خلق الله البيت الأول للإنسان فى الرحم، لتكون أهم صفاتنا الرحمة والتراحم فيما بيننا، وحافظنا على هذه الصفات حتى دخلت العولمة والإنفتاح على العالم، وأخذنا سيئاته وتركنا حسناته!..وبدأت تذوب قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا القديمة، والتى كنا نفخر بها، وخاصة التوقير والإحترام للكبار وأصبحنا نتناسى الفضل فيما بيننا!..ما يدعونى لكتابة هذا المقال ما قرأته من تصريح للمذيعة الفنانة/نجوى إبراهيم بعد أن تعرضت لسخافات بعض المتنطعين، الذين هاجموها بلا خطيئة منها، وقرأت ما قالت: “مستعدة أعتزل، أنا غلبانه وعيانه وهموت قريب، أنا عندى ٨٠ سنة وعامله سبع تلاف عملية وعندى سرطان، أنا مش بعمل مستقبل ولا جايه أربى ولادى، أنا مبسوطة بيكم وبتشرف بكلامى معاكم”.. الحقيقة إقشعر جسدى وأنا أقرأ هذا الكلام من سيدة لم تقدم غير الخير والإبتسامة والتفاؤل، فمن هؤلاء الذين يهاجمونها لأنها مازالت تعمل وتعطى وتقدم البرامج!..والتساؤل: هل تعمل رغما عن أحد؟!..أو هى من تتيح فرصة عمل لنفسها؟!..أم تطلب للعمل لأن لديها ما يفيد ولأنها محبوبة، ويتناسى هؤلاء أن القبول والمحبة من عند الله..ما هذه القسوة التى تجبر سيدة أنيقة فى كلماتها وأفعالها، تتحفظ وتخفى آلامها وأمرضها ولا تظهر إلا فى كامل لياقتها، حتى لا تؤلم أحد من محبيها وهم كثر، من يهاجم هذه السيدة التى تربينا على صوتها وحكايتها وهى تعلمنا الحب والعطاء والتفانى وكل الصفات الطيبة، لنرد لها الجميل بالسخرية من أنها مازالت تعمل؟! نجوى إبراهيم تاريخ طويل وقصة كفاح ونجاح توجب التكريم لا التطاول والسخافة، ماما نجوى، هكذا يناديها الجميع، حتى وإن كانوا أكبر منها سنا، استطاعت أن تدخل القلوب من بداية طلتها على شاشة التليفزيون، هى من جيل جميلات وعظيمات الأعلام، خلقت بقلب أم وتعشق الأمومة وتجلها سواء كإبنة أو أم، تحكى عن رحيل أمها أن دموعها عليها لا تجف وحياتها من بعدها نصف حياة وتقول:”تركتنى نصف إنسانة واخذت معها النصف الآخر)، دخلت نجوى مبنى التليفزيون وهى فى السادسة عشر من عمرها، وكانت والدتها تأتى معها يوميًا لأنها ترفض أن تركب المواصلات بمفردها، ولا تتركها إلا أمام مبنى التليفزيون، هذه الأم كافحت وتعبت كى تصل بأولادها الثلاث إلى بر الأمان، وكانت لهم كل العالم، ونتيجة لظروف أسرية خاصة، كانت هى كل شىء فى حياتهم، وإمتنعت عن الزواج لتهبهم أجمل سنين عمرها عن طيب خاطر، لذا ظلت تسكن قلوب أولادها الثلاث نجوى وناهد ونزيه، ولا ينسون ما قدمت لهم من تضحيات، حصلت نجوى علي شهادة الثانوية العامة من مدرسة مصر الجديدة الثانوية بنات، عام 1965، وبدأت العمل كمذيعة في التلفزيون، والذى كان النافذة المضيئة لكل الشعوب العربية، كانت فتاة جميلة ممتلئة بالطموح، يشع من عينيها الذكاء، وكما بدأت العمل مبكرًا وصغيرة السن،تزوجت أيضًا مبكرًا من الشاب الفلسطيني الوسيم حارس المرمى النادى الأهلى مروان كنفاني، وهو سياسى وبرلمانى فلسطينى وكان عضوا فى المجلس التشريعى الفلسطينى الأول، وهو الأخ الشقيق للأديب الفلسطيني غسان كنفاني، وأنجبت منه أولادها ناصر وحكم كنفانى، فمارست الأمومة مبكرًا.. كانت تهتم بعملها اهتماما كبيرا، فقدمت مجموعة من أنجح البرامج التليفزيونية منها”6/6”، «صباح الخير يا مصر»، “خترنا لك” و«فكر ثواني واكسب دقايق» الذي استمر لأكثر من خمس سنوات متتالية..