"دي أقل حاجة ممكن أقدمها لأهلنا في فلسطين وقطاع غزة تحديدًا".. بهذه الكلمات وصف الطبيب الشاب "عبد الرحمن خيري" بقسم العناية الحرجة، مشاركته في علاج المصابين بقطاع غزة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل منذ مطلع شهر أكتوبر الماضي، والذين يتم علاجهم في المستشفى الميداني بالشيخ زويد.
ولد الدكتور عبد الرحمن خيري وعاش فى إنجلترا لفترات طويلة مع أسرته، بسبب عمل والده بروفيسور الكيمياء، ثم جاءوا إلى مصر حينما قرر أبيه الرجوع إلى أرض الوطن، وكان لعبد الرحمن دورا مهما فى منظمات الإستغاثة الدولية ومنها "أطباء بلا حدود" حيث عمل فى قوافل طبية فى دارفور لمدة عام، قبل أن يستقر في مصر.
كما حجز "عبدالرحمن"، مكان الصدارة في لوحة شرف الجيش الأبيض على خط مواجهة فيروس كورونا أثناء عمله كرئيس قسم الطوارئ بمستشفى العزل بإسنا، حيث مارس مهام عمله الإنساني في الدور الوطني والإنساني الذي قامت به أطقم الرعاية الصحية فى مصر من أطباء وصيادلة وفرق تمريض وغيرهم فى مستشفيات العزل أو غيرها من المستشفيات.
التقطت "البوابة نيوز" الطبيب عبدالرحمن خيري البالغ من العمر 34 عاما، ليروي لنا قصة تطوعه كطبيب مقيم بمستشفيات الشيخ زويد لعلاج مصابي غزة، قائلا: عندما بدأ القصف الإسرائيلي على قطاع غزة كنت كغيري من المصريين أشاهد حجم المأساة التي يعانيها أهالي فلسطين، ولم استطع أن أقف مكتوف الأيدي تجاههم، وقررت أن استغل عملي كطبيب حتى أساهم في رفع المعاناة عنهم، وبالفعل توجهت إلى إدارة الرعاية العاجلة بوزارة الصحة، بقيادة الدكتور خالد الخطيب، لمعرفة ما إذا كان هناك إمكانية إلى السفر إلى رفح لتقديم المساعدات الطبية للمصابين، وتمت الموافقة على السفر وتوجهت على رأس وفد طبي مكون من 11 طبيب من مختلف المستشفيات، تطوعوا كفوج أول بقيادة الدكتور أحمد فرغلي استشاري القلب والأوعية الدموية، حيث وصلنا إلى الشيخ زويد ظهر أول أيام شهر نوفمبر الماضي.
وتابع “خيري”، فور وصولنا مكسنا في سكن الأطباء الخاص بالعاملين بالمستشفى الميداني الملحقة بمستشفى الشيخ زويد، والتي تقع على بعد أقل من 10 كيلو من معبر رفح، وتم توزيع الأطباء وتجهيز المستشفى الميداني بكافة الأجهزة والمعدات الطبية بمساعدة الموظفين، ومن ثم بدأنا في اليوم التالي لوصولنا في استقبال الحالات القادمة من معبر رفح، وكانت مهمتي هي مناظرة تلك الحالات وتقديم الإسعافات الأولية لها ثم توزيعها على الأطباء المتخصصين حسب كل حال، وأحيانا كنا نتوجه إلى المعبر لنقل الحالات إلى المستشفى الميداني، ولم يكن هناك أي تدقيق في استقبال الحالات أو الالتزام بالهوية، حيث كان يتم الاكتفاء بأوراق التحويل من المستشفى بقطاع غزة ومن ثم البدء في علاجهم تقديرًا للحالة التي يمر بها أهالي القطاع.
وأضاف: إنه بمجرد وصول سيارة الإسعاف كان يستعد لاستقبال الحالة وتسجيل تاريخها المرضي، وإذا كانت تعاني من أية أمراض مزمنة كالضغط والسكر، ومن ثم يقوم بتوجيهها لطبيب المتخصص، وتحديد ما إذا كانت الحالة حرجة وتحتاج للرعاية من عدمه، مؤكدا أنه لم يقتصر دوره على الكشف والتوجيه فقط، ولكن يقوم بطمأنة ودعم المصابين نفسيًا.
وحول الحالات التي تم استقبالها قال "عبد الرحمن"، إن معظم الحالات التي تم مناظرتها كانت عبارة عن بتر أعضاء وتسمم في الدم، بالإضافة إلى حالات إجهاض لسيدات حوامل وإزالة الرحم من سيدات أخريات، وجميع الإصابات خطيرة وتدل على استخدام أسلحة متطورة محرمة دولية وقنابل غير اعتيادية وغازات سامة، مما أدى إلى إصابة الأطفال بأمراض صدرية، وكنا نحيل بعض الحالات الصعبة إلى مستشفى معهد ناصر، كما أن هناك وفد إماراتي أخذ مصابين لعلاجهم، كما تم استقبال مستلزمات طبية من تركيا بالتنسيق مع مصر، وشهدت المستشفى الميداني زيارة من وزير الصحة للاطمئنان وتفقد الأوضاع.
