الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حارة فرعون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إن كنت من سكان حارة فرعون فليس بجديد عليك ما سأقول، وإن كنت من سكان حارات أخرى أو من الزائرين فثمة أشياء كثيرة كانت تجذبك لأنك لست من المقيمين: "حوض الماء الكبير.. اختلاف أشكال الأبنية.. المقاهي والمقابر.. وبائعي الورد والسميط.. والقيم والعادات وصور الذكريات.. والمجاذيب والتكيات والعشرة الدائمة مع مسببات وأسباب الفقر حتى صار بينه وبين سكان الحارة صداقات وأنساب كفت لسنوات مخالبة عنهم فلا هو يقتلهم ولا هم يقتلون أولادهم خشية إملاق، وكأنهم أقاموا فيما بينهم وبينه اتفاقا ووضعوا بنودا وحدودا للستر لا يتخطاه هو ولا هم".

في حارة فرعون ثمة صداقات عدة للمتضادات ففي نفس البيت تجد الفرح والشجون.. الحركة والسكون.. العقل والجنون، شئ واحد رفض النقيض وجار على حسبة جوار التضاد وصفد أوابده، إنه السجن.. في كل مكان، سجن حتى داخل نفوس أهل الحارة.. سجن يضيق ويتسع حسب الحالة المزاجية لشيخ للحارة لكنه لا يزول.

في كل مرة يموت فيها شيخ الحارة يتنفس أهلها الصعداء، ويخرجون ليلقون بعباءة الليل السوداء وحذائه المدجج بالرصاص ونبوته المطعم بالقهر في البحر، ويجلسون على شاطئ الحلم منتظرين الصبح.

مع أول ضوء يعود شيخ الحارة بوجه آخر، لكن بنفس العباءة والحذاء والنبوت، يدهس حلمهم الأخضر ليعبر، يكسر كل المصابيح ويخرص أصوات التسابيح ويعاقب المجاذيب لأنهم فرحوا حين مات وظنوا أنه لن يعود، وها هو قد عاد ليقطف سنوات عمرهم من على الجدران ويعيد ترتيب الأرقام، وينقض عهدهم مع الفقر ويمحو بنود وعقود الستر.

في حارة فرعون لا فرق الآن بين الحياة والموت، فقد ضاع ترتيب الحروف، فالجميع يلقي في بركة الأمل الميتة حجر النرد ومن يكسب يشرب الوهم أنه يعيش.. تعود الداء على طعم الدواء فبات العلاج بلا مفعول.

صمت كل شئ ورفعت أقلام الحكايات وجفت صحفها، ولم يبق سوى إعادة مضغ ما كان كعلقة ذاب سكرها ولم يبق غير مرها..
فيا أيها الزائر لم يبق من حارة فرعون غير اسمها وشيخها الفرعون.. مات فيها كل شئ إلا هو لا يموت.