التاريخ يعيد نفسه.. بعد نكسة حرب ٥ يونيو سنة ١٩٦٧، انعقدت القمة العربية في الخرطوم يوم ٢٩ أغسطس، وخرجت باللاءات الثلاثة: "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض" مع إسرائيل قبل أن يعود الحق العربي إلى أصحابه. ويوم السبت الموافق ١١ نوفمبر ٢٠٢٣، وبعد ٣٥ يومًا من الهجوم البربري والعقاب الجماعي والتطهير العرقي الذي مارسته قوات الاحتلال الإسرائيلي تجاه أهل غزة، وبدعم كامل من الدول الغربية، انعقدت القمة العربية - الاسلامية في الرياض. القمة خرجت أيضا بثلاث لاءات وهي: لا للتطهير العرقي، ولا للتهجير القسري لسكان غزة ولا للمعايير المزدوجة من الغرب. وجاءت القمة بثلاث توصيات هامه وهي: الملاحقة القانونية لمجرمي الحرب علي غزة، والتمسك بالسلام العادل كخيار استراتيجي للدول العربية، ودعم مصر في موقفها الداعم للقضية الفلسطينية.
كانت قمة الخرطوم سنة ١٩٦٧، حدثًا هاما في دعم بلدان الطوق (مصر وسوريا والأردن) بعد الهزيمة (النكسة) المذلة التي لحقت بالجيوش العربية، وأدت الي احتلال سيناء في مصر، والجولان في سوريا والضفة الغربية وقطاع غزة في فلسطين، وضم القدس الشرقية لإسرائيل.. مؤتمر الخرطوم خرجت منه قرارات حاسمة، ودعمًا سياسيًا واقتصاديًا لدول المواجهة، وأدت إلى دخول مصر في حرب الاستنزاف، والتي كبدت إسرائيل خسائر فادحة، بدأت بإغراق أكبر قطعة بحرية إسرائيلية (المدمرة إيلات) في ٢١ اكتوبر ٦٧، وانتهت بحرب التحرير المجيدة في ٦ أكتوبر سنة ١٩٧٣.
أما قمة الرياض يوم ١١ نوفمبر ٢٠٢٣، فجاءت بعد أن طفح الكيل بما فعلته إسرائيل في قطاع غزة، والذي أعاد إلى الأذهان هجوم التتار الوحشي، من قتل وترويع وهدم المباني والمدارس والمستشفيات. تم الإعداد الجيد والتخطيط المحكم لهذه القمة، وكانت استراتيجية جيدة أن تنعقد القمة العربية مع القمة الإسلامية، حيث أضافت القمة بُعدا آخر للصراع العربي الاسرائيلي، بإعتباره صراعًا يشمل الدول الاسلامية. شهدت القمة حضورًا مميزًا من القادة والرؤساء، واظهرت كلمات الوفود، مواقف قوية من بلدان مؤثرة في المنطقة. وكلمات جريئة من بلدان ليس لها علاقة بالصراع مثل ماليزيا وإندونيسا وإجماع عربي واسلامي غير مسبوق على دعم الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة، ودعم مصر، البلد الذي تحمل هموم القضية الفلسطينية منذ بدايتها وحتى اليوم.
انتهت القمة ببيان قوي حيث قررت كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وإدخال مساعدات إنسانية، ودعوة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في انتهاكات إسرائيل بحق المدنيين في غزة.
وجاءت كلمة مصر علي لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤثرة وواضحة. ولأول مرة منذ عدة عقود، تستخدم مصر لغة قوية تشمل التهديد باستخدام القوة المسلحة، وتحذر من امتداد الحرب إلى دول الجوار. وجاء في البيان الختامي بنودًا تدعم مصر في مواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي على غزة. كما أشار البيان إلى ازدواجية المعايير التي تنتهجها الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة، وفشل مجلس الأمن بوقف العدوان بسبب الفيتو الاميركي. ومن وجهة نظري، فإن أهم ماجاء في البيان كان الرفض الكامل لأي محاولات للترحيل القسري، للشعب الفلسطيني، سواء داخل الارض المحتلة أو خارجها. هذا الموقف كان ضروريًا لإجهاض محاولات اسرائيل ترحيل الفلسطينين قسرًا إلى سيناء.
د.السعيد عبد الهادى: رئيس جامعة حورس