"شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك..
هي سيدة السفوح المحتشمة..
بظلها تغطي ساقها، ولا تخلع أوراقها أمام عاصفة..
تقف كأنها جالسة، وتجلس كأنها واقفة..
تحيا أختًا لأبدية أليفة؛ وجارة لزمن
يعينها على تخزين الزيت النوراني؛
وعلى نسيان أسماء الغزاة،
ما خلا الرومان الذين عاصروها
واستعاروا بعض أغصانها لضفر الأكاليل..
لم يعاملوها كأسيرة حرب، بل كجدة محترمة ينكسر السيف أمام
وقارها النبيل"..
بهذه الأبيات للشاعر الفلسطينى المناضل محمود درويش تبقى شجرة الزيتون الفلسطينية هي سيدة الأشجار وابنة الأرض التي طالما ارتوت بدماء الشهداء ورمز السلام التي تقدمه للعالم؛ وهي الغصن الأخضر الذي حمله الزعيم الفلسطينى أبو عمار عندما دخل قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 13 نوفمبر 1974 بعد قرار الأمم المتحدة إدراج قضية فلسطين على جدول أعمال الجمعية وتوجيه الدعوة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. حيث وجه ياسر عرفات حديثه وقتها مباشرة إلى كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك قائلًا: "سيدي الرئيس، لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن زيتون مع بندقية ثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. سيدي الرئيس الحرب تندلع من فلسطين، والسلام يبدأ من فلسطين".
ولم يكن أبوعمار مبالغًا فشجرة الزيتون راسخة فى الضمير الفلسطينى من قديم الزمان.. وما زال حتى الآن الكثير منها يدعى «الرومي»، فى إشارة إلى أنها زرعت عندما كانت فلسطين جزءًا من الإمبرطورية الرومانية، قبل أكثر من ألفي عام، وأقدم هذه الأشجار تلك التي جرت تحتها وقائع «العشاء الأخير» للسيد المسيح وتلاميذه عليه السلام، حيث ما زالت واقفة حية في ساحة كنيسة «المسكوبية» على سفوح جبل الزيتون في القدس المحتلة.
"البوابة نيوز" تواصلت مع مزارعى الزيتون الضفة الغربية فى ظل هذه الظروف التى يقتل فيها جيش الاحتلال الزرع والضرع والإنسان أيضًا.
موسم دامٍ
أكد مزارعو الزيتون في الصفة الغربية أن الاحتلال دمر الأشجار مع البشر وأحرق أغصان الزيتون ورغم أننا نشهد موسم الحصاد إلا اننا لا نجني غير الدماء.
وقال مرسي زياد أبوالبراء، أحد المزارعين بالضفة الغربية في نابلس، والذي يعمل مدرسًا بقرية بيت فوريك، إلى جانب عمله فى حقل الزيتون والذي يقوم بحصاده من أرضه والتجارة فيه، وتصديره إلى دول الخليج. إن الهجمة على الزيتون كبيرة جدا وما يفعله الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات في حق شجر الزيتون في فلسطين، من اقتلاع وحرق لآلاف الأشجار ليس جديدا ويفعله سنويًا، يهدف بناء المستوطنات، إلى جانب الاعتداء على المزارعين رميًا بالرصاص، فمنذ عدة أيام اعتدى مستوطن على المزارع بلال محمد شاهين في قرية الساوية بنابلس أثناء اقتطافه حبات الزيتون.
وأضاف مرسي زياد زراعة الزيتون هي الركينة الأساسية والعمود الأساسي في الاقتصاد الزراعى في فلسطين، لذلك ينتظر المزارع الفلسطيني هذا الموسم حتى يجني ثماره، ويقوم ببيعه والذي يعينهم على مصاريف الحياة من تعليم وصحة، أما هذه السنة فهي مختلفة تمامًا بحكم أن قطاع غزة يواجه هذه الهجمة الشرسة والكبيرة جدًا؛ فلا يجني الثمار إلا نسبة قليلة، حيث أن الأمر صعب حاليًا فتوجد ملاحقات من قبل الاحتلال وأغلب المناطق يتم غلقها. مشيرا الي ان من ضمن أهداف الاحتلال تخريب الوضع الاقتصادي، فمدينة نابلس كاملة لا يجني أي شخص منها الزيتون، كما نعانى مشاكل عديدة في المناطق التي بها المستوطنون، فهم يهجمون علينا ونحن بالأرض ويوجهون السلاح نحونا لنترك كل شىء ونرحل من الأرض، فيضطر المزارع للخروج، ويستولي المستوطن على ما تم اقتطافه وجميع الأغراض التي كان يستخدمها المزارعين أثناء الحصاد.
