خلف «خفرع» على عرش مصر الفرعون «منكاورع»، والذي بقي على أريكة الملك أكثر من عشرين عامًا، ويرجح بعض الأثريون أنه ابن خفرع. وترك له والده المشاحنات التي قامت بينه وبين أسرة «ددف رع».
ويظن أن «منكاورع» هو الذي أكمل مقابر أسرة والده، ومقبرة والدته «خع مرر نبتي» في الصخرة الواقعة في الجنوب الشرقي للهرم الثاني.
وكان «منكاورع» يعرف في الأزمان التي تلت عهده بأنه رجل تقي، وكان يُحترَم ويُقدَّس كحكيم من الحكماء في عصر الرعامسة.
ولما استتب له الأمر، أخذ «خفرع» في الاستعداد لبناء هرمه الصغير بالنسبة لهرمي خوفو وخفرع؛ غير أنه وضع تصميمه على أن يكسى بجرانيت أسوان الأحمر بدلًا من الحجر السلطاني الأبيض الذي كان يجلب من طرة، ومع ذلك "فقد كانت تكاليفه أقل بكثير من تكاليف أهرام أسلافه"، كما يذكر الأثري الراحل سليم حسن.
غير أنه أثناء قيام هذا العمل مات «منكاورع» فجأة، وكان الهرم في تلك اللحظة قد كسي إلى نحو الثلث، ومعبده الجنائزي قد كسي جزء منه من الخارج، وكذلك حجرة القرابين فقد كسيت بالجرانيت الأحمر والأسود.
أما معبد الوادي فإنه لم يتم في عهده، وأتمه من بعده «شبسكاف» بالحجر اللَّبِن، ووضع في المعبد كل أدواته من تماثيل وأوانٍ، غير أن بعضها كان غير تام.
هرم «منكاورع»
تذكر موسوعة مصر القديمة "الجزء الأول: في عصر ما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي" في الفصل الخامس عشر، الذي يتناول عصر بناة الأهرام من الأسرة الرابعة أن الحجارة الداخلية في هذا الهرم تدل على حصول تغيير في تصميمها أثناء سير العمل.
تقول الموسوعة: دخل اللصوص هذا الهرم عام 1226 ميلادية وقد وجدوا تابوته خاليًا. ووجدوا في هذا التابوت -لا بُدَّ أن يكون تابوتًا آخر- بعد أن كسروا غطاءه، بقايا جسم إنسان من غير حلي ما، اللهم إلا بعض ألواح ذهبية مكتوبة بحروف لا تفهم.
وفي عام 1837 دخل الكولونيل «هاوردفيس» حجر هذا الهرم، فوجد في الحجرة العليا قطعًا من تابوت خشبي تعزى إلى «ملك الشمال والجنوب منكاورع حيًّا إلى الأبد» ومعه بقايا إنسان ملفوف في ثوب من الصوف الخشن لونه أصفر، وقد وجد كذلك في الحجرة السفلى تابوت من البازلت، وهو الذي خيب آمال لصوص سنة 1226.
وقد نقل التابوت وبقايا الجسم إلى المتحف البريطاني، أما التابوت البازلتي فقد تم شحنه إلى إنجلترا، ولكن السفينة غرقت به في «لجهورن» في 12 أكتوبر سنة 1838، ولا يزال في قعر البحر إلى الآن.
وتضيف: قد كشفت لنا حفائر في معبد الوادي ﻟ «منكاورع» عن نفائس فنية ودينية، وهذه المجموعة تعد أنفس مجموعة وجدت في الدولة القديمة من الأسرة الرابعة.
ومن بين قطع المجموعة، مجاميع إلهات المقاطعات، وكذلك تمثالان ﻟ «منكاورع» وزوجته في قطعة واحدة بالحجم الطبيعي تقريبًا من الجرانيت، وهما يعدان أجمل قطع في الفن المصري في هذا العصر.
عصر «منكاورع»
كانت أهم وثيقة وصلت إلينا من عهد «منكاورع» هي التي عثر عليها في مقبرة أحد كبار موظفيه المسمى «دبحن» وفيها يقص هذا الموظف الكبير كيف أن مولاه قدم له خمسين عاملًا لبناء مقبرة خادمه الأمين، وهذه المنحة وإن كانت تعتبر في أعيننا شيئًا قليلًا لكنها أكبر خدمة يقدمها الملك إلى رجل خدمه بصدق وأمانة.
وقد تعطف عليه «منكاورع» بذلك حينما كان على الطريق التي بجانب هرم «حر» يتفقد حال العمل في هرمه المسمى «المقدس» وهو اسم الهرم الثالث.
ويشير سليم حسن إلى أن هرم «حر» لا بد أن يكون هرمًا آخر له علاقة ﺑ «منكاورع» من جهة ما، وقد ظن البعض أن «منكاورع» كان له هرمان كبعض أسلافه مثل «سنفرو»، وهذا غير مطابق للواقع.
يقول: الحقيقة أن هرم «حر» هو هرم ابنته «خنت كاوس»، وفعلًا عثرنا على الطريق التي تربط الهرمين ببعضهما، وقد كشف منه جزء. وقد سمي هرمها «حر»؛ أي العالمي من مسميات الأضداد؛ إذ الواقع أن هرم الملكة «خنت كاوس» في منخفض، وسنتكلم عليه فيما بعد.
ومن الطريف أنه جاء في نقوش «دبحن» هذا أن الملك أمر بإحضار بابين وهميين من الحجر، وكذلك كتلتين لواجهة المقبرة، وتمثال بالحجم الطبيعي لتقام في مقبرته.
وقد وجدت كل هذه الهدايا التي أمر بها الملك في مقبرة «دبحن» عند الكشف عنها في عام 1934، غير أن التمثال لم يوجد منه إلا بقايا مهشمة؛ وفي عهده أرسل ابنه «حر ددف» ليفحص المعابد المصرية.