تقف مدينة طولكرم شامخة أبية فى وجه مخططات الاحتلال الإسرائيلى فى الضفة الغربية، التى تهدف إلى إقرار واقع جديد كما فى القطاع الذى يتعرض لعدوان غاشم منذ أكثر من شهرين.
وتعد طولكرم هى الضلع الثالث فى مثلث المقاومة الفلسطينية فى الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث تشكل مع جنين ونابلس جدارا مقاوما ضد إسرائيل، حيث تضم عددا من خلايا المقاومة المنظمة.
وعلى مدار الشهرين الماضيين اقتحمت قوات الاحتلال مدينة طولكرم أكثر من مرة، ففى منتصف نوفمبر الماضى شهدت المدنية اشتباكات كبيرة بين المقاومة وجيش الاحتلال استمرت ١٥ ساعة، استشهد خلالها سبعة فلسطينيين، حيث استخدمت خلالها طائرات مسيّرة وجرافات، وخلفت وراءها دمارا فى البنية التحتية.
وبعد هذه الاشتباكات بأسبوع، عاد الاحتلال الإسرائيلى لخوض اشتباكات عنيفة عند مدخل مخيم طولكرم.
وتقع محافظة طولكرم فى غرب محافظة نابلس، يحيطها من جهة الغرب مدينة نتيانيا، وفى الجنوب قلقلية وفى الشمال محافظة جنين، ترتفع عن سطح البحر حوالى ٥٥-١٢٥ مترا، ويوجد فيها ٤٥ تجمعا ومساحتها ٢٤٥ كم مربع ما يمثل ٤.٤٪ من إجمالى مساحة الضفة الغربية، وفقا لتقديرات الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطيني، وبحسب تعداد ٢٠١٩ فإن عدد سكان طولكرم ١٩٢ ألف نسمة.
تاريخ طولكرم
تشير الآثار التى وجدت فى طولكرم إلى أن المدينة كانت قائمة إبان حكم الرومان لبلاد الشام فى القرن الثالث الميلادي، وأن الكنعانيين كانوا يسكنون المدينة قبل ذلك التاريخ، بحسب المصادر التاريخية الإسلامية ويستدل على ذلك من كتابات الفراعنة، وفقا لمركز المعلومات الفلسطيني، وقد ورد اسم طولكرم فى العهد المملوكي، ففى القرن الثالث عشر الميلادى أقطع الظاهر بيبرس سلطان المماليك طولكرم مناصفة لقائديه: القائد بدر الدين بيليك الخازندار، والأمير بدر الدين بيسرى الشمسى الصالحى ظلّت طولكرم تتبع فى إدارتها نابلس حتى نهاية القرن التاسع عشر، عندما أحدث العثمانيون قضاءً جديدًا فى شمال فلسطين عرف باسم "قضاء بنى صعب" وجعلوا طولكرم عاصمة له. وهو يتبع لواء نابلس الذى يضم إلى جانب قضاء طولكرم.قضاء نابلس وقضاء جنين وبالرغم من اتخاذها عاصمة للقضاء الجديد. فقد ظلت المدينة صغيرة فى حجمها العمرانى والسكاني.
وكان إقامة سوق فى مدينة طولكرم، سببا فى علو شأنها حيث يجتمع فيه القرويون لبيع منتجاتهم وشراء حاجياتهم فازداد عدد سكانها وكثرت مخازنها، وارتفعت أجور مساكنها، ما شجع البعض على إقامة الأبنية الجديدة لاستثمارها، إلى جانب أن العثمانيين جعلوها عاصمة لقضاء بنى صعب، فأخذ ينزح إليها الناس من نابلس والقرى المجاورة، وبدأت تدب فيها الحركة العمرانية فبنيت بيوتها من الحجر الأبيض وسقف بعضها بالقرميد، وزودت بالمياه والكهرباء، وشيد فيها العديد من المدارس والمنشآت العامة.
طولكرم فى عهد الانتداب البريطاني
سقطت طولكرم بأيدى القوات البريطانية فى العشرين من سبتمبر عام ١٩١٨، بعد هجوم الجيش البريطانى على الساحل الفلسطينى وازداد عدد سكان المدينة خلال فترة الاحتلال البريطانى لفلسطين، حيث ارتفع عدد سكانها من (٣٣٤٩) نسمة عام ١٩٢٢م إلى (٥٣٦٨) نسمة يسكنون ٩٦٠ بيتا عام ١٩٣١، والى (٨٠٩٠) نسمة عام ١٩٤٥.
ويعود السبب فى هذا التزايد السكانى إلى الزيادة الطبيعية للسكان والى الهجرة إلى المدينة من القرى المجاورة، بسبب توفر فرص العمل والخدمات المختلفة كالماء والتعليم تأثرت مدينة طولكرم باغتصاب فلسطين عام ١٩٤٨ بدرجة واضحة.
