عشرات الآلاف تجمعوا فى وسط لندن يوم السبت للمشاركة في مسيرة أخرى مطالبين بوقف العدوان على غزة والفلسطينيين مرددين: "فلسطين حرة."
فى الأراضى المحتلة، يحل ظلام آخر تخترقه ومضات النيران المشتعلة التي تخلفها طائرات ومدافع الاحتلال التى تنهمر على قطعة من الأرض بطول شاطئ الإسكندرية، وعمق 5 كم.
الذين أخطأتهم قذائف الدمار، وما زالوا قادرين على الشعور بالألم، والجوع، والبرد، يقضون ساعات الرعب محرومين من أساسيات الكرامة التي يفترض تلازمها مع معنى أن تكون حيا.
أما الأشلاء، التي اختلطت بأنقاض البيوت، فلا تحتاج لأي من مقومات الحياة، نصف جسد طفل هنا، أشلاء جسد الأم يطل بعضها من تحت الركام وبقايا آباء، الحى منهم يضم أكفان أسرته إلى صدره، ناظرا إلى لا شئ، ودموع توقفت فى العيون ترفض النزول، وتأبى أن تعود إلى حيث كانت.
العالم، قريبه وبعيده، عاجز عن دفع يد البطش التى تنهش فى الأجساد المنهكة منذ أكثر من شهرين.
إصرار العدو الصهيوني على دفع ما تبقى من أحياء الفلسطينيين في القطاع إلى حدود مصر يهدف إلى التسبب في كارثة إنسانية، لن يتوقف جنون العدو الصهيوني عن السعى المحموم للوصول إلى هدفه: إخلاء غزة وتهجير سكانها، حتى وإن اضطر إلى استخدام الجرافات المدرعة في دفعهم وإلقائهم عبر الحدود.
لا يستطع الكيان الاستعماري أن يتوقف الآن، فهو لم يحقق أي من أهدافه لا القريب منها ولا البعيد. فقد فقد الكثير من قواته العسكرية، أفرادا ومعدات، كما فقد تعاطف شعوب العالم، وتهديد ملاحقة المحاكم الدولية أصبح محتملا، ناهيك عن المحاكمات الداخلية التى ستطال كل المشاركين في هذه المأساة. ويتوقع المحللون أن تزداد حدة وشراسة دفع الفلسطينيين باتجاه الحدود المصرية.
الإشارات الواردة من مختلف وسائل الإعلام العالمية تشير إلى البدء في الترويج لفكرة الممرات الآمنة للمدنيين، عبر الحدود المصرية "لتوفير الحماية للمدنيين من الفلسطينيين، حتى تتمكن إسرائيل من التعامل مع إرهاب حماس، متفادية إيقاع خسائر في المدنيين"، فى حين يعلم الكل أن هذا العبور الآمن سيكون في اتجاه واحد، ويحقق الصهاينة حلم تمتع العدو الصهيوني بضم رقعة أخرى من الأراضي الفلسطينية، وإستغلال حدودها البحرية الثرية بالغاز.
"إن كان لابد أن أموت،
فليخلف موتى الأمل،
ولتصبح حياتى حكاية
تروى"
رفعت العرعير
هل يتبقى من الفلسطينيين ما هو أكثر من الروايات والحكايات؟
لفت نظرى فى المسيرة، تجمع كبير حول شيئ ما على جانب الطريق، يظهر فوقه مجسمات ورقية بيضاء تشبه الطائرات الورقية التى كنا نصنعها صغارا، ونشاهدها تطير وتلاعب، ويلاعبها الهواء. إقتربت محاولا معرفة مايحدث. كانت صور رفعت وشموع ورسائل يتركها من عرفوه وإن كانوا لم يقابلوه فى حياته.
الإنسان الجميل، رفعت العرعير إغتالته يد الغدر الصهيوني مع أخيه، وأخته وأطفالها الأربعة. قذيفة إستهدفت الشقة التي يحتمون بها من يد الدمار.
كان يستشعر قرب استشهاده واستهدافه من الصهاينة. في رسائله التي كان يشارك فيها متابعيه قال، في لغته الشعرية: لو قتلت، فاجعلوا من وفاتى حكاية تروى.
كان الصهاينة يتابعون نشاطه على وسائل التواصل فاضحا جرائمهم، وظنوا إن إغتياله سيكون رسالة دموية لكل من يفضحهم. تتبعوا تليفونه، الذى كان يستخدمه للتواصل مع متابعيه، وأرسلوا رسالة الموت والدمار، لتحصد حياته وحياة أسرته.
كان رفعت يعمل مدرسا للأدب الإنجليزى فى إحدى جامعات غزة، كان شاعرا، وكاتبا، وعاشقا للحكايات التي كان يسمعها من نساء العائلة، أمه وجدته. وكان يذكر دائما إن هذه الحكايات شكلت وعيه، وحفرت في ذاكرته حتى التفاصيل التى لم يعشها، من حكايات جدته عن تهجير أسرته من أرضهم التي سرقها الصهاينة، وطردوهم منها: "من حكايات جدتى عايشت معها تفاصيل وملامح المكان، كأنى كنت موجودا مع جدتي في المكان، حفظت تفاصيل بيت جدتى من الحكايات. لابد من أن نستمر فى سرد الحكايات لأطفالنا".
" إن كان لابد أن أموت،
فليخلف موتى الأمل،
ولتصبح حياتى حكاية
تروى"