الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

شجر الدر.. تحدت الصليبيين وقادت جيوش مصر

صورة مُتخيّلة للملكة
صورة مُتخيّلة للملكة شجر الدر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

دخلت الملكة السلطانة شجر الدر بوابة الحكم والتاريخ منذ أن صارت زوجة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، آخر سلاطين بني أيوب على مصر. كما اشتهرت كذلك بتدبير اغتيال زوجها الثاني عز الدين أيبك، والذي تنازلت له في البداية عن العرش. 

لكن في الواقع، فإن الجزء الأول من حياتها دائمًا ما يتعرض للتقصير في روايته. لذلك دعونا نرى الوجه الآخر للملكة التي أحبت زوجها نجم الدين وأخلصت له. 

تتباين أقوال المؤرخين حول شجر الدر، وهل هي أيوبية كونها زوجة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، أم أنها مملوكية بحكم أنها كانت من جواري السلطان قبل أن تلد له ولده الخليل وتصير أم ولد ثم سلطانة.

المقريزي صاحب كتاب "السلوك لمعرفة الملوك" اعتبرها أولى سلاطين دولة المماليك في مصر، رغم أن أصلها أرمني وليس تركيًا؛ حسب ما ذهب إليه عصام شبارو في كتابه "السلاطين في المشرق العربي"، فيما اعتبرها ابن إياس صاحب "بدائع الزهور"، أنها آخر سلاطين بني أيوب زوجة نجم الدين أيوب، والد تورانشاه وأم ولده خليل الذي توفي في حياة أبيه.   

 

 الحملة الصليبية السابعة على مصر

كان لسقوط بيت المقدس في الشرق عام 1244هـ، دوي هائل في الغرب، وقامت الدعوات لحملة جديدة على الشرق، والتي لم يستجب لها سوى الملك لويس التاسع ملك فرنسا، وهو الملقب بـ |القديس"، وجرت الاستعدادات على قدم وساق، وكان المستهدف هذه المرة هو مصر، وأورد المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار" أن فريدريك الثاني -والذي كان محتفظًا بصداقة البيت الأيوبي إلى الصالح نجم الدين أيوب- أرسل إليه يحذره من تلك الحملة. 

كان السلطان مريضًا في دمشق لما وصلته تلك الأنباء، فتم حمله إلى مصر حتى نزل عند أشموم طناح ليكون على مقربة من العلميات العسكرية، وكان رأي لويس قد استقر على مهاجمة مدينة دمياط، والتي تحرك إليها مبحرًا عام 647هـ (1249م)، وأعّد الصالح نجم الدين المدينة وحصنها، وكلف الأمير فخر الدين يوسف بحمايتها؛ ولم تنجح القوات في صد الموجة الأولى والتي تمكنت من اقتحام دمياط والاستيلاء عليها وتقهقر الجيش المصري، واستقر لويس وجيشه في دمياط 5 أشهر كاملة حتى تصل إليه الإمدادات. 

وفي تلك الآونة مات الملك الصالح نجم الدين أيوب (شعبان 647هـ 1249م) والمصريون في طور الاستعداد لمعركة عرفت في التاريخ بـ "معركة المنصورة". 

لم يكن هناك وريثًا للصالح نجم الدين أيوب سوى ابنه توران شاه، والذي وصفه المؤرخون، ومنهم ابن تغري بردي في كتابه "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" بأنه "مستهتر عديم الخبرة"، ووقت وفاة أبيه كان موجودًا في الشام نائبًا عنه على حصن كيفا، وديار بكر. 

 

شجر الدر

هن،ا ظهرت الزوجة والحبيبة "شجر الدر" والتي استطاعت أن تخفي خبر وفاة زوجها عن جنوده، وبدأت في إدارة الجيش مع إرسال رسالة عاجلة إلى توران شاة كي يحضر ليتسلم القيادة خلفًا عن أبيه، واستمرت في الإعداد للمعركة على قدم وساق.

وكانت شجر الدر تصدر الأوامر السلطانية، وكان للسلطان خادم يجيد توقيعه، وكان معها الخاتم السلطاني، وهكذا استطاعت شجر الدر أن تحافظ على قوام الجيش وتواصل المسيرة دون أن تهتز أو تضعف، ودون أن يهيئ لها التفكير في أن تنسحب، أو أن تهادن لويس في مقابل تسليمه بيت المقدس كما فعل الملك الكامل مع فريدريك من قبل. 

اتخذت شجر الدر قرارًا تاريخًا وهو أن تواصل القتال والإعداد له مهما كانت التحديات واستطاعت بحنكة ومهارة أن تُخفي خبر موت السلطان وأن تسلم توران شاه المسؤولية عندما حضر، وحفرت اسمها بأحرف من نور في تاريخ تلك الموقعة التي استطاع فيها المماليك البحرية إحراز النصر. 

 

دولة المماليك

في هذه المعركة ظهر نجم المماليك، وصار عاليًا وصارت رايتهم خفاقة خصيصًا بعد موقعة المنصورة، وانتصارهم على الصليبيين في فارسكور عام 647هـ.

ويقول المؤرخ ابن أيبك في كتابه "كنز الدرر" أنهم صاروا يرددون "نحن خلصنا مصر والشام بسيوفنا من الفرنج"، وهنا وجد المعظم توران شاه ابن الصالح نجم الدين في المماليك البحرية عقبة في طريق طموحه إلى الحكم والاستئثار به.

