فيما يستعد قطاع غزة لالتقاط أنفاسه بعد إعلان الخارجية القطرية، فجر الأربعاء ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٣، توصلها بوساطات مصرية وأمريكية، لهدنة - لم يحدد موعد تنفيذها بعد - فى القطاع تستمر لأربعة أيام، تلتف الأنظار نحو الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وما إذ كان ستشملها الهدنة أم ستشهد سيناريوهات أخرى؟
الجبهة اللبنانية
واشتعلت الجبهة اللبنانية على وقع الحرب القائمة فى غزة منذ ٧ أكتوبر، إذ بادر حزب الله اللبنانى المقرب من حركة حماس الفلسطينية بإطلاق صواريخه على شمال إسرائيل فى ٨ أكتوبر ٢٠٢٣، الأمر الذى أحدث فى البداية ارتباكًا لتل أبيب سرعان ما تجاوزته إسرائيل وبدأت فى الرد.
ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة فى آخر إحصاء نشرته فى ١٦ نوفمبر، فبلغ عدد النازحين من الجنوب اللبنانى منذ ٨ أكتوبر، هو ٤٦ ألفًا و٣٢٥ شخصًا، فضلًا عن سقوط ١٠٠ قتيل بينهم ٦٩ عنصرًا فى صفوف حزب الله، و١٤ مدنيًّا، بينهم ثلاثة صحفيين وفق حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس.
على الجانب الإسرائيلى قدرت تل أبيب إجمالى قتلاها إثر المواجهات مع حزب الله بتسعة أشخاص بينهم ثلاثة مدنيين.
سيناريوهات متفاوتة
رغم نقل موقع "نداء الوطن" اللبنانى عن مصادر سماها بـ"الرسمية" التزام حزب الله بالهدنة "شرط أن تلتزمها إسرائيل أيضًا"، لم يعلن أى من قيادات الحزب أو إسرائيل عن هذه الخطوة.
وتفاوتت التكهنات حول انعكاس الهدنة فى قطاع غزة على الحدود اللبنانية. فنقل موقع "الحرة" عن مسئول بالخارجية الإسرائيلية، قال: «إنه "ليس للاتفاق أى علاقة بحزب الله"، إنما يرتبط "فقط" بالوضع فى غزة»، فى المقابل نقل الموقع عن مصدر إعلامى مقرب من "حزب الله" ربطه بين ما يحدث فى غزة وما يحدث على الحدود اللبنانية الجنوبية، مؤكدًا انعكاس التهدئة على الموقف العسكرى بين إسرائيل وحزب الله.
وبالنظر إلى الهدوء الذى يتسم به خطاب حزب الله، يبدو أن الميل نحو تقليص القاذفات خلال فترة الهدنة هو الأرجح وليس وقفها تمامًا. وعلى مدار ٤٧ يومًا عاشتها غزة فى الحرب لم يصعد المواجهات مع تل أبيب إلى حرب شاملة.
فى الوقت ذاته رغم تأكيدات مقربين من تل أبيب على استمرار المواجهات فى الشمال مع حزب الله، إلا أن كل تفسيراتهم تشير إلى أن إسرائيل ستستمر فى المواجهات ردًا على هجمات حزب الله. وفيما يميل حزب الله إلى التهدئة فيبدو أن تل أبيب ستسير إلى نفس المسار هى الآخر.
تهدئة غير معلنة
ويعنى ذلك أن ثمة تهدئة غير معلنة ستسير، مع استمرار محدود للمناوشات دون ارتفاع فى الوتيرة. ويتفق المحلل السياسى اللبناني، أسعد بشارة، فى تصريحات إعلامية، مع ذلك، مفسرًا بأن إسرائيل لم تحسم قرارها بعد بفتح الحرب فى أكثر من جبهة. وينفى ذلك تكهنات تفيد بأن الهدنة فى غزة قد تسمح لإسرائيل بتكثيف هجماتها على الجنوب اللبناني. ويحيل المحلل اللبنانى استبعاد التصعيد الإسرائيلي، إلى تدخل أمريكى يتوقع حدوثه يصرف تل أبيب عن هذا الخيار.
فى الوقت ذته يرتبط المشهد فى لبنان برغبة إيران فيما إذ كانت تريد استمرار المواجهات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية أم لا. ويرجح الباحث فى الشأن الإيراني، محمود جابر، أن إيران لا ترغب فى الصدام مع إسرائيل وأمريكا فى هذه اللحظة، مشيرًا لـ «المرجع» إلى أن طهران من أول أيام الحرب وتدرك سعى أمريكا لتوريطها فى حرب فيما تقطع هى كل الطرق لذلك. وطالما نفت إيران علاقتها بالهجمات التى تتعرض لها القواعد الأمريكية فى العراق وسوريا بالتزمن مع الحرب فى غزة والموقف الأمريكى منها، فضلًا عن تأكيداتها باستقلالية الكيانات المقربة منها مثل حماس وحزب الله والحوثيين. وتسعى إيران من وراء ذلك للتأكيد على عدم معرفتها بعملية ٧ أكتوبر التى بدأت على إثرها الحرب.
