«دعوني في القِتالِ أَمُت عَزيزًا.. فَمَوتُ العِزِّ خَيرٌ مِن حَياةِ».. هذه الكلمات التى يتفوه بها أبناء فلسطين فى غزة والضفة، فعندما تدعي إسرائيل وشركاؤها فى القتل والقتال من الولايات المتحدة والدول الداعمة لها بأن مَن يُستشهد فى غزة حتى لو كانوا أطفالا وخُدَّج فهم ضحايا للحرب مع حماس، فلماذا يتم قتل الفلسطينيين فى الضفة والقدس المحتلة؟ فالحقيقة هو إبادة شعب فلسطين من يقاوم ومن لم يقاوم فى غزة أو خارجها فى الضفة والقدس، وربما بعد سنوات سيتسع الانتقام من كل عربي، ويكون الشعار: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، ولعل تلميح رئيس وزراء إسرائيل السفاح بنيامين نتنياهو الذى تلطخت يداه بدماء أكثر من 20 ألف فلسطيني فى شهرين هو انعكاس لذلك عندما أكد أمام العالم عبر شاشات التلفاز فى 25 أكتوبر 2023 بأنه سيحقق "نبوءة النبي إشعياء" من إبادة الفلسطينين.
ولا تتوقف هذه النبوءة التى تتألف من 66 إصحاحًا فى العهد القديم عند هذا فقط بل تتنبأ بحلم "إسرائيل الكبرى من النيل للفرات "، التي حاول السفاح نتنياهو استمالة أنصاره من اليمين المتطرف، وكل التيار الصهيوني من مستوطنين، وخلافهم عبر النصوص الدينية اليهودية، لتجميعهم حول هدفهم الأسمى للتغلب علي الهزيمة التى لحقت به فى يوم 7 أكتوبر، وأنه سيظل القائد الوحيد القادر على تحقيق أهداف الصهونية فى القضاء على حل الدولة الفلسطينية فى ظل الملاحقات القضائية وفى ظل هذه الحرب التى أنهت مسيرته السياسية.
وفى الحقيقة إن الصرخات والولولات العربية لأمريكا والمجتمع الدولي لن تُجدي، فهناك عوامل حاسمة لإنهاء هذه الحرب، وهناك لاعبون رئيسيون يتحكمون في مقاليد أمورها، وسنسرد فى البداية عوامل الحسم:
- الوقت الأمريكي الدولي الأصلي والإضافي
منذ إعلان الحرب على غزة وإخلاء مستوطنات غلاف غزة اتفقت حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية برئاسة جوبايدن والحلفاء من الدول الغربية بشكل غير معلن على مدة زمنية للحرب كان وقتها الأصلي شهرين أكتوبر ونوفمبر لتحقيق الأهداف الإسرائيلية المعلنة بالقضاء على المقاومة الفلسطينية فى غزة وإعادة الأسرى بقوة السلاح، والدليل لذلك تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت عن عودة مستوطني غلاف غزة إلى منازلهم فى مطلع يناير.
ودعم حلفاء إسرائيل ذلك بقدوم الأساطيل الحربية الأمريكية والبريطانية والفرنسية لمنع وتخويف جبهات أخرى من المشاركة فى هذه الحرب.
ولكن بعد فشل ذلك وسقوط الآلاف الشهداء وضغط الرأى العام الداخلي في هذه البلدان الداعمة لإسرائيل على حكوماتهم المجرمة فى حق الإنسانية والمشاركة في قتل آلاف الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء فى غزة، تم الضغط على حكومة نتنياهو الإسراع فى وقف القتال وقفا تكتيكيا، وهذا لم يخفيه نتنياهو وحكومته مقابل إطلاق سراح عدد كبير من أسراهم لدى المقاومة، ومنحه وقتا إضافيا شهرا واحدا؛ هو ديسمبر لتحقيق النصر على حماس بدعم أمريكي، وهو ما صرح به يوم 2 ديسمبر لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي بأن بلاده صديقة لإسرائيل، ولن تسمح لحماس بالانتصار.
ولكن مشاهد القتل اليومية للأطفال تزيد من غضب الرأي العام الأمريكي، وتقوي موقف العديد من القوى السياسية في الولايات المتحدة التى ترفض استمرار الحرب، الأمر الذى سيدفع إلى الضغط الحقيقي بانتهاء الحرب مع نهاية شهر ديسمبر مع تكريس واقع عسكري على الأرض يتمثل في تحقيق أهداف إسرائيلية ومنها:
*اقتطاع ما يقارب من كيلو لـ" أربعة "كيلو شمال قطاع غزة لإقامة منطقة أمنية عازلة، كحاجز عسكري بين مستوطنات غلاف غزة والقطاع لخلق واقع أمني جديد بذريعة منع أي هجمات عليها في المستقبل، وربما أيضا إنشاء قناة ملاحية تربط إيلات بالبحر الأحمر.