ساءت العلاقات بين توران شاه وبين مماليك أبيه، وبدأ في عزلهم مناصبهم، وأرسل لشجر الدر التي حافظت له على ملكه وملك أبيه يهددها ويتوعدها ويطالبها بما تركه أبيه من مال وجواهر، وخافت الأرملة على نفسها، فكاتبت المماليك البحرية بما فعلته في حقه من حفاظ على ملكه، ثم كان المقابل هو تهديدها ووعيدها. 

كل الشواهد كانت تؤكد نية المعظم توران شاه على الغدر بالمماليك البحرية، ويقول المؤرخ أبو الفدا في كتابه "أخبار البشر": لقد رآه البعض وهو سكران يجمع الشموع بين يديه ويضرب رؤوسها بسيفه واحدة بعد الأخرى ويقول هكذا أفعل بالبحرية.

وعندما وصل توران شاه إلى فارسكور تقدم إليه الفارس بيبرس البندقداري، وضربه بالسيف فأطاح بأصابعه، ففر توران إلى برج خشبي أقيم إليه وهو يصرخ جرحني، فسأله البعض هل من فعل ذلك فقال "لا والله ألا البحرية، والله لا أبقيت منهم بقية"، فهجم البحرية على البرج، فاحتمى به توران شاه فأوقدوا فيه النيران، فقفز منه إلى النيل، فلاحقوه بالنشاب، فمات جريحًا حريقًا غريقًا.  

 

سلطنة عصمة الدين أم الخليل

بعد مقتل توران شاه أجمع المماليك على تولية شجر الدر السلطنة، فهي من ناحية الأصل والنشأة أقرب إلى المماليك، وكذا فإن دورها مشهودًا في معركة المنصورة، ثم أنها من حذرتهم من غدر توران شاه، وقال عنها المقريزي "كانت أول من ملك مصر من ملوك الترك المماليك".

وأجمع المؤرخون أن شجر الدر كانت "خيرة، ذات دين، رئيسة، عظيمة في النفوس"، ووصفها بعضهم "أنها كانت أحسن تدبيرًا من زوجها الملك الصالح"، وكانت توقع باسم ولدها من الملك الصالح "والدة الخليل"، ونقش اسمها على السكة "النقود" بلقب "المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل".

وكان الخطباء يدعون لها على المنابر "واحفظ اللهم الجهة الصالحة، ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل المستعصمية، صاحبة الملك الصالح". والحقيقة أن حرصها على لقب "المستعصمية" يعكس رغبتها في تمسحها بالخليفة العباسي المستعصم، كما أن تمسكها بلقب "أم الخليل صاحبة الملك الصالح" إشارة إلى صلتها بالبيت الأيوبي. 

وكانت أولى إنجازتها إجلاء جيوش لويس التاسع عن دمياط بعد مفاوضات ودفع فدية لإطلاق سراحه، ودفعوا نصف الفدية، ثم افتدوا 12 ألف أسير بالنصف الآخر. 

وكان ضمن أعمالها بناء قبة ضريحية لزوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب ونقل رفاته إليها، والتي صارت رمزًا ومزارًا للماليك البحرية، واحتفظت فيها بمقتنيات السلطان، وتعد هي أول من يبنى قبة ضريحية في وسط الحيز العمراني وقد ألحقت تلك القبة بالمدرسة الصالحية وهي موجودة إلى الآن بشارع المعز لدين الله الفاطمي.

 

القلاقل تواجه السلطانة

واجهت سلطنة شجر الدر معارضات كثيرة على توليها الحكم، وبدأ البيت الأيوبي في التكتل ضدها وضد المماليك، وبدأ الخليفة المستعصم العباسي يعيب على أهل مصر أن تملكهم امرأة.

وهنا، رأى المماليك أن شجر الدر لن تصلح بالقيام بالمهمة، فاختاروا أن يزوجوها من عز الدين أيبك التركماني، لتنتقل السلطة إليه، ويصير هو السلطان. 

 

أيبك وشجر الدر

والحقيقة أن زواج أيبك من شجر الدر لم يكن هو الحل بالنسبة لاستقرارها كسلطانة، إذ أن الخلاف بدأ بينهما عندما عزم عز الدين أيبك على الزواج من أميرة أيوبية كي يعزز مركزه في العرش.

وهنا بدأت شجر الدر تخطط للخلاص منه، وكان أن أغرت خدمه ودبرت مقتله وكأنه سقط في أثناء الاستحمام، ووضعت الجثة في فراشها، واستعدت الأمير قطز وروت له قصة أن السلطان سقط في الحمام فمات، ولكن قطز استجوب الخدم وعرف الحقيقة. 

وهنا سمح قطز لزوجة عز الدين أيبك الأولى أم المنصور علي، بالدخول هي وبعض الجواري على شجر الدر، وضربوها بالقباقيب حتى توفيت. وصارت أم المنصور علي توزع حلوى خاصة على أهالي القاهرة أربعين يومًا، حتى أطلقوا على هذا النوع من الحلوى أم علي. 

وماتت شجر الدر بعد حياة حافلة، أحبت سيدها، ودافعت عن مصر بكل ما تملك، ثم وصلت لسدة الحكم، ثم كان لغيرتها دورًا في أن تنتهي حياتها، لتدفن بعد ذلك في قبتها الشهيرة التي لازالت قائمة بشارع الأشراف في القاهرة.