لا شك أن ما قامت به حركة حماس فى فجر يوم السابع من أكتوبر 2023 كان بمثابة الزلزال الذي هز أركان ليس فقط الكيان الإسرائيلي، بل العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، فقد تجاوزت قوته أعلى معدلات جهاز ريختر لقياس قوة الزلازل. لكن جاء تدمير قطاع غزة بحجم قوة هذا الزلزال وأكثر، ليتم تسوية شمال القطاع أرضًا، من خلال غارات جوية وحشيةـ استخدم فيها الطيران الاسرائيلي أطنانًا من المتفجرات، أسفرت عن استشهاد أكثر من إحدى عشرة ألف ونصف الألف شهيد وإصابات قاربت على الثلاثين ألفًا، بجانب تشريد ونزوح أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، فى مقابل مقتل نحو ألفي إسرائيلي وأسر 250 فردًا ونزوح نحو نصف مليون إسرائيلي من مستوطنات وبلدات منطقة غلاف غزة.
خلال اليوم الأول للحرب نجحت حماس فى الإمساك بزمام الأمور وتكون صاحبة الفعل، وتصبح إسرائيل فى موقف ردة الفعل، حيث نجحت فى المعركة العسكرية بداية من خلال الحفاظ على سرية عملية طوفان الأقصى، وتحقيق عنصر المفاجأة والمباغتة الذي أفقد إسرائيل توازنها مع بداية الحرب، واستخدام أسلحة نوعية غير مسبوق استخدامها فى تاريخ المواجهات العسكرية بين الطرفين، ونجحت فى شن هجوم مكثف بصواريخ القسام على كافة المدن داخل العمق الإسرائيلي، بما فيها ميدنتي القدس وتل أبيب، خلال الأسبوع الأول من الحرب، وبلغ إجمالي الصواريخ خلال الــــ30 يومًا الأولى من الحرب نحو خمسة عشر ألفا صاروخًا. لكن مع بداية التوغل البري فى نهاية الأسبوع الثالث من الحرب، وتزامنا مع الضغط العسكري الجوي الاسرائيلي على القطاع، وسط دعم أمريكي وغربي غير مسبوق بدأت تتراجع إطلاق صواريخ القسام وأصبحت رشقات معدودة.
كان الضغط العسكري الاسرائيلي على قطاع غزة يتزايد يومًا بعد يوم، بعد تصريحات المسئولين الإسرائيليين بضرورة إنهاء تواجد حركة حماس فى قطاع غزة وتصفية قدراتها العسكرية، تزامنًا مع عمليات البحث عن المختطفين الإسرائيلي لديها، وهى المأزق الذى تم محاصرة إسرائيل وحماس معًا فيه، فإسرائيل عملت على تدويل قضية المختطفين لحشد المجتمع الدولى ضد حماس، والأخيرة لم تكن تتوقع أن يكون ردة الفعل الإسرائيلية بهذه العدوانية والقوة التدميرية، وعدم اكتراثها بتحرير المختطفين.
ووسط وقوف عدد كبير من حكومات العالم إلى جانب إسرائيل فى بداية الحرب، جعلت الأخيرة القضاء على حماس فى قطاع غزة هو الهدف الأعلى لها، ورغم إدراكها صعوبة الأمر، رغم تدمير بنيتها التحتية والقضاء على عدد من الأنفاق الورقة الرابحة لديها، إلى جانب تجفيف مصادرها المالية ووضعها على قائمة التنظيمات الإرهابية، حتى تقف فى وسط الميدان بمفردها، لا سيما بعد تخلي إيران وحزب الله عنها، بفتح جبهات مواجهة عسكرية مع إسرائيل لتخفيف حدة الضغط على جبهة غزة، لذا فإن مستقبل حماس داخل القطاع بات مرهونًا بالنتائج التي سوف تسفر عنها الحرب فى نهايتها.
من جانب آخر فإن سيناريو إختفاء حركة حماس عن المشهد المقاومي والسياسي فى قطاع غزة، أو على الأقل تواريها عن المشهد مؤقتًا، ستكون له تداعيات سلبية على محور المقاومة أو الممناعة الذي تري إسرائيل بأن إيران تقوده ضدها فى منطقة الشرق الأوسط، وسيكون الإنعكاس الأكبر على حزب الله.ولكن رغم كل هذا سيظل يوم السابع من أكتوبر علامة فارقة فى تاريخ حركة حماس سيذكرها القاصي والداني سواء بقت الحركة أو لم تبق.
-أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة قناة السويس