الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

قناة السويس القديمة.. معجزة ملاحية ربطت العالم

قناة السويس القديمة
قناة السويس القديمة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كان «خليج السويس» يحمل أهمية كبرى عند مصر القديمة وإمبراطوريتها التي دامت لآلاف الأعوام؛ حيث لم تكن طريقًا تجاريا وحسب، بل إن أهميته تعود لكونه خط دفاع للمملكة المصرية تجب حراسته دوما، وهو الذي شهد غزو كل من «قمبيز» ملك الفرس و«الإسكندر الأكبر» المقدوني. هكذا، لم تكن سياسةُ مصر القديمة حيال قناة السويس تدورُ حول الاقتصاديات وحدها.
وقد ذُكِرت قناة السويس القديمة في عدد من المتون التاريخية؛ فكانت أول وثيقة صريحة عن قناة للملاحة تربط بين البحرين الأحمر والأبيض بوساطة النيل هو المتن المشهور الذي أورده  المؤرخ «هيردوت» في كتابه الثاني من تاريخه العام.
ويورد الملحق الخاص بقناة السويس في موسوعة مصر القديمة ما جاء في ملحمة «الأودسي» المنسوبة للشاعر الإغريقي «هومر»؛ فقد جاء في سياق كلام بطل الملحمة «منيلاس» الذي يقول: «وبعد ثماني سنوات عُدت إلى وطني وقد جبت «قبرص» و«فنيقيا» و«مصر» وزرت كلًّا من الإثيوبيين والصيديين، والأرميس -سكان الكهوف- واللوبيين جميعهم، وقد استنبط «استرابون» أن «منيلاس» قد مر بسفنه في القناة النهرية التي كانت تجري في زمنه بين النيل والبحر الأحمر.
تقول الموسوعة: وقد اعترض بعض المؤرخين المحدثين على صحة هذا الخبر مُدَّعِين أن «استرابون» قد بالغ في قدم حروب «طروادة»، غير عالمين أن الحفائر الحديثة في موقع «طروادة» القديمة الواقعة على ساحل «آسيا الصغرى» قد برهنتْ على أن تاريخ هذه الحروب يرجع إلى ما قبل القرن الحادي عشر قبل الميلاد بكثير، وسَنَرَى بعدُ أنَّ هذه القناة على حسب الروايات القديمة التي وصلتْ إلينا قد حفرت في بداية الألف الثانية قبل الميلاد، وعلى هذا الزعم يُصبح من الجائز جدًّا أن «منيلاس» كان قد مَرَّ بقناة «السويس» في رحلته على الرغم مِن أنه لم يذكر لنا ذلك صراحةً في كلامه.
وكان «هردوت» قد عاش في زمن كانت القناة فيه مفتوحة للتجارة؛ ويتحدث عن «بسمتيك الأول» مؤسس عهد النهضة في «مصر» وعن «نكاو» ابنه الذي كان أُسطوله سيد بحار العالم في التجارة والحرب في نهاية القرن السابع وباكورة القرن السادس قبل الميلاد.
وقد جاء في المنتن أن الملك «بسمتيك» ابنٌ يُدعَى «نكاو» خَلَفَه على العرش «وكان هو أولَ مَنْ بدأ حَفْرَ القناة التي تجري لتصب في البحر الأحمر، وكان «دارا» ملك الفرس ثاني ملك اهتم بها، وكان طولُها أربعةَ أيام بالسفينة، وكانت تتسعُ لسير سفينتين فيها متحاذيتين، وكان ماؤُها يخرج من النيل من فوق مدينة «بوبسطة» -الزقازيق-  بمسافة قليلة، وتمر بمدينة «باتوم»، وتسيرُ لتصب في البحر الأحمر؛ وتبتدئ فتحة هذه القناة في ريف «مصر»، وتستمر جارية في أعلى هذا الريف محاذية جبل المحاجر المجاور لمدينة «منف».
وهكذا، فإن هذه القناة الطويلة التي تجري من الغرب إلى الشرق تَمُرُّ بسفح الجبل السالف الذكر، ومِنْ ثم تجري مخترقةً الأودية الصغيرة التي تحملُها من الجبل حتى خليج السويس، وأقصر وأسهل طريقٍ للصعود من البحر الأبيض المتوسط إلى بحر الجنوب المسمى البحر الأحمر هو من جبل «كاسيوس» الذي يفصل مصر عن آسيا. 
وفي أثناء انشغالِ «نكاو» بالقناة المذكورة مات فيها مائة وعشرون ألف مصري، وقد أمر بوقف العمل بسبب ذلك، وكذلك نزل عليه وحيٌ معترضًا سير العمل فيها، قائلًا: «إن همجيًّا سينجزها.» وقد كان المصريون يسمون كل الأمم التي لا تتكلم لغتهم همجًا.
كما ذكر «أرسطو» في موضع آخر: « نحن نعتبر أقدم البشر هؤلاء المصريين الذين تَظهر كل بلادهم قاطبة من عمل النيل، ولا تعيش إلا به، وهذه الحقيقةُ تفرضُ نفسها على أيِّ فردٍ يجوبُ هذه البلاد، ولدينا شاهدٌ ظاهرٌ نجده في إقليم بحر «إريتري» -البحر الأحمر- والواقع أن أحد الملوك شرع في القيام بحفر البرزخ، فإن جَعْل هذا الممر صالحًا للملاحة كان له فائدةٌ عُظمى، والظاهرُ أنَّ «سيزوستريس» هو أول الملوك القدامى الذين تَبَنَّوْا هذا العمل، ولكنه قد لحظ أن مستوى الأراضي كان أكثر انخفاضًا عن مستوى البحر».