وأشار: قضيت أكثر من 20 يومًا في هذا المستشفى الميداني، ورأيت الموت بعيني حيث كنا نسمع صوت القصف على مرمى البصر والذي كان يستمر طوال الليل حتى الصباح، ثم يتوقف فترة ليستأنف مرة أخرى بعد المغرب، حرفيًا لم يكن أهالي غزة يذوقوا طعم النوم خلال ساعات الليل.
خيري: إسرائيل استخدمت أسلحة محرمة دوليًا ومعظم الإصابات خطيرة
وأردف: لقد رأيت خلال فترة عملي حالات لأطفال فقدوا أهلهم بالكامل، وطفلة جاءت برفقة عمتها مصابة بكسر في العمود الفقري مع شظايا في الجسم ولا تعلم أن أهلها جميعًا قد استشهدوا وتبقت هي وعمتها، لأنها استيقظت على صوت القصف.
كما حكى لنا أحد المصابين، أن القنابل التي يتم قصفها غير طبيعية وكيف أنها تزيل كل مظهر للحياة عند سقوطها في أي مكان، مضيفًا أنها كانت تجربة تعلم منها الكثير وغيرت نظرته للحياة بشكل كامل خاصة وأنه رأى مآسي تشيب لهولها الولدان، متمنيا أن تتوقف تلك الحرب حقنا للدماء.
تطوع الدكتور عبدالرحمن خيري في أحداث غزة لم يكن الأول، فهو كان أحد أفراد الفوج الأول الذي عالج المصابين بفيروس كورونا بمحافظة الأقصر، مطلع عام 2020، بعد أن وافقت وزارة الصحة على طلبه بالانضمام إلى أحد مستشفيات العزل، حيث التحق بالعمل بمستشفى إسنا التخصصي، ومنها إلى مستشفى الحميات بمحافظة قنا وغيرها من مستشفيات العزل الصحي في الصعيد.
"عبدالرحمن" سطر اسمه بأحرف من ذهب على خط مواجهة كورونا بمستشفيات العزل الصحي
وعن فترة تطوعه أثناء فترة كورونا، قال "فخور ببلدى وما قدمته في محاربة فيروس كورونا"، مشيرًا إلى أنه تطوع بالحجر الصحي، بمستشفى إسنا، ثلاثة أسابيع وتلك هى مدة مكوث الطبيب الشاب داخل الحجر الصحى حيث تكون مدة الإقامة 14 يوما وبعدها يحصل على إجازة، ولكن بسبب احتياج المستشفى له بسبب عجز عدد الأطباء رفض الإجازة واستكمل العمل، رغم أن مهمته لم تكن بسهلة، فهو طبيب الطواريء الذي يقوم باستقبال الحالات المصابة بفيروس كورونا.
وتابع: "قررت التطوع وقتها رغم أنني طبيب حر بعد ظهور حالات مصابة بالفيروس في مصر، وطلبت من الوزارة التطوع كطبيب طواريء وأعطوني الفرصة، لافتاَ إلى إلى أن يوم 20 مارس سنة 2020، كان تاريخ فاصل فى حياته، حيث كان أول يوم لقدومه لمستشفى الحجر الصحي بإسنا، حيث انتهى حاجز الخوف مجرد مقابلة أول مريض، مشيرا إلى أنه العمل كفريق واحد فى ظروف صعبة واستثنائية خلق بينهم صداقات وجمعته بأطباء من مختلف أنحاء الجمهورية، وهذا ما يساعدهم على مرور الوقت دون الشعور بملل، كما أن دعم ومساندة أهل إسنا وقتها ساهم فى استكمال عملهم، من خلال تقديم مساعدات إلى المستشفى بشكل يومي، وكانوا على تواصل دائم معنا لمعرفة احتياجات الأطباء، وكل شخص داخل المستشفى.
ولم يكتف الدكتور "عبد الرحمن خيري"، بالمشاركة في علاج المصابين في الأيام الأولى لانتشار فيروس كورونا، ولكنه استمر في أعمال التوعية عبر كافة المنصات، ليساهم في نشر وكشف الأعراض الجديدة لـ«كورونا» ومتحوراته والتغيرات التي رصدها الأطباء على مدار الأعوام الماضية، وكانت سببا في تحديث وتغيير البروتوكول العلاجى أكثر من مرة، ليبرهن أن العمل التطوعي ومساعدة الآخرين هو أسلوب حياة ينتهجه، لترك الأثر في نفوس الناس.