رغم دعم كثير من الدول الأفريقية للقضية الفلسطينية خلال العقود الماضية، فإن بعض هذه المواقف شهدت تغيرًا لافتًا بفعل تغليب المصالح السياسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية على إبداء مواقف تعتبرها بعض الدول "غير مفيدة".
وعكست حرب غزة الجارية تباينًا في مواقف دول القارة السمراء من الحرب، فبينما تبنت دول وجهة النظر الإسرائيلية والداعمة لها في حق الدفاع عن نفسها والقضاء على حماس، أطبق الصمت على أخرى بإيعاز أميركي وأوروبي بجانب مصالح اقتصادية وأمنية مع حكومة نتنياهو، بحسب رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وسفير مصر السابق في زامبيا، الذي أضاف لـ"البوابة نيوز " قائلًا : "يوجد طرف ثالث بأفريقيا لديه لبس فيما يتعلق بعملية حماس ورد الفعل الإسرائيلي ورابع داعم لحماس ومدين للحرب الوحشية التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة".
يأت ذلك رغم التشديد على ثبات الموقف الأفريقي الداعم للقضية الفلسطينية ولقراراتها في المحافل الدولية، ورفض العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، ورفض القادة الأفارقة القاطع لاستهداف "إسرائيل" المتعمد للمجتمع المدني الفلسطيني ومؤسساته، خلال القمة الأفريقية السادسة والثلاثين التي عُقدت في أديس أبابا يومي 18 و19 من فبرايرمن العام الجاري.
وأعلن الرئيس الكيني الدكتور ويليام ساموي روتو، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي X" إكس" مساء 7 أكتوبر الماضي، أن بلاده "تنضم إلى بقية دول العالم في التضامن مع إسرائيل وتدين الإرهاب والهجمات على المدنيين الأبرياء بها".
ودعا المجتمع الدولي لـ"حشد قواه لمحاسبة مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية المشينة ومنظميها ومموليها ورعاتها وداعميها ".
وتميزت العلاقات بين كينيا وتل ابيب بشكل لافت بعد تدخل إسرائيل خلال الهجوم على مركز ويست جيت التجاري في نيروبي عام 2013 .
وتحتل كينيا المرتبة الأولى في تلقي المساعدة الفنية من إسرائيل عبر وكالة التعاون الإنمائي الدولي (ماشاف ).وتعد الشركات الإسرائيلية المستثمر الأول فى مجال البنية التحتية الفندقية بكينيا.
وعلى غرار نظيره الكيني وصف الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي في 8 أكتوبر عبر موقع التواصل X" إكس" عملية حماس ضد إسرائيل، بالهجمات الإرهابية معلنا تضامن بلاده واتحادها مع تل أبيب في مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله".
وتلعب الاتفاقيات العسكرية والعلاقات التجارية دورا مهما في تعزيز الروابط بين الكونغو وإسرائيل حيث تهيمن الشركات الإسرائيلية على قطاع التعدين في الكونغو، إلي جانب التعاون في مجالات الأمن والزراعة والبنية التحتية والتكنولوجيا الرقمية.
وتطابق هذا الموقف مع مواقف الكاميرون وغانا وتوغو وزامبيا، الذين يتم وصفهم بأنهم "حلفاء تقليديون" لإسرائيل منذ ستينيات القرن الماضي وفي مقدمة الشركاء التجاريين لها في القارة.
وفي المقابل أيدت دولة جنوب أفريقيا إحدى الشركاء التجاريين المهمين لإسرائيل في القارة بشكل مطلق الشعب الفلسطيني في غزة حيث نشر لسيريل رامافوسا، رئيس جنوب إفريقيا في 14 أكتوبر 2023، مقطع فيديو على حسابه الشخصي بموقع التواصل الإجتماعي" X، يحمل العلم الفلسطيني في يده ويرتدي الكوفية الفلسطينية،مع تعليق “نحن ملتزمون بالتضامن مع الشعب الفلسطيني".
وأدانت الجزائر بشدة الهجمات الإسرائيلية على غزة،مشيرة إنها تنتهك القانون الإنساني الدولي، وسار على الدرب كل من ليبيا وتونس وموريتانيا والتي لا تعترف بإسرائيل.
وعلى نفس المنوال دعا الرئيس عمرو سيسوكو إمبالو رئيس غينيا بيساو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، معربًا عن قلقه إزاء تصاعد العنف والخسائر في الأرواح.
ما وراء الصمت
ويعزي المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري رخا أحمد حسن، صمت بعض الدول الأفريقية تجاه الحرب إلى تأثرها بموقف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وليس من منطلق تأييد إسرائيل، لارتباطها بصفقات تسليح مع الولايات المتحدة، والمساعدات الاقتصادية التي تقدمها الدول الغربية لها فاقتضت مصلحتها العامة الصمت حتى لا تضع نفسها في حرج وكذلك لا تزعج حلفائها في الولايات المتحدة وأوروبا، ومنها ما يزال ملتبسا عليه أمر عملية حماس ورد فعل إسرائيل مثل إثيوبيا التي تربطها علاقات راسخة وممتدة مع إسرائيل. على حد تعبيره
وكذلك ساحل العاج(كوت ديفوار) التزمت الصمت تجاه الحرب فى غزة رغم أنها أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل في القارة الأفريقية.
