بعد أن نجحت الوساطة المصرية- القطرية- الامريكية فى تنفيذ هدنة مؤقتة فى غزة، ومهما طالت الحرب البربرية التى قامت بها إسرائيل فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، فسوف تنتهى هذه الحرب الأكثر وحشية فى العصر الحديث، وسوف تبدأ الدبلوماسية فى إيجاد حل سياسى لهذا الصراع الدموي، فهل نحن مستعدون لذلك؟ وهل بدأت مراكز الأبحاث العربية فى إيجاد بدائل أمام المفاوض الفلسطيني، أم أننا سوف ننتظر ونتردد إلى أن تضيع الفرصة، ثم نبكى على الفرص الضائعة؟.
من خلال تطور الأحداث منذ السابع من أكتوبر، اتضح جليًا أن القاهرة هى العاصمة العربية الوحيدة التى تمتلك رؤية واضحة لمستقبل حل الدولتين. استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، للعديد من قيادات العالم، واخرها استقبال كل من رئيس وزراء إسبانيا وبلحيكا فى القاهرة والتصريحات الجريئة التى أدلى بها رؤساء وزراء البلدين، أثبتت أن بعض الدول الأوربية قد أصبحت أكثر تحمسًا لحل الصراع، والمتمثل فى حل الدولتين، رغم اعتراض إسرائيل على ذلك.
وتاريخيًا، كان الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات هو أكثر رؤساء العرب حنكة وبُعد نظر، واستطاع أن يستغل النصر العسكرى فى حرب أكتوبر ٧٣، لتحقيق سلام دائم مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية. وحصلت مصر على ماتريد، وعادت سيناء كاملة إلى أرض الوطن. فهل تستطيع السلطة الفلسطينية الحالية تحقيق السلام للشعب الفلسطينى وحقه فى إنشاء دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ٦٧؟
بمعنى آخر، هل عند العرب خطة جاهزة قابلة للتنفيذ؟ آخذًا فى الاعتبار أن الولايات المتحدة غير مستعدة فى ظل الإدارة الحالية للقيام بدور الوسيط النزيه فى ظل انحيازها الكامل لإسرائيل. أعتقد أن مصر أيضا هى الدولة العربية الأكثر خبرة لوضع تصور لتحقيق حل الدولتين.. المتابع لموقف مصر خلال هذه الأزمة، يرى أنها اتبعت سياسة قوية تهدف إلى رفض التهجير القسرى للفلسطينيين، ووقف الحرب، والبحث عن مخرج سياسى فى ظل التعاطف الدولى الغير مسبوق من شعوب العالم وبعض الدول مع القضية الفلسطينية.
استضافة مصر لوفود الدول الأكثر تعاطفًا مع القضية الفلسطينية، يجب ان يتبعه تحرك دبلوماسى مكثف، فى عدة عواصم عربية، وبتنسيق كامل مع القيادة الفلسطينية (الحالية أو المستقبلية) لوضع عدة بدائل للخروج بنصر سياسى من الأحداث الاخيرة. يجب ألا نسمح لإسرائيل أن تكون هى الفاعل فى الأحداث، ونجلس نحن على مقاعد المتفرجين، خاصة وأن إسرائيل تتابع الموقف الدولى وردود الأفعال دقيقة بدقيقة. الدليل على ذلك أن مراكز الأبحاث الإسرائيلية (Think Tanks) قد أعلنت أن الرأى العام العالمى قد تحول لصالح الفلسطينيين بنسبة ٩٥٪ خلال النصف الثانى من شهر أكتوبر، ووضعت سيناريوهات وبدائل للالتفاف على هذا التأييد غير المسبوق للحق العربي. خير دليل على ذلك هو استدعاء إسرائيل لكل من سفيرى إسبانيا وبلجيكا فى تل ابيب وتوبيخهما بسبب موقف رئيسى وزراء البلدين المؤيدين للحق الفلسطيني. ونفس الشئ فعلته الدوائر المؤيدة لإسرائيل مع إليون ماسك، صاحب منصة (X) تويتر سابقا، والذى أبدى رغبته فى مساندة أهل غزة، فكان جزاؤه العقاب بوقف إعلانات كبرى الشركات المؤيدة لإسرائيل من التعامل مع منصة X، وإلحاق خسارة مالية كبيرة لشركته، وكانت النتيجة أن تراجع إليون ماسك عن موقفه، وأعلن أنه سوف يقوم بزيارة إسرائيل ومقابلة قادتها، وهو ما حدث بالفعل. كل ما أخشاه هو، أن تتبع إسرائيل نفس السياسة مع كل من يؤيد الحق الفلسطينى وتنتهى الحرب، وينتهى التعاطف، وتعود القضية الفلسطينية إلى الثلاجة مرة أخرى، فماذا نحن فاعلون؟.
د. السعيد عبدالهادي: رئيس جامعة حورس
آراء حرة
نهاية الحرب وبداية الدبلوماسية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق