الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نقطة واحدة في بيان السيسي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى بيانه/ البشارة الذى أعلن اعتزامه الترشح لرئاسة الجمهورية، لمس السيد عبد الفتاح السيسى مشاعر مواطنيه وشرح الحالة المصرية على نحو شفاف وواقعى لا يخلو – رغم قتامته – من أمل وتحريض على الشغل، ووعد باستعادة الأمن والاستقرار.
وكان البيان/ البشارة (الذى انتظره الناس طويلاً) محلا لتعليقات الجميع الذين شعروا بأن كلمات السيسى مضت بهم خطوة فى الطريق إلى تعميد بطلهم الشعبى المحبوب رئيساً للبلاد، فانطلقوا إلى استعادة واستزادة وتحليل وتفسير عباراته وكلماته وكأنها بعضا من السير الشعبية التى لطالما هيمنت على وجداناتهم وأخذتهم – مسحورين - إلى عوالم الحلم، وعلى أية حال كان ذلك الخطاب – المفعم بالأفكار والمشاعر – يحوى شيئا عن (الحلم) كذلك.
ومن هنا لن أعيد إنتاج ما اجتهد الضمير الشعبى فى صياغته وصناعته عن ذلك الخطاب، وإنما سأضع تركيزى على نقطة واحدة أراها جمعت فى قلبها وعلى حوافها وتخومها ما يمكن الحديث عنه بوصفه (عقدة) اللحظة الراهنة، واعني به تدعيم الاستقلال الوطنى، وإعادة الاعتبار لكبرياء هذا البلد، وقد أوجز السيد عبدالفتاح السيسى ذلك المعنى فى عبارة تحذيرية زاجرة قال فيها أن مصر ليست ملعبا لأى طرف داخلى أو اقليمى أو دولى، وأن الاستهتار بمصر لن يمر – من الآن فصاعدا – من دون عواقب.
إذ كانت الحالة الناجمة عن الاختراقات المخابراتية والسياسية والإعلامية المتواصلة التى استبقت عملية يناير 2011 وتلتها، واحدة من أكثر عناصر تلك العملية ضغطا على الوجدان الشعبى، وإهانة لتصور المصريين عن أنفسهم وعن بلدهم.
كنا نشعر إزاء تلك الحالة التى قامت دول مؤامرة 2011 بتصنيعها أننا شعب تحت احتلال مجموعة من العملاء والجواسيس الذين اكتظت بهم محافل جماعات النشطاء ومجالس الحكماء، والائتلافات الثورية والمجالس التنفيذية الثورية، وان أولئك صاغوا من أنفسهم طبقة حاكمة، أو اوليجاركية ومجموعة مصالح مسيطرة اختطفت الوطن لصالح دول أخرى صارت تحرك الأحداث فى بلدنا كما تشاء، وبات عملاؤها سلطة فوق أى سلطة فى البلاد، يملون على جهاز الحكم مصادقاتهم أو رفضهم لأسماء معينة مقترح تعيينها فى مجلس الوزراء، ويقررون من الذين ينبغى على المسئولين الامتناع عن مقابلتهم، ومن يجب حرمانهم أو إقصاؤهم أو حصارهم أو نفيهم أو خنقهم.
أهين شعب عزيز عاش عمره كله يدفع فواتير باهظة لتحقيق استقلالية قراره الوطنى، فإذا به – فى لحظة – يفقد كل شيء على ايادى الخونة، ويعود دولة يستعمرها الآخرون عن بعد.
كنا نرى بأمهات عيوننا أرادات قطر وتركيا وحماس والولايات المتحدة تفرض علينا ما لا نريد أو نبتغى، وكنا نشهد عمليات كسر الإرادة الشعبية المصرية وقهر مواطنى هذا البلد بتفكيك المؤسسات وتزوير الانتخابات وتعذيب الناس وقتلهم، وبالهرولة إلى "فيرمونت" للتحالف مع الإرهاب والتهتك والابتذال تحت قدميه مع هز الصدر أحيانا وترقيص الحواجب أحيانا أخرى.
