كتبت للتحذير من ترخيص بناتنا.. ومن خطورة شل الإناث وإعاقة حقوقهن في حياة كريمة تحت مسمى تيسير الزواج.فبينما تقوم الدنيا حينما تباع فتياتنا ب٥٠ الف جنيه لأثرياء العرب إلا أن نفس الأهالي يبيعون بناتهم بالبخس وبدون اعطائهن حقوقهن بدعوى عدم المغالاة في المهور، وازعم أن ما من مصرية نالت قسطًا من مهرها.. ولا تزال التجارة ببناتنا ومستقبلهن باسم الدين والمقدس، والعرف، الأصالة والمعاصرة.
فبدعوى تيسير الزواج، نادت أصوات باسم الدين بتقنين المهور، رغم أن الخليفة عمر بن الخطاب امتنع عن ذلك في عام الرمادة، حين قالت له امرأة كيف والقرآن يقول: «وإن أتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا» فقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
إن شابًا لو أراد الزواج للإعفاف، فإن اقترانه بعروس من أسرة بسيطة سيعفه الاعفاف ذاته كما لو تزوج عروسًا ثرية لها متطلبات، ما سيوفر عليه صداقًا باهظًا. لأن الإعفاف يتم بالزواج بغض النظر عن مستوى العروس، فبنات الضيع والأرياف البسطاء يعِّفون تمامًا كبنات المدن، لكن هناك من يريد التفاخر بمصاهرة آل العز بمهر آل الذل.
هي دعوة حق يراد بها باطل، فتقنين سقف المهور شعار براق، كمن ينادي بتيسير سبل العلم بمطالبة شركات إنتاج السيارات الفارهة غالية الثمن بتخفيض أسعارها للطلبة لتمهيد طريق العلم بسيارات رخيصة! بيد أن سبل العلم متاح الوصول لها حتى ولو بالعجلة، إذا كان الغرض هو العلم لا المنظرة.
أيستطيع عاقل مطالبة مطاعم «الفنادق خمس نجوم» بتخفيض أسعارها للقضاء على الجوع في حين أن أى مطعم للفول يسد جوع أكبر كرش؟
يريدون الفردوس الأعلى بحورها، بزهيد العمل الصالح! حتى بات الشاب لا يمانع من إشهار إفلاسه أمام أصهاره وإظهار التمسكن وادعاء الفقر ورسم شخصية الشاب العصامي الرافض لمساعدة والده- لكن لا غضاضة لديه في قبول مساعدة حماه- ليربح الصفقة، مدعومًا بتلميحات من أسرته التي تشيد بأصهارهم المحترمين الذين اشتروا رجلًا وحملوا عنه أعباء الزواج.
ولأن الزواج شراكة، فالعريس مستعد للمساهمة في الشركة بالإدارة، في ما خص عروسه بالمشاركة برأس المال.
إن أصل كلمة «مهر» مشتق من «المهارة» لضرورة اتقان وبراعة الشاب في التقدم لعروسه ولقد ذكر في التنزيل بلفظ «الصداق» أيضًا، ما يشير لأهمية إبداء العريس صدقه التام حال الاقتران بعائلة جديدة، لا ادعاء العوز لكسب صفقة بتقديم صداق كاذب ثم تفاجأ الفتاة بعد الزواج أن زوجها وأسرته ليسوا بهذا الضنك لكنهم مثلوا دور الفاقة بإتقان، ولربما عيروها لاحقًا برخصها وأن أسرتها تخلصت من بضاعتها الكاسدة، فباعوها بثمن بخس وكانوا فيها من الزاهدين.
إننا إزاء ظاهرة عمت مصر بخلاف سائر الدول العربية، حيث حل العرف في مصر مكان الشرع، ونادرًا ما تُمهر فيه النساء، بل صرن مطالبات فرضًا لا تطوعًا بالتنازل عن صداقهن.. بالإضافة لدفع مصروفات تأثيث البيت.
على النقيض تتمتع نساء بعض الدول كما في الجزيرة العربية بل وفي السودان بكامل حقوقهن فهناك حق "فتح الشخم» في السودان وهو عبارة عن هدايا مالية وذهبية تقدمها أسرة العريس بمجرد ما يفتح بالكلام موضوع طلبها للزواج، للدلالة على أن الأسرة جادة في اتمام المصاهرة وأن الموضوع ليس مجرد كلام.
بالمقابل فالأمر مخز في المحروسة.. فمجرد الكلام في حقوق النساء المادية يعد من قبيل عدم اللياقة حتى باتت الأسر تتباهي بتنازلها عن حقوق بناتهن فضحت البنات بحقوقهن خشية أن ينعتن بالطمع رغم أنهن سيدفعن عمرهن كله هباء وسيحرمن بمقتضى هذا العقد من اختيار ملابسهن الا بشكل يرضى عنه الزوج بل وعائلته. وستمنع من زيارة أهلها حتى في المناسبات إلا بإذن الزوج وبعد أن تزور أهله هو أولًا وسائر قائمة الإذلال الكلاسيكية المتداولة في عصرنا.
وإن يُفهم سعي العريس في النصب لإهدار حق زوجته، فلا أستسيغ تهاون الآباء في حقوق بناتهن!
إنها الرغبة في التخلص من أعباء البنات، فقلما تجد من الآباء من يستثمر في قدرات بناته بالتنقيب عن مواهبهن وتنميتها ودعمها. فيتحمسون للتساهل في حقوق البنات ولو دفعن لأزواجهن فاتورة «أول طلعة» بدعوى ستر البنت!
وإن كان ولابد من الرضوخ لأكاذيب عريس ابنتك، فكثرٌ هي الطرق الضامنة لحقوق المرأة، بشكل موثق.
أفٍ لأسر تكيل بمكيالين، فتيسر تزويج بناتهن لعدم توقع عوائد مادية منهن، فيما يعرقلون زواج الإبن للتقوت منه ماديًا لاحتياجهم لدخله، في وقت يكون فيه رب الأسرة قد خرج للمعاش بينما دخل الإبن لميادين العمل، ومن هنا فإن الإبن يتحول لمكنة صراف آلي متوقع منها الإنفاق على إخوته وتجديد الحمام والمطبخ لوالدته، و«التوجيب» مع الأهل في المناسبات، وكلما استندل الزوج مع زوجته، أفرغت عليه عائلته من آيات الرضا.
لسنا بصدد الدعوة للتشجيع على المغالاة في المهور، لكنها محاولة للتنبيه من محاولات النصب باسم الدين.