كان العدوان الإسرائيلي على غزة سببًا في توجيه الاتهامات للولايات المتحدة بتقديم الدعم المطلق للاحتلال، لشن حرب إبادة وتطهير عرقي ضد الفلسطينيين، الأمر الذي تشير إليه الإحصاءات؛ حيث استشهد ما لا يقل عن ١٦ ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال.
كما طال الدمار نحو ٦٠٪ من المباني، وهو ما اضطر أمريكا للضغط على إسرائيل لتعديل خطتها المتعلقة بالمرحلة التالية من الحرب سعيًا منها لدحض الاتهامات بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة.
ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في تقرير لها، الأربعاء الماضي، أن الولايات المتحدة تعمل على فرض ضغطٍ على إسرائيل لتعديل خططها الخاصة بالمرحلة المقبلة من حملتها في غزة بهدف تعزيز الحماية للمدنيين وتفادي الانتقادات التي اتهمت البيت الأبيض بتقديم تفويضٍ غير محدود للقوات الإسرائيلية للقيام بحملتها ضد حماس.
ووفقًا للصحيفة، تدفع الولايات المتحدة إسرائيل نحو شن حرب أدق استهدافًا، وهذا يمثل تغييرًا جوهريًا عن الدعم الكامل الذي قدمه الرئيس جو بايدن في البداية للحملة التي تستهدف تدمير حركة حماس.
ويأتي هذا الموقف في سياق المشاورات الكثيفة بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول استراتيجية التعامل مع الصراع الجاري، والذي تعمل واشنطن مع حلفائها العرب على منع اتساع دائرته ليشمل مناطق خارج قطاع غزة.
وفي حين تدعم الولايات المتحدة هدف إسرائيل في تحقيق تدمير حماس، فإنها تسعى للحد من سفك الدماء، إذ استشهد أكثر من ١٥.٠٠٠ فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، خلال هذا الصراع، مما أثار قلقًا لدى بعض المشرعين الديمقراطيين وأتباع الرئيس بايدن.
ويشجِّع مسئولون أمريكيون، حسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، السلطات الإسرائيلية على تنفيذ غارات جوية دقيقة، مع التأكيد على ضرورة عدم استهداف البنى التحتية المدنية كالمستشفيات وشبكات الكهرباء والصرف الصحي.
وبالإضافة إلى الضغط المفروض لتكثيف الضربات الجوية المستهدفة، أفاد مسئول كبير في الإدارة الأمريكية أن الإدارة البايدنية رفضت خطة إسرائيل لنقل جزء كبير من سكان قطاع غزة إلى "منطقة آمنة" ضيقة في منطقة المواصي بالقرب من الساحل.
وفقًا لما ذكره المسئول في حديثه للصحيفة الأمريكية، فإن الحجم الضخم للنزوح السابق من الشمال إلى الجنوب لا يمكن أن يتكرر، وما سيحدث سيكون أكثر تدميرًا وتأثيرًا، وسيتجاوز قدرة أي منظومة إنسانية، مهما تم تعزيزها.
وأشار مسئولو الأمم المتحدة إلى أن صغر وقاحلية المنطقة بحيث لا يمكن لها استيعاب آلاف الأشخاص الذين تم تهجيرهم بالفعل، حيث نزح ما يزيد علي ١.٧ مليون شخص من سكان غزة، الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة، بسبب الصراع.
بدلًا من ذلك، تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل تحديد المناطق القريبة من المرافق التابعة للأمم المتحدة أو أي بنى تحتية محمية أخرى كملاذات للمدنيين، وتحث قوات الاحتلال على تجنب استهدافها، فيما تسعى الولايات المتحدة لضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى ما يقرب من مليوني مدني محاصر في غزة حتى بعد استئناف العمليات العسكرية.
وأفاد مسئول كبير آخر في الإدارة الأمريكية بأن المسئولين الأمريكيين سعوا لإقناع الإسرائيليين بتنفيذ عملياتهم بشكل تدريجي، مما قد يُيسَّر إطلاق سراح المحتجزين.
وأشارت الصحيفة إلى استخدام إسرائيل لهذا النهج في الفترة الأخيرة، حيث استخدم المسئولون الأمريكيون ذلك كمثال على استجابة الجيش هناك للتوجيهات الأمريكية.
وتقول الصحيفة إن جيش الاحتلال يمكنه بهذه الطريقة، أن يتوقف مؤقتًا للسماح بإطلاق سراح المحتجزين دون فقدان أراضٍ، قبل استئناف عملياته ضد حركة حماس.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسئول إسرائيلي لم تكشف عن هويته، التأكد أن حكومته تولي اهتمامًا كبيرًا للموقف الأمريكي، ولكنه امتنع عن تقديم أي تفاصيل حول التكتيكات التي قد تتبناها إسرائيل.
وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى صعوبة تنفيذ هذه الاستراتيجية مع محاولة تحقيق توازن بين الحاجة إلى الحد من الأضرار التي قد تلحق بالمدنيين، وأكدت إدارة بايدن في الوقت ذاته استمرارها في ممارسة الضغط على الجانب الإسرائيلي لعدم تهجير المزيد من الفلسطينيين.
تخطيط نتنياهو لما بعد الحرب
خلال مقابلة له مع صحيفة "بيلد" الألمانية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نيته إجراء تغيير جذري في قطاع غزة، مستوحيًا ذلك من تجربة ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية للتعامل مع النازية.
وأكد نتنياهو على ضرورة نزع السلاح من غزة كخطوة أولى، مع التركيز على مكافحة التطرف الحالي في القطاع، مشيرًا إلى تجارب دول مثل ألمانيا واليابان بعد حروبهما، حيث تم تحقيق تغيير جذري في الهياكل الثقافية والتعليمية والاجتماعية بعد التغلب على التهديدات الأمنية.