في عام 2017 أصدر الكاتب البريطاني كريستوفر دي بالي كتاباً بعنوان "عصر التنوير الإسلامي"، والذي خاض مؤلفه رحلة ثرية في ثلاثة مراكز للعالم الإسلامي هي مصر، تركيا، وإيران، مقدماً قصص رجال ونساء مسلمين، ألهموا رواد التنوير في أوروبا والغرب.
نفى دي بالي بتلك الرحلة مقولة “الإسلام حبيسُ عصور الظلام". بل "ويظهر بكثير من التعمّق التلاقي بين الشعوب الإسلامية والحداثة الغربية"، وفق ما كتبت عنه صحيفة الجارديان البريطانية.
لفت الكتاب إلى أن ثنائية "الغرب والشرق" والحساسيات فيما بينهما إنما بدأت إبان غزو نابليون لمصر عام 1798، وتشجيع الغربية للإمبراطورية العثمانية على الاستدانة، ومن ثم المطالبة بتلك الديون، وكيف ديون مصر قفزت من 3 ملايين جنيه إسترليني عام 1865 إلى 91 مليون جنيه إسترليني في غضون عقد من الزمان بعدها.
تزامن الكتاب مع رحلة بحث أخرى كانت تخوضها البريطانية بيتاني هيوز "فقبل 15 عاماً عن أقدم مخطوطات أفلاطون الفلسفية المتبقية؛ ساقني بحثي في البدء إلى مكتبة بودليان بأكسفورد، ثم عرجت على دويات الحبر الغامق وريشات الدجاج في سوق فاس، مروراً ببوابة جامع القرويين، فانتهاء بالصعود على سلالمه الخلفية إلى مخزن الأرشيف والمحفوظات. هناك عثرت على نسخة لأعمال أفلاطون ترجع إلى القرن العاشر، منسوخةً ومشروحة بالحواشي على يد كَتَبة الأندلس".
وأكدت: لقد كنت بيديّ أمسك الدليلَ على عصر نهضةٍ شهدتها بقاعُ الإسلام قبل 3 قرون من ميلاد "عصر النهضة" المفترض.
أحد الأسئلة ذات الصلة التي طرحها دي بالي في كتابه هو: هل جاءت نهضةٌ عقلانيةٌ من بعد اهتمام الإسلام الكبير ضاربِ الجذور بأعمال أفلاطون وغيره من الفلاسفة الكلاسيكيين؟
والجواب الذي قدمه هو: نعم، في أماكن وعصور معينة.
تأخذنا القصة في جزء منها إلى مصر في حقبة نابليون. حيث أوضح المؤلف أن الكثير حدث في الشرق الإسلامي من بعد غزو نابليون لمصر، ففي بعض الحالات كان هناك إصلاح وتنوير وثورة صناعية، وكان كل هذا في وقت قصير جداً.
فقد ظهرت البرقيات خلال طرفة عين من ظهور مطبعة الحروف المتحركة، وكذلك تزامن وصول القطارات مع الصحف المستقلة.
أيضا، لفت الكتاب إلى العديد من المفاهيم التي تنطوي على تحدٍّ والتي تبناها بحذر الرواد المسلمون بينما كان الغرب يتعرف عليها ويصطلح على تسميتها للمرة الأولى. كـ "حقوق الإنسان" في ثلاثينات القرن الـ 19، و"النسوية" في تسعيناته.
يقول الكاتب: في بعض المرات، مثلما هو الحال مع ألبانيّ المولد محمد علي باشا في مصر والسلطان العثماني محمود الثاني، كان المنوّرون "محدثين وضباطاً صارمين في آن معاً"، وكثيراً ما دفع هؤلاء الثمن حياتهم في سبيل أفكارهم.
ويروي الكتاب، بشكل مؤثر، إصابة المصريون بالهلع حينما اكتشفوا أن جنود نابليون دعسوا على السجاجيد بأحذيتهم، وأنهم لا يحلقون شعر جسدهم، يأتي ذلك في الوقت الذي كانت مصر فيه تسنّ إصلاحات في أنظمة النظافة العامة، مثل تعريض الرسائل للبخار قبل توصيلها.
وبينما كثيراً ما يلام التدخل العسكري والسياسي والاقتصادي الذي تلا الحرب العالمية الأولى على الاحتكاك والحزازات بين الشرق والغرب، لكن رأي الكاتب أنه "ينبغي لنا إرجاع السبب وأصله إلى الوراء أكثر، إلى أيام غزو نابليون لمصر عام 1798 وتشجيع البنوك الغربية للإمبراطورية العثمانية على الاستدانة، ومن ثم المطالبة بتلك الديون".
ويلفت هنا إلى أنه "مع التنوير، جاء أيضاً عنوةً إخواءٌ وتخفيف لأكياس مال المشرق". حيث قفزت ديون مصر من 3 ملايين جنيه إسترليني عام 1865 إلى 91 مليون جنيه إسترليني في غضون عقد من الزمان بعدها.
والأدهى من ذلك، في رأيه، أن جيش محمد علي باشا قتل الجنود العثمانيين في حمص بسوريا عام 1832 باستخدام استراتيجية عسكرية هي من أبجديات الجيشين البريطاني والفرنسي.
كما مجّد دي بالي ابتكارات وإبداعات رجال مثل رفاعة الطهطاوي "الذي حينما خنقه الاعتماد على التقاليد، كرّس حياته لكي يثبت أن المنطق والإسلام متوافقان".
ولأن "همة الرجال تقلع الجبال"، مثل القول العربي الشائع، فقد مجد الكاتب ما قام به محمد علي باشا من تجديد الإسكندرية في أوائل القرن الـ 19.