فى الوقت الذى سُمِح فيه لغزة بالتقاط أنفاسها عقب عدوان غاشم على المدنيين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ردًا على عملية "طوفان الأقصى"، مدّعية زورا حربها ضد حركة حماس، أظهرت الهدنة أوضاعًا إنسانية قاسية يعيشها سكان القطاع المنكوب جراء العدوان، وهو ما يسلط الضوء على تحديات يُنتَظَرُ أن تظهر إذا أسفرت جهود الوساطة المصرية القطرية عن سلام طويل الأمد.
وفى هذا الصدد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية فى تقرير نشرته يوم الثلاثاء الماضي، أن الاتفاق المؤقت لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس يُظهر راحة مؤقتة، ولكنه يكشف أيضًا عن التحديات المحتملة التى قد تنشأ بعد انتهاء الصراع، مشيرة إلى وجود "فوضى بائسة" فى قطاع غزة نتيجة الحرب التى شنتها إسرائيل ضد حماس منذ ٧ أكتوبر الماضي.
وسلطت الصحيفة الضوء على الأوضاع الصعبة فى شمال قطاع غزة، لا سيما فى مدينة غزة، حيث دعت إسرائيل أكثر من مليون شخص إلى مغادرة المنطقة لتسهيل عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك، يُذكر أن العديد من الأشخاص، رغم التقديرات التى دعت لمغادرتهم، لا يزالون موجودين فى المنطقة.
وأشارت الصحيفة إلى وجود عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف، الذين اختاروا البقاء بجوار أقاربهم المرضى أو المصابين أو كبار السن الذين يواجهون صعوبات فى التحرك، بالإضافة إلى أولئك الذين يخشون عدم السماح لهم بالعودة إلى منازلهم فى حال مغادرتهم. التقرير أكد أن وضع قطاع غزة يبدو متأزمًا بشكل خاص، وهو ما يتطلب تدخلًا سريعًا للتخفيف من الآثار الإنسانية الجارية جراء الصراع الحالي.
وأفادت "وول ستريت جورنال" بأن إسرائيل وجهت طلبًا إلى الفلسطينيين الذين فروا إلى الجنوب بعدم العودة إلى الشمال فى الوقت الحالي، وقد استخدمت قوات الاحتلال إطلاق النار لتفريق الأفراد الذين حاولوا دخول الشمال خلال عطلة نهاية الأسبوع.
نقلت الصحيفة تصريحات بشرى الخالدي، مسئولة السياسات فى منظمة "أوكسفام" الخيرية لمكافحة الفقر، حيث أكدت أن الوضع الراهن فى غزة يشكل واقعًا جديدًا تمامًا، ويُظهر لمحة عما قد يكون عليه المستقبل فى القطاع بعد الحرب، واصفة الوضع بأنه "فوضى مطلقة"، حيث غابت سيادة القانون وغياب الشرطة، مما دفع الأفراد للدفاع عن أنفسهم.
وفى جنوب قطاع غزة، زادت الإمدادات الغذائية والضروريات الأخرى بشكل أكبر، ومع ذلك، يقول عدد متزايد من الفلسطينيين هناك إنهم غير قادرين على تحمل ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الدقيق والخضروات، كما يواجهون انتظارًا طويلًا وحتى أحيانًا يقضون ساعات فى طوابير مستمرة على مدار الليل من أجل الحصول على مستلزمات مثل الخبز والماء، كما يُذكر أن هناك طوابير طويلة تمتد لأكثر من ميل للحصول على الغاز فى مدينة خان يونس الجنوبية، حسبما ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية.
وعلى الرغم من أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس أدى إلى زيادة المساعدات المقدمة للفلسطينيين فى غزة، فإن الجماعات الإنسانية والمدنية فى القطاع تؤكد أن الإمدادات ليست كافية لتلبية احتياجات سكان القطاع البالغ عددهم مليونى نسمة.
ووفقًا للصحيفة، يتحدث السكان عن وضعهم الصعب فى غزة، على الرغم من وقف القتال، حيث يضطرون لاستخدام إطارات الأبواب والقمامة لطَهْو الطعام، ويجدون مأوى فى الفصول الدراسية ومنازل الغرباء، ويتسابقون لاستلام المساعدات من الشاحنات القادمة من مصر فى محاولة يائسة للحصول على الإمدادات.
وتوضح الصحيفة أن الأزمة الإنسانية فى غزة أضافت ضغوطًا على إسرائيل وحماس من المجتمع الدولي، مما دفع للدعوة إلى تمديد وقف إطلاق النار لتيسير وصول المساعدات وتحسين أوضاع المدنيين، والإفراج عن المزيد من المحتجزين.
وفى الوقت نفسه، يعانى ١.٧ مليون شخص من النزوح الداخلي، حيث يتواجد معظمهم فى النصف الجنوبى من قطاع غزة بعدما طلبت إسرائيل من المدنيين مغادرة الشمال خلال الهجوم العسكرى الأخير الذى بدأ الشهر الماضي.
وفى ٢٤ نوفمبر الماضي، دخلت إسرائيل وحركة حماس فى اتفاق وقف إطلاق نار، حيث تضمن الاتفاق الإفراج عن المحتجزين من كلا الجانبين، حيث وافقت حماس على إطلاق سراح المحتجزين، بينما أفرجت إسرائيل عن نحو ١٥٠ سجينًا فلسطينيًا ووافقت على زيادة الإمدادات المساعدة إلى غزة.
وبحسب السلطات فى قطاع غزة الذى تديره حماس، فقد قتل أكثر من ١٤.٨٠٠ فلسطيني، فى حصيلة يمثل الأغلبية الساحقة منها كل من النساء والأطفال خلال العدوان الإسرائيلى على القطاع، فيما تشير الصحيفة إلى أن العدد المذكور لا يميز بين المدنيين والمقاتلين وفقًا لتقارير الصحفيين.
وتقول الأمم المتحدة ومنظمات أخرى إنها تتدخل لدعم القطاع الخاص فى غزة الذى تدهور وضعه بسبب الحرب والحصار الذى تفرضه إسرائيل، كما يشير التقرير إلى التحدى المتزايد فى الحفاظ على سكان غزة خلال الفترة المتوقعة لاستمرار الحرب لعدة أشهر إضافية.