فى المقال السابق توقفت عند تعليق ملك إسبانيا على ملاحظة الأستاذ "هيكل" لوجود نماذج متفاوتة الأحجام لسفينة "سانت ماريا" على مكتبه حيث قال له:
- أنت تتحدث عن ماض بعيد...لقد تغيرت الدنيا!
لكن الكاتب الكبير استفاد من رد الملك عليه وقال له:
- إنك اقتربت بي مما أريده...دعنا من الماضي البعيد أريد أن أسمع منك عن الماضي القريب والذى يكاد أن يكون معاصرا...حيث اوضح له الكاتب ان سبب مجيئه لاجراء هذا الحوار معه سؤال لم يعرف إجابته وهو كيف استطاعت اسبانيا ان تعبر مشاكل مرحلة الانتقال إلى تطبيق الديمقراطية مع ايمانه بان لكل بلد خصائصه وظروفه كما ـن تجارب الشعوب غير قابله للنقل او التقليد لكنها بالتاكيد قابله للدرس والاستيعاب ثم انه يدرك ان القياس بالغير له مزالق فالقياس الصحيح لا يصدق الا في حاله التماثل التام وهو مستحيل من شعب الى آخر...
ثم أكمل الكاتب حديثه للملك بقوله إنه خطر له ان هناك أوجه شبه بين ما كان عند الاسبان وتغير وما زال عند مصر ولم يتغير حتى الثمانينيات...
وأوضح الاستاذ "هيكل" سؤاله بان فى اسبانيا كان يوجد رجلا واحدا على القمة وكذلك كان فى مصر وهو الرئيس "عبد الناصر"وكان تحت الرجل الواحد تنظيم سياسي من صنعه...ففى أسبانيا كان تنظيم "الفالانج" وكذلك كان هناك تنظيما واحدا فى عهد "عبد الناصر"...
واتجه الكاتب الكبير الى سؤاله مباشرة إلى الملك وهو كيف عاد الاشتراكيون الى السلطة بانتخابات حرة وهى ظاهرة لا يستطيع أحد إنكار دلالتها...
ثم كان السؤال الآخر الأكثر وضوحا منه هو كيف استطاع ان يدير بدرجه عالية من الكفاءة حركة توازنات كان يمكن أن تفلت من بين أيديه خاصة وان هذه التجربه لم تكن بالنسبه إلى الملك مجرد نزهة...!
وقال إنه يريد أن يعرف ماذا حدث وكيف استطاع الملك السماح بهذه التجربة وهو كملك كان يجب أن يكون المفهومه التقليدي عنده أنه "ظل الله على الارض"، وبعد أن قال هذه العبارة استدرك بسرعة شديدة باعتذار عنها لانها صدرت منه دون قصد...
لكنه لم يكد يفرغ من كلامه حتى شهق الملك مروعا -كما بدا للكاتب - مما قاله لكنه فوجئ بضحكة الملك المجلجلةوهو يقول له:
- وتريديني أن أتحدث في ذلك كله؟!
ثم سكت وسكت الكاتب هو الآخر منتظرا... ثم عاد الملك" خوان كارلوس" يتكلم... فقال له:
- انت تعرف انني كملك دستورى لايحق لي أن اتكلم في السياسه...لكننى بالطبع إنسان ولى آرائى ولكن من غير ان أنشرها على الناس..."
وأكد الملك بان خلاصة مايمكن قوله هو انه يحترم الدستور وانه فيما يتعلق بدستور اسبانيا ليست له آراء اواجتهادات فيه...وان واجبه ان يطيع الدستور وان طاعته جاءت من قلبه وليست من لسانه...!
ثم استعاد الملك الأحداث وقال ان الانتخابات أجريت وظهرت نتائجها وفاز الاشتراكيون...
إذن فهذا ما يريده الشعب -وهو كملك- بارك ما يريده الشعب عن اعتقاد بان هذا التصرف هو الصواب وفهم صحيح للتاريخ...وان هذه هى مفاهيم العصر الذى يعيش فيه...
وقال الملك ان نموذجه هو "الملكه اليزابيث" ملكه بريطانيا اي
"عرش يرتفع فوق كل الأحزاب وحكم لا تطلب مشورته الا في ظروف استثنائيه"...
وفجأ الملك" خوان كارلوس" الكاتب الكبير بسؤاله:
-وأنتم كيف أحوالكم في العالم العربي...؟
اجابه الكاتب:
-بأن الديمقراطيه فى المجتمع العربى هى قضيه القضايا... ثم أكمل حديثه بان المجتمعات العربية نمت وتطورت وتغيرت كما حدث في اسبانيا ولكن لم تحقق الديموقراطية ولم تفلح أفكار الرئيس " عبد الناصر" فى تحقيقها ولم يكن لها تاثير وذلك لوجود مستجدات جديده مثل
البترول وهو من ايجابيات المجتمعات العربية وأيضا من سلبياته...
وأشار إلى الديموقراطية لم تتحقق بالرغم من اتساع نطاق التعليم اتساعا هائلا كما اتسع نطاق التصنيع وأيضا اتسعت حجم الطبقه المتوسطه... واصبح العاملون فى مجال الانتاج بعشرات الملايين كما خرجت المرأة للعلم والعمل وكان المجتمع بعد ذلك جاهزا بادواته ورموزه وقيمه للانتقال الى عصر الديموقراطيه الا ان المجتمع العربى لم يحققها ...
وفوجئ الكاتب الكبير باندهاش الملك وقوله:
- ولماذا لم تحققوها حتى الآن...؟
ولم يجد الكاتب الكبير اجابة على سؤال الملك له الا بقوله:
-لم نحققها بعد ...
ولم يعلق الملك خوان وبعدئذ وانتهى اللقاء...
"الأسبوع القادم باذن الله احدثك عن النهاية الغير متوقعة للملك "خوان كارلوس " ملك اسبانيا ونفيه خارج البلاد..."