وتابع "زياد": حتى المناطق البعيدة نسبيًا عن المستوطنات بمسافة اثنين أو ثلاثة كيلو تقريبًا، يمنع المستوطنون المزارعين من الاقتراب منها لأنه يعتبر وجودنا يشكل خطرًا عليهم، لذلك يمنع الاحتلال المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، وكانت السلطة الفلسطينية تقوم بعمل تنسيق أمنى لقطف الزيتون، فيتم السماح لنا بالترتيب مع الاحتلال، وذلك بالذهاب لمدة يومين يتم تحديدهم لقطف الزيتون، لذلك كان الجميع يبذلون قصارى جهدهم ويعملون بكل طاقتهم لمساعدة بعضهم البعض حتى يتمكنوا من الجمع قبل انتهاء المدة المسموح بها، موضحًا أن الموسم ضعيف جدًا في المناطق البعيدة عن غزة، ويوجد مشكلات في التصدير.
وأوضح "زياد"، أن الاحتلال الإسرائيلي يقوم بالاعتداء على المزارعين بمختلف الطرق، ففي قرية تدعى "بيت فوريك" كانت مجموعة من المزارعين يقومون بجني الزيتون فهجم عليهم الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الفور رحل المزارعون من الأراضي وأحرق الاحتلال كل ما يخصهم من أغراض، موضحًا أن الهجمة على المزارعين كبيرة جدًا، فالاحتلال يريد أن ينزع من الفلسطينيين هويتهم وأرضهم، والوضع في الضفة الغربية صعب جدًا.
وأشار "زياد"، إلى أن الأمر ازداد صعوبة بسبب منع الاحتلال “المقاصة” والتي تعتمد عليها رواتب جميع الموظفين بشكل أساسي، فالاحتلال أبلغ السلطة الفلسطيينة أنه سيمنع المقاصة هذا الشهر بسبب الحرب، فالموظف حاليًا لا يأخذ راتبه بشكل كامل.
واستطرد زياد” نواجه صعوبات كبيرة في التصدير بسبب الإجراءات والفحوصات وسعر الشحن، والذي يزيد من سعر تنكة الزيت فتصل إلى الخليج بسعر 600 ريال، لذلك ترفض الدول الحصول عليه وتلجأ إلى الإستيراد من الأردن فهي أرخص بالنسبة لهم، فالهجمة على الزيتون كبيرة جدًا، فنتمنى أن تدعم الدول العربية المزارعين في فلسطين بشرائها منهم بسعر مناسب، وذلك بشكل مباشر من المزارعين عن طريق السلطة الفلسطينية، حتى يثبت المزارع في هذه الأرض المقدسة، فالأرض المنتجة هي سبب ثبات الجميع وهي التراث والتاريخ.
قتل المزارعين
لم يكتف الاحتلال بقطع وحرق أشجار الزيتون، إلا أنه يقتل المزارعين الذين يحاولون أن يدخلوا أراضيهم في موسم الحصاد. حيث اطلق الاحتلال الرصاص على الشهيد بلال أثناء حصاد الزيتون.فيقول المزارع الفلسطيني محمد عيسى شاهين، لـ"البوابة" وهو ابن شقيق الشهيد بلال، ويعمل مزارعًا في أرضه الخاصه به، "نحن نقيم في منطقة الساوية وهي قرية فلسطينية من قرى الضفة الغربية وتتبع محافظة نابلس، وعمي رجل بسيط يحبه الجميع، يبلغ من العمر 40 عاما، لديه أربع أطفال، وبنتان وولدان، يملك أرضًا يقوم بزراعتها بشجر الزيتون، والتي يعتمد عليها في توفير نفقة أولاده إلى جانب زراعة نبات المرمرية.
وتابع توجهت أنا وعمي لجني ثمار الزيتون في أرضنا والتي تبعد عن المستوطنات بمسافة كبيرة، وذلك بعد طوفان الأقصى بعدة أيام بسبب خطورة الوضع، حيث قام الأحتلال الاسرائيلي بتسليح جميع المستوطنين، موضحًا أن اليوم الأول من القطف كان الوضع طبيعيًا، على عكس اليوم الثاني ففي تمام الساعة العاشرة صباحًا توجه إلينا 4 مستوطينين لإجبارنا على ترك الأرض والمحصول، وحينها أخرج عمي الشهيد بلال أولاده من الأرض لإبعادهم عن الخطر، وعاد عمي مرة أخرى ليأخد باقي أغراضه وجهاز المحمول الخاص به، في هذه اللحظة أطلق المستوطن الرصاص عليه، بدون أي تحذير له.
