يُعَد النمط القيادي سمة متلازمة للبشر على مر العصور، فالجماهير هى دائمًا في حاجة لمن يقودهم ويحميهم ويدافع عنهم، ذلك لأن العلاقة بين القيادة والشعب علاقة قائمة على قانون العرض والطلب مثلها مثل العلاقة التي تحكم التاجر بالمستهلك؛ فالشعب على استعداد أن يبايع من يؤثر فيه على مستوى الوعي واللاوعي من أجل إشباع حاجاته. وفي حالة اشتداد مخاوف الشعب من ضياع حقوقه ومصالحه العامة، سيلمع نجم الزعيم الكاريزمي ويزدهر. وفي ظل نوبات الهلع والخوف؛ سيصاب العقل الشعبي بالشلل التام، ويغيب وعيه. وتتفهم القيادة الكاريزمية هذا الإلحاح الشعبي في المطالبة بتنصيبها لإدارة الأمور، كما يتجاوب القيادي الكاريزمي مع الجماهير ويشجعهم في الكشف عن هذه المخاوف والتخلص منها عبر خطاب مشحون بكل عبارات المكر والدهاء التي تثير انفعالات الجماهير وغرائزها. مما يسفر في نهاية الأمر عن سيطرة سياسية كاملة على الحركة الجماهيرية من أجل السيطرة علي السلطة والنفوذ.
يظهر الزعيم الكاريزمي بوصفه شخصية استثنائية؛ يتحدى المعتقدات والمعاني السائدة التي تحافظ على شرعية النظام السياسي والقانون، هو السند والوتد، هو الذي يسأل ولا يُسْأل وهو الرب الذي يُعبَد، هو مركز الدائرة، وهو النواة التي تتمحور حولها كل الآراء وتدور. أما الجمهور فهو لا يزيد عن كونه قطيعًا لا يستطيع الاستغناء عن سيده. وغالبًا ما يكون الزعيم شخصًا منبهرًا بالفكرة التي تهيمن عليه إلى حد اختفاء كل شيء آخر، إنه - في أغلب الأحوال – لن يكون من رجال الفكر ولا يمكنه أن يكون، وإنما هو من رجال الممارسة العملية؛ وهو يتصف بانعدام الفطنة وقصر النظر، إنه يسعى إلى تعطيل الأسس التحفيزية والمعيارية لبنية مؤسسية وقانونية قائمة قبل استبدالها بهيكل. بمعنى أن الزعيم الكاريزمي يسعى أولًا إلى إحداث ثورة رمزية في القناعات قبل القيام بذلك، ثورة سياسية على مستوى المؤسسات والقوانين. وبهذا يظهر الزعيم الشعبوي الذي يتحدث بما لا يجرؤ الآخرون على طرحه علانية؛ بتجاوزه كل الخطوط الحمراء للتيار السلطوي السائد في المجتمع.
هناك فرق بين الزعامة الكاريزمية (العاطفية) التي تقوم على العلاقة المباشرة التي تتطور بين القائد والأتباع. وبين الزعامة العادية (العقلانية)، ومن المتوقع أن تكون هذه العلاقة غير مباشرة تتم من خلال وسيط بين الطرفين هو المؤسسات غير الشخصية، التي تعتمد على سرديات غير عاطفية وغير مثيرة للوجدان، وتقوم على وظيفة تقويضية قانونية للوضع القائم من خلال نزع الشرعية عنه بشكل منهجي، والتأسيس لنظام سلطة جديد يحل مكانه. وفي المقابل، سنجد أن الزعامة الكاريزمية لها طبيعة شبه تبشيرية، وغالبًا ما تكون حميمة جدًا. وتتميز هذه العلاقات - بشكل عام - بالولاء القوي، وشغفها العاطفي الكبير، وموقفها الأخلاقي السامي، واليقين الداخلي في أن برنامج القائد يتم تقديمه على أنه يبشر بعالَم جديد مشرق. وعندما يتمكن الزعيم من تحريك الجماهير على أساس الجاذبية العاطفية، ولا يتطلب الشرعية التي تمنحه الأصوات، ولا تقوم قيادته على الإكراه أو غرس الخوف في أتباعه، فهذا يُعّد أمرًا خطيرًا لأنه لا توجد طريقة تقليدية للسيطرة عليه. وبذلك تُعَد السيادة الكاريزمية صوفية إلى حد ما، مما يجعلها غير عقلانية، أو ربما حتى غير أخلاقية، حيث يبدو أن الإيمان بالزعيم الكاريزمي سواء كان هذه الزعامة سياسية أو دينية أو ذات أي مضمون آخرمرتبط بفن الإغواء والإقناع.