وهو ما يتفق معه السفير السنغالي الدكتور أبوبكر سار، حيث يرى أن من "يدعمون إسرائيل في حق الدفاع عن نفسها والحرب على غزة يحافظون على مصالحهم القومية؛ فكل دولة تراعي مصالحها وفقا للأطر التي تحددها، وأن كل دول أفريقيا لها موقف موحد فيما يخص حل الدولتين"،وشدد أبوبكر على أن الصمت أو الحياد يعكس رفض اتخاذ موقف بشأن هذه الأزمة خصوصا، بعد تصوير إسرائيل والغرب "حماس" على أنها "داعش".
ويلفت رخا إلى أن صمت بعض دول أفريقيا جاء بعد ضغط حكومة نتنياهو على مجموعة الدول الفرنكوفونية عن طريق فرنسا وكذلك الدول الأفريقية ذات النفوذ البريطاني .
وبلغ حجم الصادرات الإسرائيلية للدول الإفريقية في عام ٢٠٢١ طبقا لبيانات معهد الصادرات الإسرائيلي نحو ٥٠١ مليون دولار دون احتساب تجارة الماس والصادرات العسكرية والأمنية التي غالبا ما تكون سرية.
ويعد هذا المبلغ متراجعا مقارنة بقيمة الصادرات في عامي ٢٠١٨ و٢٠١٩ والتي بلغت ٦٤٨ مليون دولار و٥٢٧ مليون دولار على التوالي.
كما انخفضت التجارة مع جنوب أفريقيا من حوالي 250 مليون دولار في عام 2014 إلى أقل من 190 مليون دولار في عام 2018.
نفوذ إسرائيلي
زادت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية التى تقيمها إسرائيل مع دول الإتحاد الإفريقي الـ 54 باستثناء الدول الـ" 9 " ليبيا، تونس، الجزائر،مالي،النيجر،موريتانيا،جزر القمر،جيبوتي والصومال" من نفوذها داخل القارة والتعاون مع دولها فى مجالات عديدة على رأسها الطاقة والمياه والزراعة والتكنولوجيا بجانب المجال الأمني والعسكري وصفقات الأسلحة، وفقا لمعهد الدبلوماسية والعلاقات الخارجية بجامعة فيخامان الاسرائيلية
وأدي هذا النفوذ إلي تباين فى مواقف الدول الأفريقية ازاء حرب إسرائيل على غزة، والزام بعضها بإتباع سياسة الصمت ،للحفاظ علي هذه العلاقة المعقدة مع تل أبيب. كما ورد فى دراسة مركز " legrandcontinent" للدراسات الجيو سياسية بباريس المنشورة بتاريخ 24أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأرجعت الدراسة صمت تشاد ذات الأغلبية المسلمة تجاه الحرب الدائرة فى غزة للنفوذ والمصلحة الإقتصادية والأمنية مع تل أبيب،خصوصا بعد عقد العديد من الصفقات التي لم يتم الكشف عنها فى أعقاب افتتاح الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي سفارة بلاده بمنطقة رامات جان بالقرب من تل أبيب فى مطلع فبراير الماضي.ومنها إمداد تشاد بالأسلحة لمساعدتها في حربها ضد المتمردين الإسلاميين في الشمال.
ووفق الدكتور سامح عباس أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة قناة السويس المصرية فإن "الحكومات الإسرائيلية عكفت خلال العشرين عاما الماضية على بسط نفوذها في القارة من خلال التعاون الأمني والعسكري وكذلك الاستفادة من التكنولوجيا الزراعية التي تمتلكها، فتوغلت في الشرايين الحيوية لهذه الدول من خلال التعاون الاستخباراتي والزراعي والطاقة وكذلك الأسلحة، حيث تقوم بتسليح الشرطة في الدول الأفريقية بمدفع رشاش صغير من نوع أوزي".
ويحدد سامح أهداف إسرائيل من وراء ذلك قائلًا في تصريحات لـ"البوابة نيوز": "زيادة نفوذ إسرائيل بأفريقيا يساعدها على الضغط من أجل تغيير الموقف الثابت لدول القارة في المحافل الدولية والذي يدعم بشكل كبير القضية الفلسطينية، رغم العلاقات التجارية والأمنية مع إسرائيل وعلى رأس هذه الدول جنوب أفريقيا التي تتمتع بعلاقات تجارية وتدين بقوة الحرب الإسرائيلية على غزة وتدعم موقف حماس.
.