السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

«انتصار حور».. دراما التتويج على جدران معبد «إدفو»

تقص حرب الانتقام
تقص حرب الانتقام التي شنها «حور» على قاتل والده «أوزير»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الجزء الثامن عشر من «موسوعة مصر القديمة»، والذي تناول الأدب المصري القديم في الشعر وفنونه والمسرح، يروي الأثري الراحل سليم حسن تمثيلية حفظت منقوشة على جدران معبد «إدفو» الذي أقيم للإله «حور»، ووصفها بأنها «تُعدُّ أحسن دراما حفظت لنا بحالة سليمة»، وفق تعبيره «حيث يوضح متنها رسوم لمناظرها؛ مما يساعد على فهم هذه الدراما». 

حملت هذه الدراما عنوان «انتصار حور على أعدائه»، حيث تقص حرب الانتقام التي شنها «حور» على قاتل والده «أوزير»، ثم انتصاره والحكم له أمام القضاة المقدسيين، ثم اعتلائه عرش والده «أوزير» بوصفه الوارث القانوني له. لتنتمي هذه الحكاية إلى «الدراما المنفيَّة» أو «تمثيلية خلق الدنيا» و«دراما التتويج»، التي يرجع عهدها إلى أوائل الأسرة الثانية عشرة. 

وتشير الموسوعة إلى أن إله «إدفو» الأكبر هو «حوربحدت» أو «حور إدفو»، الذي نعرف أن حروبه الخرافية مع أعدائه ومع أعداء إله الشمس ترجع إلى أصل تاريخي -وهو الإله الذي نراه في الرسوم التي توضح الدراما- غير أنه في متن الدراما، وأحيانًا في التعابير المختصرة التي نجدها مكتوبة أمام بعض الآلهة الأخرى في الرسوم، أن «حور الصغير» بن «أوزير» و«إزيس» هو الذي يشار إليه دائمًا. 

وتحتوي «تمثيلية إدفو» على خمسة أقسام: مقدمة، وثلاثة فصول مقسمة إلى مناظر وخاتمة. تضم متونًا قصيرة قليلة العدد، يحتمل أنها اقتباسات من حديث، وليس فيها إلا عدد قليل جدًّا من العناوين المفسرة للمناظر.

يقول سليم حسن: التعليمات المسرحية فلا نجدها إلا في الفصل الأول في المنظر الرابع والفصل الثالث في المنظر الثالث، والتعليل المحتمل لهذه النقائص هو أن الرواية التي وصلت إلينا عن الدراما التي نتناولها الآن هي رواية مختصرة؛ بسبب أن الرقعة التي كانت تحت تصرف النحَّات على جدار المعبد كانت محدودة، وأنه كان لا بد له من أن يترك مسافة للأحد عشر رسمًا التي كانت لازمة لإيضاحها. 

وجاءت الرسوم الخاصة بـ «دراما التتويج» هذه تتضمن التعليمات المسرحية -أو قائمة المتاع- موضحة برسوم خشنة في أسفل الصحيفة؛ وفيما يختص بالممثلين، يظهر أنه كان يوجد في «تمثيلية إدفو» شخصيات ثانوية لا تشترك في التمثيلية بالكلام؛ بل كانوا يقومون بأدوارهم في مناظر صامتة.
وتوضح الموسوعة: لذلك لم تذكر التعاليم المسرحية في المتن الذي اختصر عن قصد، ومن جهة أخرى قد وجدنا أحاديث ذكرت في المتن، وفي الوقت نفسه لم نجدها في الرسوم الإيضاحية، وهذا الحذف يمكن أن يعزى إلى الاقتصاد في الرقعة التي تحت تصرف الكاتب، وأن مجرد وجود الممثلين والكلام الذي تفوَّهوا به في المتن كان يعتبر كافيًا.

 

جدل حول أصلها

هناك أدلة تُبرهن على أن التمثيلية أقدم بكثير من العصر الذي كتب فيه متنها على جدران المعبد. والواقع أن المتن نفسه يزخر بتعابير من اللغة المصرية الحديثة، ويوحي بأنه قد نسخ من بردية كتبت في أواخر الدولة الحديثة.

