تدل شواهد الأحوال على أن انتقال الحكم من ملوك الأسرة الواحدة والعشرين إلى ملوك الأسرة الثانية والعشرين قد حدث في جو يسوده الهدوء، وقد كان لزامًا على القائد «شيشنق» -القائد الأعلى للجيش المصري في عهد آخر ملوك الأسرة الحادية والعشرين بسوسنس الثاني- عندما أقصى آخر ملوك الأسرة، وأسس حكومة عسكرية في مصر، أن يُخْضِعَ لسلطانه كذلك الحكومة الإلهية التي كانت قائمة في «طيبة» وقتئذ.
ودلت الشواهد على أن «شيشنق» لم يغير شيئًا في النظام الذي كان قائمًا في «طيبة»؛ إذ بقيت كما كانت عليه من قَبْلُ، مقاليدُ أمورها في يد الإله «آمون». كما بقي النظام كما كان في «منف»، حيث كانت رياسة الكهنة مستمرة يتولى شئونها أفراد من الأسرة المالكة.
وبالفعل، نصَّب الملك «شيشنق» ابنه «أوبوت»، بدلًا من أن يترك رؤساء الكهنة العظام القدامى يستمرون في شغل هذه الوظيفة الهامة. حيث ظل الحال طوال حكم هذه الأسرة.
هكذا، كانت رياسة الكهنة للإله «آمون» في «طيبة» فرعًا ثانيًا من الأسرة المالكة، ومن ثم قضى «شيشنق» على أسرة الكهنة العظام في «طيبة» بوصفها أسرة أخرى قائمة بجانب الأسرة الحاكمة للبلاد.
وتشير موسوعة مصر القديمة إلى أنه لم يكن الكاهن الأكبر في «طيبة» هو الابن الأكبر للملك الحاكم دائمًا؛ بل كان ابن الملك الذي سيخلفه. وكان عدد قليل من بين هؤلاء الكهنة قد حل محل والده على عرش الملك، كما كانت الحال مع «بينوزم» الأول في عهد الأسرة الواحدة والعشرين.
وكان الكاهن الأكبر لـ «آمون» يحمل، فضلًا عن رئاسة الكهنة، لقب «رئيس الجيش»، و«الرئيس الأعظم»؛ كما كانت الحالة في عهد الأسرة السابقة، وكان «أوبوت» ابن الملك «شيشنق» الأول يلقب زيادة عن الألقاب السابقة: «الذي على رأس الجيش العظيم للجنوب كله».
وذكرت الموسوعة أن لقب «القائد الأول لجيوش جلالة الملك، والرئيس الأعظم» كان كذلك مستعملًا في عهد الأسرة السادسة والعشرين.
وخلف «أوبوت» في رياسة كهنة آمون الكاهن الأكبر «شيشنق»، وهو ابن الملك «أوسركون» الأول خلف «شيشنق» الأول. وفي النقوش التي وجدت على تمثال هذا الكاهن الذي أهداه «آمون» كان اللقب الأخير الذي كان يحمله الكاهن الأكبر قد زيد فيه بعض الشيء؛ فأصبح يُدعى «سيد الجنوب والشمال، والرئيس الأعلى «شيشنق» محبوب «آمون»، وقائد الجيش الأعظم لمصر كلها».
تقول الموسوعة: ونجده فضلًا عن ذلك يطلب الحياة، والصحة، والعافية، والعمر المديد، والشيخوخة الجميلة، والقوة، والنصر على كل بلد في الداخل والخارج. هذا بالإضافة إلى أن اسمه وضع في طغراء، وهو الذي أصبح يعد «شيشنق الثاني» كما سنرى بعد.
ويقول المؤرخ وعالم المصريات الألماني «إدورد ماير»: إن والده -شيشنق الثاني- قد منحه لقب الملك؛ ليكون مثله في ذلك مثل «حريحور» عندما تولى الملك وأشرك معه «سمندس».
وأوضح عالم المصريات الفرنسي «جان بيير ماري مونتيه» أنه حسب كشف مقبرة «شيشنق» فقد تولى الحكم بعد موت والده «أوسركون» الأول؛ ثم تولى رياسة الكهنة ابنه «حورسا إزيس» في طيبة.
ويلفت الأثري المصري سليم حسن إلى أن اللقب الحربي الذي كان يحمله الكاهن الأكبر لا يمكن أن يكون مجرد لقب لا أهمية له فِعليَّة «يجدر بنا أن نفهم أن الجنود اللوبيين وضباطهم من «المشوش» الذين كان يتألف منهم في عهد الأسرة الواحدة والعشرين معظم رجال الجيش في البلاد، وكذلك في عهد الأسرة الثانية والعشرين، كانوا تحت إدارة الكاهن الأكبر «لأمون».
ولفت إلى أنه كان يوجد بجانب جيش السيادة الروحية أو الدينية جيوش المقاطعات، وكانت قيادتها في إقليم «طيبة» في يد «شيشنق الأول»، ثم تخلى عنها لابنه الكاهن الأكبر «لآمون». ونعلم كذلك من جهة أخرى أن «أوسركون» الأول قد وسَّع سلطان ابنه على رياسة الجيش، ولو اسميا، في كل مصر.
مصريات
ملوك مصر| «شيشنق» يُخْضِعَ الحكومة الإلهية في «طيبة»
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق