وفقًا لمفهوم «الإرادة العامة» فإن الشعب هو مصدر تلك الإرادة الصادرة عن الشعور بالاشتراك في حياة اجتماعية واقتصادية وسياسية واحدة. معنى ذلك إن «الإرادة العامة» هي المظهر الوحيد للسيادة التي لا تكون سوى للشعب. لقد نال مفهوم «الإرادة العامة» قدرًا كبيرًا من اهتمام «جان جاك روسو»؛ الفيلسوف الفرنسي الذى برز في عصر التّنوير، وكانت أفكاره ونظريّاته في التعليم والدين مؤثّرة ومثيرة للجدل، وقد كانت لجان جاك روسو مساهمات فيما يتعلق بمفهوم «الإرادة العامة». صحيح أنه لم يخترع هذا المفهوم؛ لكنه صنع تاريخه من خلال اعطائه مكان مركزي في فلسفته السياسية والأخلاقية؛ لقد أكد روسو أن «الإرادة العامة» دائمًا ما تكون على حق، إنها تنبثق من إرادة الفرد بوصفه مواطنًا عندما يفكر في الصالح العام، وليست الإرادة الخاصة التي تقودنا إلى الأنانية وحب الذات؛ بل تهدف إلى تحقيق السعادة العامة.
لقد ذهب روسو إلى أن تشريع القوانين يأتي وفقًا للمصالح العامة التي تنبعث من الشعب، أما القرارات التي تصدر عن بعض الدوائر الحكومية، فلا تعدو كونها وسيلة من وسائل تطبيق الأوامر التي يصدرها الشعب صاحب الحق في سن القوانين. وبهذه «الإرادة العامة» يستطيع الشعب أن يحمي نفسه من أطماع الإرادات الخاصة، من خلال الخضوع للقوانين التي تجسد حرية المواطن. فالقوانين الشرعية وحدها التي تعبر عن «الإرادة العامة»، وهى تمثل الشعب، إذ يصبح الشعب صاحب السيادة. ويرتبط هذا الفهم ارتباطًا وثيقًا بحق الشعب بوصفه تعبيرًا عن أغلبية اجتماعية متجانسة يتخذ مظهرًا ديمقراطيًا يقوم على المصالح المشتركة والمعايير الأخلاقية. إن إرادة الشعب تعلو على كل المعايير الأخرى، وهذه الإرادة هي فوق معايير المؤسسات التقليدية وتسمو فوق كافة المؤسسات المستقلة، وتتجاوز طموحات الطبقات الأخرى.
وعلى الرغم من أن «الإرادة العامة» تهدف إلى تحقيق الخير المشترك، فإنها تحقق طغيان الأغلبية على حساب الأقلية، وتلغي السياسة التعددية التي تتلخص في تنافس عادل ونزيه بين تصورات للخير العام. ومن ثَمَّ فإن سلطة «الإرادة العامة» هي إجبار الجميع على الانصياع لما تتفق عليه الأغلبية، فما تراه الأغلبية حقًا فهو حَقٌ، وما تراه باطلًا فهو باطلٌ. وبهذا تخلق «الإرادة العامة» نسخ اُحادية متشابهة من المواطنين؛ ولا يمكن أن يتحقق هذا التجانس الشعبي إلا بتحديد من لا ينتمي إلى هذا الشعب ومعاملته معاملة دونية بصفته خائنًا ويجب تصفيته؛ لذلك لا مكان لمن هو خارج الكتلة البشرية المتجانسة. ومن ثمَّ تكون حقوق الأقليات بلا حماية على الإطلاق. فكيف يمكن السيطرة على إرادة الأغلبية حتى لا تفرض استبدادها على الأقليات؟ من يمكنه القيام بذلك؟!. «ليس هناك خطر على الإنسانية أكبر من هؤلاء الذين يدعون أنهم أهل الصلاح والعدل، فى حين أنهم أبعد ما يكونون عن التحلي بالأخلاق الفاضلة» كما أكد نيتشه.
اعتقد البعض أن «الإرادة العامة» تُؤسس على سياسة الفطرة السليمة للبشر، وفقًا للأولويات الصادقة والمنطقية للأشخاص العاديين، ويرون أن الحس العام، أى القدرة الفطرية القادرة على التمييز بين الصواب والخطأ، يعني أن «الإرادة العامة» محددة مسبقًا. وأن أي شخص يعارض الفطرة السليمة هو جزء من النخب الفاسدة. إن هذا التصور يقوم على تحديد العدو المشترك. وبناءً على ذلك ستُستخدم «الإرادة العامة» من منطق خطابي وليس أيديولوجيًا ولا حزبيًّا يمكن من ذلك صوغ موضوع ذى هوية قوية، وهي هوية «الشعب». إن فكرة احتكار تمثيل الشعب، وإقصاء الخصم، قد يؤدي إلى الانزلاق إلى الفاشية.