وقد ذكر في الرسوم أن رئيس مرتلي المعبد هو «إمحوتب» -المعروف بالحكيم والمعماري للملك «زوسر» من الأسرة الثالثة- مما يُشعر بأن القصة يرجع عهد تأليفها إلى زمن أبعد بكثير من نهاية الدولة الحديثة، يضاف إلى ذلك أن الجدار الذي كتب عليه متن الدراما ونقشت عليه رسومها، ويقال إنه أقيم حسب التصميم الذي وجد في كتاب «في تصميم معبد»، وتأليف هذا الكتاب يعزى إلى «إمحوتب» هذا.

وهناك رواية أخرى تقول إن هذا الجدار قد بني على غرار التصميم العظيم الذي في الكتاب الذي نزل من السماء شمالي «منف»، لتكون هناك رواية تربط المبنى الأصلي ببلدة «منف»، وبعبارة أخرى بعهد الدولة القديمة. هكذا ليس من المستحيل أن يرجع تاريخ «تمثيلية إدفو» إلى عهد الأسرة الثالثة، وأن يكون نفس كاتبها هو «إمحوتب» أو على الأقل كتبت تحت إشرافه.

 

ما السبب الذي من أجله نقشت هذه الدراما على جدران المعبد؟

تقول الموسوعة: كان المصري القديم يعتقد أن لوجود الكتابة والرسم معًا أثرًا سحريًّا واقيًا كالأثر السحري المفيد الذي يحصل عليه الإنسان من تمثيل الرواية المقدسة نفسها. فضلًا على أن فائدته هناك ستكون باقية إذا حدث أن «الدراما» قد أهمل تمثيلها السنوي. 

وتضيف: ولا جدال في أن الممثلين والممثلات، سواء أكانوا يمثلون دورهم بالحديث أم يمثلون دورهم صامتًا، كانوا ينتخبون من كهنة المعبد وأسرهم. وقد دلتنا إحدى التعليمات المسرحية التي بقيت على أن الكاهن رئيس مرتلي المعبد كان هو الذي يقوم بإلقاء الأحاديث، وكان مفروضًا أن الملك كذلك يلعب دورًا في المسرحية، ولكن بطبيعة الحال كان يقوم بإلقائه نائب عنه.

ومن المحتمل جدًّا أنه كان يوجد في المسرحية فرقة مغنين يجوز أنها كانت مكونة من مغني المعبد وموسيقييه، وكانوا يحتلون أماكنهم على المسرح بوصفهم أصحابًا ومعاضدين للإله «حور». 

وتدل الرسوم بوضوح على أن الدراما كان يمثل بعضها على الماء وبعضها بجانب مجرى ماء. ومن المحتمل أنها بركة حور، وهي بحيرة مقدسة تقع في الجهة الشرقية من المعبد، ولكنها في داخل السور المحيط به، والظاهر أن الممثلين الذين كانوا يمثلون حور والآلهة والعفاريت الذين كانوا يتبعونه، كانوا يلعبون دورهم على وجه عام في قوارب تسبح في البركة. 

وفي حين أن المرتل كان من المحتمل أن يقف على الأرض في الأمام بين المتفرجين والممثِّلين؛ أما «خاتمة التمثيلية» فيظهر أنها كانت تمثل على اليابسة.


كم مرة عُرضت «تمثيلية إدفو»؟

تشير الموسوعة أن هذه الدراما كانت تمثل سنويًّا، وقد أشير إلى تاريخ اليوم الذي كانت تمثل فيه، وذلك بوساطة تعليم مسرحي في الفصل الثالث؛ حيث يقول: إن تقطيع أوصال «ست»، وهو حادث جاء في آخر الدراما، كان ينفذ في اليوم الواحد والعشرين من الشهر الثاني من فصل الربيع؛ أي في الواحد والعشرين من شهر أمشير.

ويؤكد سليم حسن: وإن كانت هذه «الدراما» تمثل تذكارًا لانتصار «حور» على أعدائه، وأن تمثيلها السنوي كان يُظَنُّ أنه يخلد سحريًّا هذه الحوادث الجسام وما ينشأ عنها من فائدة، فإنه كان يُعتقد في الوقت نفسه أنها تمنح الملك الذي يمثل دورًا فيها نفس هذه الفوائد السحرية.