خسرت طولكرم مساحات كبيرة من أراضيها وأراضى القرى التابعة لقضائها بسبب الاحتلال البريطاني، نتيجة وسيطرة قواته على القسم الغربى من قضاء طولكرم، والذى تضمن (٣٤) قرية وخربة و(١٦) مضربا لبعض عشائر البدو.
وتعتبر الفترة من ١٩٤٥ إلى ١٩٦٧ فترة نمو وتوسع فى رقعة المدينة المساحية وحجمها السكاني.
قبل النكبة وبعدها
كانت مساحة طولكرم قبل النكبة الفلسطينية فى عام ١٩٤٥ تبلغ ٨٣٦ كم مربع، من بينها ١٤١ كم سيطرت عليها العصابات الصهيونية، بمساعدة الاحتلال البريطاني، وفى عام ١٩٤٨ فقدت المدينة نصف مساحتها وهى المناطق المطلة على البحر المتوسط، وأقامت فيها إسرائيل عشرات المستوطنات.
وتقلصت مساحة طولكرم مرة أخرى بعد عدوان الخامس من يونيو ١٩٦٧ جراء إقامة الاحتلال الإسرائيلى مستوطنات جديدة إلى جانب مصادرة الأراضى وفصل مدينة قلقيلية وبعض القرى المجاورة لها.
وبحسب تقرير مركز المعلومات الإسرائيلى لحقوق الإنسان فى الأراضى المحتلة "بتسيلم" الصادر فى عام ٢٠١٩ فإن محافظة طولكرم يوجد بها ٣ مستوطنات، هى سلعيت وبنيت فى عام ١٩٧٧ وعيناف وشيدت فى عام ١٩٨١ وأخير أفنى حيفتس وبنيت فى عام ١٩٨٩ ويبلغ مجموع البناء الاستيطانى ٥٣١٦ دونما، وعدد المستوطنين ٤٣٨٦ مستوطنا.
ويبلغ طول جدار الفصل العنصرى فى محافظة طولكرم ٢٣ كم، ويقضم أكثر من ١٦ كم من المساحة الكلية، وقد بنته إسرائيل فى الضفة الغربية.
وبحسب تقرير صادر فى عام ٢٠٢٠ عن مركز رؤية للتنمية السياسية تحت عنوان "المشاريع الاستيطانية الصهيونية فى طولكرم" فإن المدينة ترجع أهميتها إلى ملاصقتها لقلب كيان الاحتلال ومراكزه الأساسية فهى لا تبعد عن مراكز مدن الساحل الفلسطيني، كالخضيرة ونتانيا سوى ١٤ كم، وبسبب قربها من مدن الاحتلال على الساحل فهى تعبر مناطق منفصلة للمستوطنين حيث يمكن لهم السكن فيها والحصول على اميتازات كبيرة يوفرها الاحتلال.
انتهاكات الاحتلال الإسرائيلى ضد طولكرم
بلغ عدد الأوامر العسكرية الإسرائيلية التى أصدرها الاحتلال فى محافظة طولكرم ١١٧ قرارا حتى عام ٢٠١٩ وتتلخص فى إقامة الجدار العازل ومصادرة أراضى الفلسطينيين لصالح المستوطنين أو جيش الاحتلال، بالإضافة إلى هدم منازل الفلسطينيين وتخريب الأراضى الزراعية وتجريف الأشجار، حيث خرب الاحتلال ٣٤ ألف شجرة فى الفترة بين عامى ٢٠١٨ إلى ٢٠٢٠ بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية.
أبرز المواقع السياحية والأثرية
تزخر مدينة طولكرم بعدد من المواقع السياحية العتيقة نستعرضها فى السطور التالية:
مقام بنات النبى يعقوب
يقع فى قرية ارتاح، الطابق السفلى منه عبارة عن مبنى رومانى والطابق العلوى فيه مبنى إسلامى يتكون من غرفتين ذات قبتين وساحة على غرار مخطط المبانى الإسلامية.
قرية كور
خلال سعى جيش المسلمين لتحرير القدس من قبضة الصليبيين كانت قرية كور فى مدينة طولكرم شاهدة على هذا الكفاح، حيث عسكر فيها القائد الظاهر بيبرس، الذى شيد معظم بيوتها فى العهد المملوكى وأقام بها معسكرا أثناء حملته لتحرير القدس من الصليبيين، واستقر فيها أعواما، ومبانى القرية كبيرة تتوسطها قلعة وبقايا مسجد ومبان تعود إلى العهدين المملوكى والعثمانى كلها أثرية يبلغ امتداد بعضها مائة متر طولًا وخمسين مترا عرضا، يوجد بها مقابر منحوتة فى الصخر، وتوجد مقاطع صخرية تعود لتلك الفترات إضافة إلى مقاطع عبارة عن مصاطب لم يكشف النقاب عنها وتعلوها الأتربة.