*محاولة الإغلاق المحكم لمنطقة محور صلاح الدين (فلادلفيا)من جانب قطاع غزة، وتسعى بأن تكون به قوة دولية لتفتيش ما يتم إدخاله للقطاع، ولكن الرفض المصري يحول فى تحقيق هذا الهدف.
*تحت ضغط النيران سيتم تقديم طرح بواسطة أمريكا وهو تشكيل إدارة تكنوقراط لقطاع غزة، بناء على موافقة السلطة الفلسطينية على منحها مقاليد الإدارة في القطاع، وتزويدها من خلال المجتمع الدولي بالغطاء الاقتصادي، ولكن هذا الهدف يتطلب من إسرائيل الانصياع لمطلب العديد من أعضاء الداعمة لأمريكا وهي إظهار استعداد إسرائيل بالدخول في تسوية سياسية مع الفلسطينين واقامة دولة فلسطينية بعد الحرب.
وبالعودة إلى العوامل التي تؤدي إلى حسم أمر انهاء الحرب سنتطرق للعامل الثاني
2- خطر فتح جبهات جديدة مثل الحوثي والضفة
كانت إسرائيل التي تجد صعوبة فى حربها مع المقاومة فى غزة وشركائها من إدارة بايدن والحكومة البريطانية والغربية يخشون توسع الحرب ولكن مع فتح جبهات مثل الحوثي فى اليمن والمخاوف من فتح جبهة فى الضفة الغربية بجانب حزب الله، سيسرع من إنهاء الحرب لتجنب حرب إقليمية لا تريدها الدول الداعمة فى ظل الحرب الأوكرانية الروسية.
3- قوة المقاومة ونجاحاتها
قوة المقاومة فى قطاع غزة بإلحاق خسائر فى صفوف جنود الجيش الإسرائيلي الأمر الذى سيكون تأثيره السلبي عامل الضغط على المجتمع الإسرائيلي لإجبار حكومة نتنياهو بإنهاء الحرب ووقف الخسائر.
4- أهالي الأسرى وطرق تأثيرالمقاومة فى دفعهم لوقف الحرب
إطلاق سراح العديد من الأسري خلال أيام الهدنة جعل ضغط أهالي الأسري المتبقين لدى المقاومة يتزايد على حكومة نتنياهو التى تذرعت بأن حماس أخلت بشروط اطلاق سراحهم،لذلك فإن ابتكار طرق جديدة تؤدي لتبادل أسري من الطرفين ستفند مزاعم نتنياهو التى يستند لها في استئناف الحرب،وإطالة أمدها من أجل إعادة هؤلاء الأسرى.
4- الاقتصاد
الاقتصاد وانعكاساته علي قدرة المجتمع الإسرائيلي التى أصبحت عامل ضغط شعبي يتفاقم حدته يوميًا علي الشركات والأفراد الأمر الذى سيترتب عليه حدوث اضطرابات تجعل من اقتراب ساعة الصفر بالنسبة لهذه الحرب. وكذلك إعلان المقاطعة الاقتصادية العربية والإسلامية لمنتجات إسرائيل وداعميها من الدول الغربية وعلي رأسهم الولايات المتحدة.
5-الصراع السياسي الداخلي فى إسرائيل
لا تتمتع حكومة نتننياهو بدعم واسع حاليا، ويسعي معسكر بني جانتس وحزب يائير لابيد بالانتصار على نتنياهو وإخراجه من حلبة المنافسة تمامًا، خصوصًا فى ظل الإعلان عن استئناف محاكمة نتنياهو فى قضايا فساد وإعلان قادة الجيش والأجهزة الأمنية أنهم سيستقيلون من مناصبهم، بعد انتهاء الحرب، وفي حالة انسحاب بني جانتس والعودة للتحالف مع يائير لابيد فى ظل التاييد الشعبي لهما سيجبر نتنياهو على انهاء الحرب،ومحاكمته.
وفى النهاية فإن اللاعبين الرئيسيين في إنهاء الحرب هم الرئيس بايدن والجمهور الإسرائيلي ونتنياهو وبني جانتس وقوة المقاومة بغزة والمقاطعة الاقتصادية العربية والإسلامية لإسرائيل وداعموها.