لن تستطيع إقناع أحد بالبقاء معك، وحتى إن استطعت ذلك سيكون حضورًا باهتًا يضيع ما كان من ذكريات، وربما كان في الغياب فضيلة.. لكن عليك إبقاء شخص واحد.. قلب واحد يحبك ويراك كما تحب أن يراك.. شخص يكون الونس والبقاء بعد الفناء.
لعلك يا صديقي لا تعرف عبد الرحمن بدوي، فيلسوف الوجودية الذي مات وحيدًا، برغم ان ترتيبه الخامس عشر من بين 21 شقيقًا وشقيقة.
رسالة الماجستير كتبها بالفرنسية عن «مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية» وكانت عرضًا لمذهبه في الفلسفة، فتناول مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية وبخاصة عند مارتن هايدجر، وانتهي في الفصل الأخير منها إلي عرض مخطط لفلسفة تتخذ نقطة إشعاعها من واقعة الموت، ثم حصل على الدكتوراه من الجامعة نفسها بعنوان: «الزمان الوجودي»، التي علق عليها طه حسين أثناء مناقشته لها قائلا: «لأول مرة نشاهد فيلسوفًا مصريًا».
بلغت أعمال الدكتور عبد الرحمن بدوي سواء المنشورة أو غير المنشورة أكثر من 150 كتابًا، فضلًا عن مئات المقالات منها أعمال منشورة بالفرنسية والإسبانية والألمانية والإنجليزية.
توفي في مستشفي معهد ناصر 25 يوليو 2002 عن عمر يقارب 85 سنة، حيث كان قد عاد من فرنسا إلى مصر قبل وفاته بأربعة أشهر، بسبب إصابته بوعكة صحية حادة حيث سقط مغشيًا عليه في أحد شوارع باريس واتصل مسؤولو فندق لوتيسيا بالقنصلية المصرية بأن لديهم شخصًا مريضًا يقول إنه فيلسوف مصر.
لم ينل الاحتفاء اللائق بمسيرته ربما لأنه فعل كل شئ إلا أن يجعل له تلميذًا مثلما فعل أفلاطون مع أرسطو وفعل سقراط مع أفلاطون.
معادلة صعبة يا صديقي لخصها نيتشه في قوله: ذاتك تأكلك إذا كنت لوحدك، والناس يأكلونك إذا كنت بصحبتهم.