فى الوقت الذى تتجه فيه أنظار العالم نحو باريس لمدة أسبوعين فى الصيف المقبل فمن الممكن أن يستفيد الجهاديون من هذا الصدى الإعلامى الهائل.. كل ذلك بمثابة صداع حقيقى للشرطة واللجنة المنظمة: كيف يمكن تأمين حدث متعدد المواقع مع توقع وجود مليونى سائح منتشرين فى جميع أنحاء منطقة باريس والمدن الكبرى (نيس، مرسيليا، بوردو، نانت)؟ ومع حفل الافتتاح على طول نهر السين لمسافة تمتد إلى اثنى عشر كيلومترا إلى القرية الأولمبية فى سان دوني؛ فإن احتمالات وقوع عمل إرهابى كبيرة للأسف. وأعلن عالم الجريمة آلان باور فى قناة فرنسا ٥ عن هذه المخاطر قائلا إن "حفل افتتاح الألعاب الأولمبية فى باريس هو جنون إجرامي"، مضيفًا أنه "لا يوجد شيء من وجهة نظر الأمن والسلامة للرياضيين والمنظمين والجمهور إلا وهو عرضة لعمل الارهاب".
وفى الحقيقة، إن الجهاديين من تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية، لديهم من الأسباب لمهاجمة فرنسا.. دعونا نستعرض سلسلة المظالم التى ينهالون بها على فرنسا:
أولًا: فرنسا هى "أرض واقعة الرسوم الكاريكاتورية" التى فجرت الغضب لدى المسلمين حيث أوضح الرئيس ماكرون خلال خطابه الذى أشاد فيه بصموئيل باتي، قائلا: "سنواصل يا أستاذ.. سندافع عن الحرية التى علمتمونها وسنتمسك بالعلمانية ولن نتخلى عن الرسوم الكاريكاتورية حتى لو تراجع الآخرون” (خطاب فى جامعة السوربون، ٢١ أكتوبر ٢٠٢٠). وطبقا لما هو مدرج فى الشريعة الإسلامية السنية التى تُباع فى المكتبات الإسلامية (رسالة الرسالة لابن أبى زيد القيروانى بشكل خاص)؛ يُعاقب من يقوم بالإساءة للنبى بالإعدام.
ثانيًا: تعتبر فرنسا فى طليعة الدول التى تكافح الحركات الجهادية؛ وبين عامى ٢٠١٤ و٢٠٢٣ كانت عملية برخان تهدف لتصفية ٢٨٠٠ جهادى من بينهم القادة: عبد المالك دروكدال من تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى وعدنان وليد الصحراوى من تنظيم الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى.. ويقوم الجهاديون بالتجنيد والتوسع أكثر فأكثر فى مالي، حيث يزدهرون، ويجهزون حملاتهم نحو الشرق إلى النيجر، وكذلك ضرب بوركينا فاسو وتوجو. وفى تشاد، فإن بوكو حرام هى التى تشكل المشكلة، فى حين يستعيد تنظيم الدولة الإسلامية قوته فى شبه الجزيرة العربية وتحلم العديد من المجموعات المختلفة بتسليط الضوء على وسائل الإعلام لتمييز نفسها عن بعضها البعض. وتتزايد المشاعر المعادية للفرنسيين فى بعض البلدان الأفريقية، ويمكن أن يكون رعاياهم فى فرنسا أرض خصبة للتجنيد وتتنفيذ بعض الخطط.. كما أنه من السهل للغاية لهذه الفئات أن تنفذ الكثير من الخطط بسبب توغلهم بين ثنايا المهاجرين وتقوم بإيقاظ الخلايا النائمة الموجودة بالفعل فى أوروبا و"إخفاء" هذه العناصر، بين أكثر من ٤٠٠ ألف شخص سواء يدخلون بطريقة شرعية أو غير شرعية إلى فرنسا كل عام.
ثالثا: لن تمر قضية منع ارتداء الزى الإسلامى والنقاب بسهولة بالنسبة للكثير من المسلمين خاصة بين السلفيين الذين يرتدون هذه العباءة وتابعنا الآلاف من ردود الفعل على شبكات التواصل الاجتماعى التى ظهرت بفرنسا بسب تعنتها. كما يُنظر إلى الشكل الجمهورى للنظام على أنه آلة لإنكار الممارسات الإسلامية منذ صدور قانون الرموز الدينية فى المدارس عام ٢٠٠٤، والذى تعرض لانتقادات شديدة من قبل العشرات من خطباء جماعة الإخوان المسلمين العاملين فى المساجد الفرنسية؛ ففى عقيدة الإخوان تعتبر معارضة ازدهار الإسلام سببًا للحرب.
رابعًا: أظهرت فرنسا ضعفها الأمنى خلال أعمال الشغب التى أعقبت مقتل السائق نائل حيث تمت مهاجمة وتحطيم ٢٦١ مركزًا للشرطة دون رد قوى مما أعطى أجنحة لآلاف الأفراد الذين يعملون علي إذلال فرنسا و"حرقها".. ونرى هنا أن قادة الرأى فى "مجرة الإخوان" قاموا بدعم مثيرى الشغب على شبكات التواصل الاجتماعى وعلينا تخصيص مقال يكشف ما قاموا به من أفعال فى هذا السياق. وأظهرت حادثة مباراة ليفربول وريال مدريد التى أقيمت فى فرنسا عجز الشرطة الحقيقي.. وإذا عجزت الشرطة عن تأمين مباراة كهذه؛ فماذا ستفعل فى الصيف المقبل؟
خامسًا: لا شك أن الحرب الضروس التى تجرى حاليا بين حماس وإسرائيل لها بالفعل تداعيات على أراضينا، حيث تم تهديد اليهود بالقتل فى الحافلات وقطارات الأنفاق وفى الشوارع (تم تسجيل العديد من الحالات فى الأيام الأولى التى تلت ٧ أكتوبر). لقد دافع العديد من الأئمة والخطباء فى المساجد العريقة عن حماس دائمًا. وترفع البلديات الفرنسية الكبرى العلم الإسرائيلى تضامنا مع المدنيين الإسرائيليين الذين قُتلوا الأمر الذى يزيد من إثارة الإسلاميين الفرنسيين الذين يعتبرون ذلك دعما غير مشروط لحكومة نتنياهو التى تستخدم أساليب متطرفة مثل حرمان سكان غزة البالغ عددهم مليونى نسمة من الكهرباء والماء والقوافل الإنسانية وهؤلاء ليسوا جميعًا من الإرهابيين المحتملين ولكنهم يقصفون بلا مبالاة المناطق المكتظة بالسكان.. كل ذلك يغذى الرغبة فى الانتقام عند الإسلاميين الأوروبيين. ويعد برج إيفل المضاء بالعلم الإسرائيلى رمزا قويا ومعلما للناشطين الذين بدأ بعضهم بالفعل يصورون أنفسهم على "تيك توك" وينشرون فيديوهات لهم وهم يرفعون بنادق الكلاشينكوف احتجاجا على ذلك.
ولا ننسى أيضا أن الأهداف اليهودية كثيرة حيث سيتم حماية ٥٠٠ معبد يهودى بالإضافة إلى المواقع الأولمبية ومنازل السياسيين ورؤساء البلديات والصحفيين الخاضعة للحماية بالفعل فى شهر أكتوبر.. فهل يمكننا الاعتماد على شركات الأمن الخاصة؟ وفى الحقيقة، تجنيدهم اقل من المستوى المطلوب مثلما رأينا خلال مباريات كرة القدم الأخيرة وأفرادهم غير مسلحين.. مع العلم أن العدالة تعطى دائمًا قرينة الذنب لضباط الشرطة الذين يستخدمون القوة ضد المنحرفين.. لقد كتبت فى سبتمبر ٢٠١٤ دراسة استطلاعية لمعهد ويكيسترات وتوقعت أن هجومًا إرهابيًا واسع النطاق سوف يحدث فى فرنسا فى النصف الأول من عام ٢٠١٥.. آمل أن أكون مخطئًا ولكن الخطر سيكون أعظم فى الصيف المقبل.
السيناريوهات المحتملة؟ هجمات على المركبات الثابتة تتسبب فى اختناقات مرورية ضخمة فى إيل دو فرانس.. هجوم مسلح على فنادق الفرق الدولية وأماكن تقديم الطعام ومخارج الاستادات.. دخول غير قابل للمراقبة والرصد لجهاديين "منخفضى التكلفة" والمسلحين بالسكاكين فى مترو الأنفاق والمتاجر والمطاعم والمواقع السياحية.. لم يبق أمامنا سوى أشهر قليلة لنعرف ما إذا كانت وزارة الداخلية جاهزة لهذا الحدث وما إذا كانت تمكنت من فرض شروطها الأمنية على المنظمين الذين يبدو أنهم يسيطرون فى عالم آخر!.
يواكيم فيليوكاس: باحث فرنسى مستقل.. فى عام 2006 نشر أول دراسة له عن "أسلمة فرنسا" حيث قام بتحليل الجمعيات والاتجاهات الإسلامية التى تتطور فى فرنسا. وفى عام 2007 أسس "مرصد الأسلمة".. وفى عام 2010، تناولت دراسته الثانية، "هؤلاء العمد الذين يحاكمون الإسلام السياسي" العلاقات بين السياسيين والجمعيات الإسلامية، ولا سيما التمويل العام الذى تحصل عليه هذه الجمعيات من خلال الرعاية الانتخابية.. يكتب مجددًا عن المخاطر الإرهابية المحتملة أثناء دورة الألعاب الأوليمبية التى تقام، العام المقبل، فى عدة مدن فرنسية.