فيما شهد الخطاب الإيرانى تحولات كبيرة تجاه القضية الفلسطينية، بعد عملية طوفان الأقصى التى نفذتها المقاومة الفلسطينية فجر السابع من أكتوبر، ورغم الاستغلال الإيرانى للقضية الفلسطينية طوال العقود الماضية، فإنها سارعت بالتبرؤ من العملية، وفى أول خطاب للمرشد الإيرانى على خامنئى أكد أنهم لاعلاقة لهم بالعملية وأنها فلسطينية القرار والتنفيذ، وهو ما أكده خطاب حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني.
تراجع عن المشاركة المباشرة
رغم التهديدات المستمرة من قيادات إيرانية بالقدرة على نسف إسرائيل إلا أن ثلاثة مسئولين كبار كشفوا أن المرشد الإيرانى على خامنئى وجه رسالة واضحة لرئيس المكتب السياسى لحركة حماس عندما التقيا فى طهران فى أوائل نوفمبر، قائلًا إن حماس لم تبلغ إيران بهجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل ومن ثم فإن طهران لن تدخل الحرب نيابة عن حماس.
كما ذكر مسئول من حماس أن خامنئى حث هنية على إسكات تلك الأصوات فى الحركة الفلسطينية التى تدعو علنًا إيران وحليفتها اللبنانية جماعة حزب الله إلى الانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل بكامل قوتهما، مشيرًا إلى أن إيران ستواصل تقديم دعمها السياسى والمعنوى للحركة لكن دون التدخل بشكل مباشر.
وفى الوقت نفسه أشاد وزير الخارجية الإيرانى السابق محمد جواد ظريف، فى مقابلة صحفية بموقف المرشد على خامنئى وحسن نصرالله، المتمثل بالامتناع عن الدخول فى الحرب بجانب حماس، واصفًا ذلك بالموقف "الذكي"، قائلًا: «دعمنا للمقاومة لا يشمل الحرب بجانبهم».
توظيف للقضية
الباحث الأكاديمى المتخصص فى الشأن الإيراني، الدكتور مسعود إبراهيم، قال فى تصريحات خاصة لـ«المرجع»، إيران دائمًا تتصدر المشهد فى أى حدث يطول منطقة الشرق الأوسط، فهى دائمًا فى دائرة الصراع، وفى الواقع هى تحب أن تتصدر المشهد وأن يكون لها دور كبير ومهم، وعندما تتعلق الأحداث بفلسطين والقدس تتجه الأنظار نحو طهران.
وأضاف "إبراهيم": ربما يرجع ذلك إلى الشعارات الكثيرة التى سمعنا بها منذ انتصار الثورة الاسلامية وحتى اليوم وربما أيضًا بسبب فيلق القدس الذى أنشئ منذ عام ١٩٨١ لتحرير الأقصى لكنه لم يطلق رصاصة منذ إنشائه لأجل الأقصى رغم الأحداث الجسيمة التى حدثت خلال العقود الماضية وحتى اليوم.
ويرى الباحث فى الشأن الإيرنى أن كل ما مضى له دلالة واحدة وهى أن قضية فلسطين فى الأجندة السياسية الإيرانية هى ورقة لعب تخرجها وفقًا للظروف وخاصة عندما ترى أنها الورقة الرابحة ثم تعود هذه الورقة كما كانت عندما تتحقق الظروف.
ويشير إلى أن الغريب فى الأمر، أنه منذ "طوفان الأقصى" وانتصارات حماس على العدو الصهيونى وإيران تتنصل من دعم حركة حماس فى هذه الحرب وكأنها شبهة رغم أن أى انتصار عظيم يرفع أى من شارك فيه، لكن لطهران حسابات أخرى فهى تعلم أن اظهار الدعم وتقديمه لحركة حماس يعنى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التى حذرتها بصورة مباشرة وأرسلت حاملات طائراتها إلى شرق المتوسط.
ويوضح إبراهيم أن إيران تعى جيدًا أن المواجهة العسكرية المباشرة مع واشنطن تعنى خسارة فى كل النواحى وفقد الكثير من قدراتها العسكرية إضافة إلى تردى أكبر للوضع الاقتصادي، وهو ما يعنى مواجهة أخرى مع الشعب الإيرانى المتذمر بطبعه بسبب سوء الأوضاع، مشيرًا إلى أن خامنئى بذل قصارى جهده لينكر أى دور إيرانى مباشر منذ هجمات السابع من أكتوبر.
واختتم الباحث الأكاديمى تصريحاته بالقول: كان خامنئى يشكك فى الحسابات الأمريكية فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وربما فى استعداد واشنطن لدخول حرب غزة، لكنه لم يقلل من شأن قوة الجيش الأمريكى إن تحرّك، وتقوض قلّة فرص تملص إيران من المسئولية رغبتها فى المخاطرة ببقائها السياسى لمجرد مساعدة حماس فى حرب أوسع تشمل الولايات المتحدة.
وترتكز كل الاستثمارات الإيرانية فى محور المقاومة وعقيدة "الدفاع الأمامي" على فكرة بسيطة مفادها أنه من الأفضل للبلاد أن تواجه خصومها خارج حدودها من خلال وكلاء مسلحين موالين لها.
بوابة العرب
الهدنة فى غزة.. سيناريوهات الجبهة اللبنانية.. دلالات التراجع الإيرانى عن التدخل المباشر فى الحرب
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق