اختتمت الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة عمرو البسيوني، فعاليات المؤتمر الأدبي لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي في دورته الثالثة والعشرين "دورة الروائي الراحل حمدي أبو جليل"، الذي أقيم في الفترة من ٢٧ إلى ٣٠ نوڤمبر بمحافظة الفيوم، تحت عنوان "الفعل الثقافي في زمن التحولات"، برئاسة الشاعر محمد حسني إبراهيم، وأمانة الشاعر محمد شاكر.
بدأت فعاليات الجلسة بمناقشة بحث بعنوان "المثقف وسؤال الهوية والتنوير" للدكتور هشام محفوظ، ناقشه مدير الجلسة نيابة عنه.
تضمن البحث ٧ محاور، جاء المحور الأول بعنوان "المثقف" أوضح خلاله الباحث أن المثقف الذى يعنيه فى تلك الورقة البحثية هو ذلك الذى يجيد قراءة التفاعل الحاد بين النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للإنسانية، وليس ذلك الكيان المكدس بالمعلومات الكثيرة.
وجاء المحور الثاني بعنوان "سؤال الهوية والتنوير الثقافة الفاعلة" أشار خلاله أن الثقافة الفاعلة تلك التى يتوافر لها مثقف مبدع، يحترم الاختلاف مع الآخر، وطرح نموذجا دالا على هذا المثقف الفاعل وهو الإمام "محمد عبده" الذى نجح فى أن يقدم للثقافة المصرية والإنسانية مثقفين ليبراليين يؤمهم أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، وتلاميذه سعد زغلول، ومحمد حسين هيكل، وطه حسين، الذى أمَّ هو الآخر جيلا أكثر ليبرالية.
أما المحور الثالث أتى بعنوان "مستويات الفكر والثقافة" وتناول مفهوم التفاعل الثقافى، وضرورة أن يكون الحوار متكافئا من حيث التأثير والتأثر، فالحضارة والثقافة المصرية استوعبت الآخر، تأثرت به وأثرت فيه.
ويتناول المحور الرابع "عوامل نجاح التنوير البنّاء" أكد الباحث خلاله على ضرورة امتلاك الأدوات التي يمكن أن تسهم فى بناء هذا العصر لانتقاء ما يتماشى مع أفكارنا وهويتنا، فالتنوير رسالة ونجاح لتأكيد الهوية، الأمر الذي يسهم في تعميق الوعى والتفاعل البناء مع العصر، واتساع الرؤى والقضاء على أى إرهاب أعمى لا يعرف إلا لغة الدم. وتحدث عن عميد الأدب العربي قائلا "كان طه حسين عبقريا حين ربط بين التعليم ومستقبل الثقافة داعيا إلى ضرورة تعميمه وتعميقه، فمراحل التعليم هى التى تطبع الفكر، وتبني العقل، وتُكون الوجدان".
وتناول المحور الخامس مفهوم "الهوية البناءة بين الوسائل والغايات" وأشار خلاله الباحث إلى أن التكنولوجيا الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي ليست أداة هدم للهوية أو للتماسك المجتمعي والإنساني، شريطة أن يتم توجيه مساراتها للمسارات الأساسية التى تتطور هى الأخرى بوعي يليق بمتطلبات هذا العصر، ويتفهم تحديات الوطن وأزماته واحتياجاته.
وفي المحور السادس الذي جاء بعنوان "الإبداع رهان المستقبل" أكد خلاله الباحث على ضرورة استعداد الشعوب لمجابهة التحديات فى ظل الظروف العالمية الحالية، كأزمة التغيرات المناخية والأزمات الاقتصادية التى تسببت فيها المواقف المنقسمة على نفسها تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات أزمة "كوفيد - 19".
أما في المحور السابع والأخير تناول الباحث موضوع "مستجدات الراهن ثقافيا وعلميا بين التفاعل والمواجهة"، وأكد خلاله على ضرورة توظيف المعرفة لخدمة الإنسان من أجل الارتقاء بالمجتمع، وحماية ينابيع المعرفة وتحصينها من الحداثة الاستهلاكية التى تدفع بالإنسان إلى الغياب الأخلاقي.
من جانبه قدّم د. شوكت المصري بحثا بعنوان "الأدب والهُوية قراءة ثقافية تأسيسا على نصوص الفلاح المصري القديم" طرح خلاله عدة تساؤلات منها هل يملك المثقف شيئا يغير به واقِعه؟ فمفهوم المثقف فى حد ذاته متنوع متسع، هل المبدع مثقف بالضرورة؟! وهل كل أديب يستحق وصفه بالمثقف؟! وماذا عن القارئ المتخصص فى مجال من مجالات المعرفة والعلوم؟!
وأكد في ختام حديثه على ضرورة استمرار المثقف في تجديد فكره، بما يخدم مشروع التقدم والنهضة فى بلاده، مقدما عدة نماذج لأعمال أدبية منها كتاب "الأدب المصري القديم" للدكتور سليم حسن الذي يسرد فيه حكاية الفلاح التي تقع في ثلاثة أجزاء، بشكل يعتمد على مجموعة من الأساليب البلاغية، وأيضا مقال د. طلعت رضوان المعنون بـ"قصة الفلاح الفصيح".
وقدم د. سعيد الوكيل بحثا بعنوان "المثقف وسؤال الهوية قراءة ثقافية فى كتابات الدكتور محمد حسن عبد الله" أوضح خلاله أن النقد هنا لا يعني فقط كشف الإيجابيات والسلبيات، بل يعنى بيان الإمكانيات المتاحة والحدود التي ينبغي الوقوف عندها فى إنتاج الدلالات واستقبالها فى حال أية ممارسة ثقافية.
وأضاف مجال النقد الثقافي أو ما يسمى بالدراسات الثقافية يرتكز على دراسة الثقافات الرفيعة والشعبية والأدب والأيديولوجيات ووسائل الإعلام والنظريات الفلسفية والاجتماعية وغيرها، على أن يتخذ من كل ذلك أدوات للتحليل والتفسير، من غير هيمنة لإحداها على سائرها أو استبعاد بعضها عن عمد.
وأشار إلى أن النقد الثقافي لا يقتصر على تحليل نوع بعينه من النصوص الثقافية، بل إن المجال يتسع إلى أنماط التجليات الثقافية كافة ولعل النموذج الواضح على هذا ما رأيناه مع الناقد الثقافي البريطاني "آلان كيربي" فى كتابه "الحداثة الرقمية"، حيث يقدم الكاتب أمثلة على النصوص المبشرة بالحداثة الرقمية من مجالات مختلفة من بينها السينما، فن التصوير، الصحافة والتليفزيون، الموسيقى والأدب والفنون الاستعراضية.
وقدم د. شريف حتيتة بحثا بعنوان "المثقف وسؤال الهوية من التمثُّل إلى المثاقفة" أشار خلاله أن المثقف العربي قطع شوطا طويلا من السعي إلى استقلاله منتِجا للمعرفة، ومشاركا غيرَه من مثقفى الأمم فى إنتاجها، هذه الرحلة فى حقيقتها رحلة للبحث فى ذاته عن هوية ثقافية تلائمه، وتمكّنه من التعايش والبقاء.
وأوضح ذلك من خلال محورين، جاء الأول بعنوان "التمثل فعل ثقافى لا يزال صالحا" تحدث خلاله عن مرحلة النهضة لدى المثقف العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر كمحاولة لفهم الآخر، ونقل تجربته والاستفادة منها، والتي نتج عنها صراع حاد مع التقاليد الوافدة، مضيفا أن الأدب العربي عبّر عن ذلك الصراع فيما عرف بروايات الصراع الحضاري على سبيل المثال، لدى توفيق الحكيم وسهيل إدريس ويحيى حقي والطيب صالح، وسبقهم رفاعة الطهطاوي فى "تخليص الإبريز فى تلخيص باريز" ليصبح أول مثقف مصري يتأمل حضارة أجنبية.
أما المحور الثاني جاء بعنوان" المثاقفة انتماء رغم ارتحال الجسد واللسان" قال خلاله إن الثقافة العربية المعاصرة كانت غنية بأصوات نجحت فى إحداث مثاقفة فاعلة، فبخلاف طه حسين، لدينا أسماء مهمة يمكننا أن نقف أمامها كإدوارد سعيد، وعبد الفتاح كيليطو، وعبد الكبير الخطيبي، وهم جميعا من المثقفين الذين أحدثوا حالة صحية من المثاقفة مع الأمم الأخرى، واتضح ذلك من خلال كتاباتهم المقدمة بلغة يفهمها العالم، مع الاستعانة بالصور، الأدلة، الآثار، والحروف، الأمر الذي جعل الهوية تتجلى بشكل واضح، فترجمت أعمالهم للغاتٍ شتّى.
واختتم حديثه قائلا: "إن المثقف العربي الذى يجمع بين التقاليد والمعاصرة، حيث اللغات والثقافات العديدة، ليس هناك ما يمحو هويته، ولا يؤثر عليها اندماجه فى ثقافة الآخر، فهذا النمط من المثقف هو المحرك".