أما أهم أعمالها برنامجي «صباح الخير » و«مساء الخير» أما اهم برنامج أسكنها قلوب أجيال فهو برنامج( عصافير الجنة) وكان البطل بجانبها شخصية «بقلظ» للفنان/سيد عزمى وهى شخصية من عرائس الأطفال كان يقدمها التلفزيون المصري في الثمانيات والتسعينات من القرن الماضى وكان سيد عزمى يقوم بأداء صوت الشخصية ببراعة جعلته محبوبا من الأطفال، ودخلت نجوى المجال السينمائي، وقدمت 12 فيلما وكان أول أفلامها فيلم الأرض إخراج يوسف شاهين وهو أحد أهم الأفلام المصرية على الإطلاق، ثم فيلم فجر الإسلام للمخرج صلاح أبو سيف..والعذاب فوق شفاه تبتسم للمخرج حسن الإمام..وحتى آخر العمر إخراج أشرف فهمي، وفيلم خائفة من شئ ما إخراج يحيى العلمي..والمدمن إخراج يوسف فرنسيس..والسادة المرتشون إخراج علي عبد الخالق..وفيلمين عن حرب أكتوبر منهما الرصاصة لا تزال في جيبي إخراج حسام الدين مصطفى، وقدمت عدد من المسلسلات منها استعراضي للأطفال وهو أجمل الزهور..وعواصف النساء، وقيود من نار، وأستاذ ورئيس قسم، وفي 1998 تولت رئاسة قناة النيل للاسرة والطفل، وعملت في قناة دريم، ومن برامجها الشهيرة «فرح كليب» و«الحياة»، وتعمل حاليًا في برنامج «بيت العائلة»، نجوى إبراهيم عقلية واعية ناضجة، وعندنا سألت عما يضايقها فى المجال الاعلامى قالت: أمران الأول لقب إعلامى، الذى أصبح يوزع فى الأوتوبيس، والثانى التكريمات، فكل شخص يريد منكك شيئًا يقول لك سوف أكرمك، مما أفقد التكريم معناه، والأمران يحتاجان إعادة ضبط لأننا نعيش بسببهما فى فوضى كبيرة، وسألت عن أهم محطة فى مشوارها الإعلامى الطويل قالت: كانت تقديمى لحفل تكريم موسيقار الأجيال الأستاذ محمد عبدالوهاب بقاعة ألبرت هول فى لندن، بحضور فيروز، وقتها شعرت أننى لن أقدم أعظم من هذا الحدث فى مشوارى..هذه السيدة صاحبة التاريخ الحافل بالعطاء يجب أن تقدر، وما منحته هذه السيدة المعطاءة من جرعات الأمل والتفاؤل وحب الخير والحياة يرد لها أضعاف مضاعفة، ولا يكون المقابل إضعاف عزيمتها واجبارها على الحديث عما كانت تخفيه وكانت تجاهد نفسها لتظهر أمامنا فى أبهى صورة، وقرأت لها عبارة من أجمل ما قالت وكأنها توصينا: “أريد أن أقول للناس بشكل عام حافظوا على وقتكم وعلى سنين عمركم، ما تخلوش الوقت يسرقكم، راقبوا عقارب الساعة كويس، وعلّموا أنفسكم وأولادكم الرضا وقتها أشياء كثيرة جدًا ستتغير”..ستظلين ماما نجوى الحبيبة والقريبة من قلوبنا..ونرجو ألا تعيرى هؤلاء السطحيون فارغى العقل أى إهتمام، تفاءلى كعادتك، فالموت لا يحتاج أسباب وكلنا فى معية الله وتحت جناح رحمته.
*أستاذة بأكاديمية الفنون