وأضاف "شاهين": نحن نقيم في قرية مساحتها 12 ألف دونم، مسموح لنا بالبناء والإقامة في 600 متر، وإذا تم البناء في المساحة المتبقة فيتم إزالتها، موضحًا أن مداخل ومخارج البلدة مغلقة تمامًا من بعد يوم 7 أكتوبر، فندخل ونخرج من مناطق ترابية، وأحيانًا يغلق الاحتلال هذه المخارج، وإذا رأى الاحتلال من يتوجه خارج البلدة يتم رميه بالرصاص، فالقرية محاطة بالمستوطنات.
وأشار "شاهين"، إلى أن المستوطنين هجموا قبل ذلك على المزارعين في قرية بجوارهم، وقاموا بتكسير سياراتهم، لذلك فر المزارعون هربًا من طغيان الاحتلال الإسرائيلي، وبعض القرى تم حرقها مثل قرية الدرباشية وحرقوا العديد من المنازل والمحلات، مشيرًا إلى أنه قبل استشهاد عمه بيومين قطع الاحتلال 150 شجرة زيتون وهي من الأشجار المزروعة منذ عشرات السنين، والشجرة منهم محملة بحبات الزيتون والذي لم يتم حصاده بعد، ويمنع الاحتلال المزارعين أيضًا من اقتطاف الزيتون من الشجر المقتلع، لمنعهم من الاستفادة به..
يا وَطَنَ الأنبياء...تكاملْ!
ويا وطن الزارعين.. تكاملْ!
ويا وطن الشهداء... تكامل!
ويا وطن الضائعين.. تكامل!
فكلُّ شعاب الجبال امتدادٌ لهذا النشيد.
وكلُّ الأناشيد فيك امتدادٌ لزيتونةٍ زمَّلتني.
أقدم الأشجار في العالم..
مركز أبحاث الأرض: الاحتلال الإسرائيلي صادر أكثر من 21 مليون دونم.. واقتلع أكثر من ثلاثة ملايين شجرة
تمثل أشجار الزيتون أهمية كبيرة في حياة الفلسطينيين، أكثر من كونها اقتصادية وحسب بوابة ReliefWeb، وهي بوابة معلومات إنسانية تابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية أنها ليست كأي شجرة أخرى، بل إنها ترمز إلى ارتباط الفلسطينيين بأرضهم.
وتضيف بوابة ReliefWeb أن فلسطين تمتلك أقدم أشجار الزيتون في العالم، والتي يعود تاريخها إلى 4000 عام، ولدى بعض العائلات أشجار توارثتها أجيال عديدة.
ويقدر معهد أبحاث القدس أن الاقتصاد الفلسطيني خسر حوالي 55133602 دولار منذ عام 1967 حتى عام 2009.
وفي عام 2013؛ قررت ما تسمى بـ«الإدارة المدنية»، التابعة للاحتلال، تخريب واقتلاع آلاف أشجار الزيتون، في وادي قانا بمنطقة سلفيت، بحجة أن تلك الأشجار زرعها الفلسطينيون في منطقة تعتبر محمية طبيعية.
وذكر تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة "أونكتاد"، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي قطع 2.5 مليون شجرة في الأراضي المحتلة عام 1967، بينها 800 ألف شجرة زيتون.
وذكر مركز أبحاث الأراضي، في بيان صادر عنه في الذكرى الـ44 ليوم الأرض الخالد، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي صادر أكثر من 21 مليون دونم، واقتلع أكثر من ثلاثة ملايين شجرة.
85 % من مساحة أشجار البستنة مزروعة بالزيتون
بلغت المساحة المزروعة بالبستنة الشجرية حوالي 676.8 ألف دونم خلال العام الزراعي 2020/2021 (منها 94.7% في الضفة الغربية، و5.3% في قطاع غزة)، وتشكل المساحة المزروعة بأشجار الزيتون أعلى مساحة مزروعة بالبستنة الشجرية في فلسطين من إجمالي مساحة تبلغ 575.2 ألف دونم بنسبة 85.0% يليه محصول العنب بمساحة بلغت 29.1 ألف دونم بنسبة 4.3%.