الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الأفعى التى فى رأسك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يُحكى أن فلاحًا زار أحد فلاسفة الرومان فى بيته، وصادف وقت مجيئه وقت غذاء الفيلسوف، فأصرَّ الفيلسوف أن يجلس الفلاح لتناول الغداء معه.
لبَّى الفلاحُ دعوة الفيلسوف، وعندما تناول طبق الحساء بين يديه رأى فيه أفعى صغيرة، ولكنه رغم هذا أكل ما فى الطبق لأنه كَرِه أن يُحرج الفيلسوف!
عاد الفلاح إلى بيته، ولم ينم ليلته تلك من وجع بطنه، وقال لنفسه: «من المؤكد أن هذا أثر السُّم».. وفى الصباح الباكر خرج قاصدًا بيت الفيلسوف علَّه يجد دواءً لما ألمَّ به، وكم كانت دهشته عظيمة عندما أخبره الفيلسوف أنه لم يكن فى الطبق أية أفعى، وإنما هذا كان مجرد إنعكاس صورة الأفعى التى تزين سقف غرفة الطعام؛ وقد انعكست تلك الصورة فى قاع الطبق الذى كان أمام الفلاح.
أحضر الفيلسوف طبقًا فارغًا، وقدمه للفلاح، وأطلعه على محتوى أوانى الحساء، ثم سكب الحساء فى الطبق، وقال للفلاح: انظر جيدًا.. أتوجد أفعى؟ قال الفلاح: لا!!
أمسك الفيلسوف بيد الفلاح واصطحبه إلى غرفة الطعام، وأجلسه عند الموضع الذى كان يجلس فيه المرة السابقة؛ بحيث يكون الطبق تحت الرسمة التى فى السقف مباشرةً، ورأى الفلاح صورة الأفعى منعكسة فى الطبق!!
ابتسم الفيلسوف قائلًا للفلاح: الأفعى توجد فى عقلك فقط!.. الغريب أن الألم فى بطن الفلاح زال فور معرفته بالحقيقة!
كم من الأوهام المفزعة تملأ رأسك عزيزى القارئ!.. أوهام لا وجود لها إلا فى رأسك.. أوهام تؤرِّق حياتك وتصيبك بالرعب والفزع.
قلقك مما قد تحمله لك الأيام المقبلة من أهوال ونكسات، رعبك من أن تصاب بضائقة مالية تُحْوِجَك لمد يدك إلى من ليس فى قلبه رحمة أو شفقة.. خشيتك المرض الذى يُعْجِزك عن الحركة، أو يُفْقِدك الذاكرة، أو يصيبك بالخرف.. فزعك من الموت وما ستلقاه من عذاب وأهوال بعد أن تفارق الروح جسدك. كلها مخاوف وأوهام موجودة داخل رأسك ليس لها ما يبررها. مخاوف وأوهام تعكر صفو حياتك، وتصيبك برجفة وقشعريرة. وتمنعك من الاستمتاع بمباهج الحياة.
ولنأخذ مثالًا للمخاوف التي تؤرِّق كثيرًا منَّا: 
صورة الثعبان الأقرع الذى سوف يهاجمك فى قبرك؛ ويهنش عظمك ولحمك. هذه الصورة تحتل حيزًا كبيرًا فى رأسك.. ترعبك هذه الصورة؛ وكأن أهلك سوف يُلقون بك فى القبر حيًا، ولأنك الميت الحى سوف ترى المنظر البشع للثعبان الأقرع، وتشعر بالآلام المبرحة التى تلقاها على يد ذلك الثعبان!
لم يحدث أن أحدًا قد مات؛ ثم عاد إلى الحياة واصفًا لنا تفاصيل هذه الرحلة. كل ما يرعبنا من الموت ويفزعنا منه إننا نقيسه بمعيارنا نحن الأحياء، فأنت تظن وهمًا إنه بمجرد إغلاق باب القبر عليك؛ ستدب فيك الحياة مرة أخري، وسترى الأهوال!
ليتك يا عزيزى القارئ تشرع فى فحص تلك الأوهام التى تملأ رأسك؛ وستجد عقل يموج بكثير من الأوهام التى لا مبرر لها!! 
تخلص من أوهامك حتى تكون أكثر قوة وتماسكًا.. وتعيش حياة متوازنة مطمئنة. 
د. حسين علي: أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس