سكتت المدافع أربعة أيام في غزة، ساعات متوترة لتبادل الأسرى، وأسئلة مشروعة تلح على ذهن المتابع، هل نحن على مشارف انتهاء الحرب وتمديد الهدنة أم هي استراحة لالتقاط الأنفاس؟ لم يذهب الطرفان إلى الهدنة من تلقاء نفسه، ولكن الضغط داخل إسرائيل والإدانة العالمية لها جاءت برقبة إسرائيل على مائدة الهدنة، وكذلك حماس التي عانت خمسين يوما من طحن الحجر والبشر في غزة بفعل الآلة العسكرية الإسرائيلية، هذه المطحنة جاءت بحماس إلى الهدنة لتبحث عن استراحة محارب.
مرحلة ما بعد الهدنة تحمل مخاوف حقيقية، نعرف أن إسرائيل لا عهد لها، ونعرف أيضًا أن هدفها الذي أعلنته مع بدء الحرب لم يتحقق وهو القضاء على حماس، هذا الهدف الذي لم يتحقق يضع مصير نتنياهو في مهب الريح، وهذا ما يجعلنا نفكر في الصيغة الانتقامية المدفوعة بأسباب شخصية عند قادة إسرائيل.
حجم الدمار الذي فعلته إسرائيل على أرض غزة لا يرضي غرورها لتنسى ما حدث صباح السابع من أكتوبر الماضي ومازالت أسماء قادة حماس على الأرض تؤرق مضاجع قادة جيش الدفاع، وقد سبق أن أعلن الموساد الإسرائيلي عن ضرورة اغتيال يحي السنوار وأبوضيف واسم ثالث تعتبرهم إسرائيل أهم من خالد مشعل وإسماعيل هنية.
ولأن إعلان العداء وفقه الاغتيال قد ذهب مع الريح بفضل صمود المقاومة ودقة تحركاتها وهذا ما يجعل قادة إسرائيل في حالة غليان دائم، هذه الحالة العامة تجعلنا أكثر قلقا عن مرحلة ما بعد الهدنة.
ويمكن قراءة الهدنة التي وافق عليها الطرفان أنها قد حققت مكسبًا لإسرائيل باستعادة عشرات من مخطوفيها، كما أن الهدنة قد حققت لإسرائيل مكسبًا آخر حيث تراجع الغضب الشعبي العالمي قليلًا وكأن اسفنجة الهدنة تحاول امتصاص غضب الميادين في دول مختلفة ولكنه تخفيف مؤقت لأن الأجندة الإسرائيلية متخمة بكل أنواع الفخاخ غير المرئية ليس أولها فخ التهجير الذي لعبوا عليه وليس آخرها فخ صورة الجيش الذي لا يقهر.
لذلك نقول: إن الهدنة ليست نهاية الحرب فالقضية الفلسطينية مازالت معلقة والأهداف المعلنة لكلا الطرفين المتحاربين لم تتحقق، مع ملاحظة أن إسرائيل قد قضمت شمال غزة لدرجة أنها أقامت منافذ على طريق صلاح الدين تباشر من خلالها السماح والمنع في حركة الجنوب نحو الشمال.
نفكر بصوت عال حتى نقترب من تصور للأسابيع القادمة ونتحسب لكل خطوة يخطوها العدو.
ربما الصورة غامضة عند حماس وإسرائيل فكل طرف منهما يخفي أكثر ما يظهر، وذلك على العكس تماما من الموقف المصري الذي أعلن منذ اللحظة الأولى للحرب عن خط أحمر إسمه التهجير، ويأخذنا التفاؤل مع هذا الخط لنقول أن ملف التهجير قد تم إغلاقه، لذلك تحركت مصر في ملف الهدنة وهي مطمئنة نسبيًا، ليس هذا فقط ولكن مصر فتحت الملف الثالث وهو ملف المساعدات وتعمل عليه بمهارة شديدة، هذا الوضوح المصري يضع إسرائيل في زاوية ضيقة لا تجد أمامها إلا التفاهم مع الجانب المصري عند مواجهة أي تعثر في ملف الهدنة وقد شهدنا ذلك عندما ارتبكت مواعيد تسليم دفعة من الأسرى واستطاعت مصر بتحرك ماراثوني حتى تم نزع فتيل الأزمة التي كادت أن تعيد المدافع إلى هديرها.