مع تصاعد الأحداث الأخيرة في غزة وارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين كل دقيقة، عاد الجدل حول قضية سرقة قوات الاحتلال الإسرائيلي لجلد الشهداء وأعضائهم. وخلال البحث والتنقيب، جمعت بعض المصادر التي وثقت تلك الانتهاكات التي ترتكبها تلك الدولة التي يتباهى دعاة حقوق الإنسان بإنجازاتها!
هناك سبب سياسي على ما يبدو لعودة الحديث عن "جرائم" بنك الجلد، حيث تشير بعض المعلومات الشحيحة إلى المفاوضات الجارية حاليا بشأن ملف الأسرى الفلسطينيين، وتشمل الأحياء منهم والرفات، في مقابل الإفراج عن الأسرى لدى المقاومة، ومنهم عدد من الأجانب والإسرائيليين مزدوجي الجنسية المنتمين لثلاثين جنسية بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال". ورجح موقع راديو كندا بالفرنسية أن الاحتلال غير قادر على تسليم رفات الفلسطينيين لوجود شكوك حول "سرقة جلودهم" وأعضائهم!
وتحدثت تقارير في وسائل إعلام هندية نقلا عن مراسليها عن حاجة جيش الاحتلال الآن لعلاج إصابات كثيرة بين جنوده خلال عملية طوفان الأقصى، خاصة الحروق الجلدية، منوهة لامتلاكه أحدث التقنيات لذلك. فيما أشارت بعض التقارير إلى تاريخ ظهور فكرة إنشاء بنك الجلد الإسرائيلي بعد حرب 1973 على خلفية الحاجة الماسة آنذاك لعلاج إصابات الجنود بحروق أثناء المعارك. وتشرح التحديات التي واجهت جيش الاحتلال لإنشاء البنك وتأخره اثني عشر عامًا، لحين صدور فتوى من الحاخامات عام 1985 بالسماح بالتبرع بالأعضاء، خلافا لما كان سائدا بسبب الاعتقاد بتحريم الديانة اليهودية لذلك. وبحثت عن تلك الفتوى فلم أجد ما يفيد السماح بسرقة الجلد من الأسرى؛ لكن كل شيء يجوز في دولة الاحتلال التي سرقت الأرض من أصحابها؛ فكيف لا تجرأ على سرقة أعضائهم؟!
دعونا أولًا نرى ما هو بنك الجلد؟
هو عبارة عن نظام تخزين عينات من الجلد البشري يتم استخدامها في عمليات ترقيع أو زراعة جلد في حالة وجود إصابات نتيجة حروق أو تشوهات في الجلد. ويتبع مباشرة جيش الاحتلال وعلى الرغم من السرية غير العادية التي يتمتع بها هذا المكان، إلا أن وسائل إعلام إسرائيلية كشفت معلومات عنه عدة مرات، في إطار تصفية الحسابات الداخلية على ما يبدو. عثرت على تقرير يشير إلى الخلافات داخل الكيان المحتل والمحيطة بـ"حصاد الأعضاء" والتي يرجح أنها وراء تفجير هذا الملف السري بين الحين والآخر. تفجير الخلافات بين "تجار الأعضاء البشرية" يعود إلى العام 1999 عندما اعترف رئيس معهد الطب العدلي الإسرائيلي السابق، يهودا هيس، أنه تم انتزاع أعضاء بشرية وأنسجة وجلد من جثامين الشهداء الفلسطينيين، دون علم أو موافقة ذويهم في الفترة بين 1987 و1990 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وبالعودة إلى يهودا هيس نفسه، وجدت حوارا له مع باحثة أمريكية تدعى "نانسي شيبر هوج" أجرته لغرض الأبحاث فقط عام 2000، لكنها قررت أن تبثه للجمهور عبر راديو كندا وذلك على إثر صدور مقال "دونالد بروستوم" في صحيفة سويدية عام 2001 حيث فضح جنود الاحتلال وكيف "يقتلون فلسطينيين للتجارة الدولية بأعضائهم"!
ظهور يهودا هيس تكرر مرة مع القناة الثانية عشر وأخرى مع القناة الثانية الإسرائيلية، في 2009 ثم 2015، حيث قدّم "هيس" شهادته من جديد حول تورط معهد الطب العدلي في سرقة أعضاء من جثامين الفلسطينيين الذين تحتجزهم دولة الاحتلال. لكنه ادعي أن "إسرائيل تعترف بهذه الممارسات التي انتهت منها منذ سنوات". وقبل ذلك بحوالي عام، بثت القناة العاشرة الإسرائيلية تحقيقا تضمّن لقاءً مع مديرة بنك الجلد آنذاك حول وجود احتياطي من الجلد البشري يصل إلى 170 مترًا مربعًا.
هذا الرقم الضخم للاحتياطي يجعل دولة الاحتلال في الترتيب الأول عالميا، قبل حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي سبقتها بأربعين عاما في إنشاء بنك الجلد، مع الفرق الكبير بينهما في عدد السكان والمتبرعين. وإذا لم يكن الإسرائيليون حريصين على التبرع، فكيف انتهى بهم الأمر إلى إنشاء أكبر بنك للجلد في العالم، بالنظر لحداثة إنشائه وكذلك امتناع اليهود عن التبرع بالأعضاء لاعتقادهم أن الديانة اليهودية تحرم ذلك؟!
وبالبحث في أرشيف الكتب على "جوجل" حول هذه القضية، وجدت كتابًا بعنوان "على جثثهم الميتة" وهو شهادة من عالِمة في الانثروبولوجيا، هي مئيرة فايس، سجلتها في لحظة نادرة لصحوة الضمير على ما يبدو، وكشفت سرقة أعضاء جثامين الشهداء الفلسطينيين لزرعها للمرضى الاسرائيليين وإجراء أبحاث عليها في كليات الطب العبرية. وذكرت مئيرة أنها شاهدت بنفسها داخل معهد الطب العدلي حيث كانت تعمل سابقًا كيف كانوا يأخذون من جسد شاب فلسطيني جلد وقرنية وصمامات قلب وأن هذا المعهد كان يزود بنك الجلد بأعضاء بشرية من فلسطينيين في البداية ثم توسع بين مهاجرين جدد وعمال أجانب. كشفت مئيرة أيضا أن الجلد يتم أخذه من الظهر حتى لا يُلاحَظ ذلك. أما القرنية فبعد سرقتها يضعون مكانها قرنية بلاستيكية للتضليل.
جمعية الأسرى الفلسطينيين من جانبها قادت العديد من الحملات ضد هذه الانتهاكات، وطالبت باسترجاع أكثر من 373 جثمانًا تحتجزهم قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات. وتتوزع هذه الجثث، بحسب "الحملة الوطنية لانتشالها"، بين 117 جثة تحتجزها إسرائيل في ثلاجاتها، إضافة إلى 256 جثة مدفونة في مقابر جماعية تحت رقم معين يرمز إلى ملف الشهيد لدى سلطات الاحتلال. ورغم كل هذه الجرائم الشنيعة، ماتزال دولة الاحتلال بعيدة عن المحاسبة القانونية!
*كاتبة صحفية متخصصة فى الشؤون الدولية