدا والصادرة عن المسؤولين الحكوميين والعسكريين الإسرائيليين، والتي تدعو إلى النقل الجماعي (التهجير) الدائم للمدنيين أو التدمير واسع النطاق للمباني في الأراضي (الفلسطينية)، تشكل دليلا مثيرا للقلق على وجود نية لارتكاب بعض أخطر الانتهاكات لقوانين النزاعات المسلحة وحقوق الإنسان. وعلى الرغم من هذه المخاوف، أظهرت إدارة الرئيس الامريكي جو بايدن مقاومة مزعجة لفرض شروط على المساعدات الأمريكية لإسرائيل لضمان استخدام الأسلحة الممولة والمقدمة من الولايات المتحدة حصريا للأغراض المسموح بها فقط.
وعليه، وبدلا من الاستمرار في الحديث عن ضمانات غامضة بأن الإدارة الأمريكية ستواصل الضغط على إسرائيل لاتباع القانون الدولي -وهي الطلبات التي تجاهلتها الحكومة الإسرائيلية بوضوح- يجب على المشرعين الأمريكيين أن يطلبوا من بايدن التزامات محددة تتعلق بإنفاذ القوانين التي تم سنها لمنع إساءة استخدام الأسلحة الأمريكية، مثل قانون مراقبة تصدير الأسلحة وقانون ليهي (القوانين التي تحظر على الولايات المتحدة تقديم المساعدة العسكرية لوحدات قوات الأمن الأجنبية التي تنتهك حقوق الإنسان).
وشددت "فورين بوليسي" على أنه مع فقدان العشرات -إن لم يكن المئات- من الأرواح يوميا، وخوف العائلات على جانبي السياج الفاصل بين اسرائيل وقطاع غزة على أحبائهم، يتحمل الكونجرس مسؤولية ضمان أن الخطوات التي يتخذها تجعل الوصول إلى نهاية عادلة وآمنة لهذه الحرب أكثر ترجيحا، بدلا من تمويل أعمال تضر بالأمن البشري، والاستقرار الإقليمي، والنظام الدولي، وذلك كله من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.