كنا نبكى دما ونحن نرى ذكريات الاستقلال الوطنى تتآكل تحت وطأة خيانة النشطاء والحكماء والائتلافات، ومن يدعون أنهم الثوار فيما حركة الشعب الحقيقية كانت انفجارا اجتماعيا بعيدا تماما عن هؤلاء الذين حولوا مشروع التغيير إلى مشروع تجارى أصبح أولئك الجواسيس – بمقتضاه – صحفيين يكتبون فى الصحف الخاصة ومذيعين ومعدين فى التليفزيونات التجارية، لا بل وقاموا بعمليات إبرار مظلى على عدد من دور الصحف القومية والتليفزيون الرسمى وأجبروهم – قسراً واعتسافاً – على السير فى السكك التى قررها لنا الآخرون بعدما اغتالوا استقلال القرار الوطنى.
السيسى فى بيانه/ البشارة عرف أن نقطة استعادة الكبرياء المصرى ووقف استهتار الآخرين ببلدنا هى أولوية أولى تسبق كل ما عداها.
المصريون يريدون مواجهة تركيا بكل الوسائل المنطقية المتاحة للثأر من تدخلها فى شئوننا الداخلية ومحاولتها مساندة الإرهاب لهدم الدولة المصرية.. الزعيم جمال عبد الناصر كان – باستمرار – يبنى علاقات متميزة مع قبرص والأسقف مكاريوس، ومع اليونان ذات الصلة التاريخية الفريدة بالمجتمع المصرى، وكان عبدالناصر يعرف أن لذلك جدوى سياسية كبيرة، لأن تركيا تآمرت على استقلالنا الوطنى فى حلف بغداد ثم فى الحلف الاسلامى، كما اعتبر القواعد الأمريكية فى تركيا تهديداً لنا ولأمن شرق البحر المتوسط الذى كنا نعتبره من صميم شئوننا، وهو ما منحت مصر بسببه تسهيلات للأسطول الروسى فى الستينيات وحتى عام 1972 لموازنة تأثير وجود الأسطول السادس الامريكى، ومن ثم التأثير على أمن شرق البحر المتوسط.. بذلك المعنى – بالضبط – تحرك أيضا الرئيس مبارك عام 2010 حين بدا أن تركيا تتضاغط معنا (وبالذات باستخدام حماس والتذرع بإغلاق المعبر)، وحينها قام مبارك بزيارة اليونان والتقى الرئيس كارلوس بابولياس، ثم دعاه بعدها بشهر لزيارة شرم الشيخ، ويسجل للرئيس مبارك انه كذلك عمل على تفعيل العلاقة مع قبرص، ودعا الرئيس القبرصى ديمتريس خريستوفياس.
وصحيح أن رئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور قام بزيارة لليونان فى تكرار لذلك المنهج، ولكننا بحاجة إلى أن نعمقه ونمنع تحوله إلى عملية مكايدة أو مغايظة تقوم على دق قبضة إحدى اليدين على راحة اليد الأخرى، أو إخراج الألسنة.
نتقارب مع اليونان وقبرص لأننا نعمل على تعظيم مصالحنا لصالح أمننا القومى فى هذه المنطقة من العالم، ثم أننا ينبغى أن نتدخل إعلاميا (وسياسياً أن استطعنا) فى الشئون الداخلية لتركيا، وطبعا تلك أمور تحتاج أن يكون لدينا جهاز اعلامى كفء وقادر وفعال يستطيع أن يحقق لنا الوصول والنفاذ للداخل التركى والتأثير فيه.
عين بعين.. وسن بسن.. ومخابرات بمخابرات.. وإعلام بإعلام.
لا ينفع أن يتدخل الأتراك فى شئوننا إعلاميا وسياسيا ومخابراتيا ولا نفعل – نحن – نفس الشئ.. وبهذا المعنى – فقط – لن يكون بلدنا ملعبا لتركيا ولن تجرؤ أنقرة على الاستهتار بمصر.
أما حماس فأظننا – وعلى يد القوات المسلحة المصرية – نواجهها على النحو الواجب بهدم الأنفاق، ومحاصرة اقتصاد التهريب الذى أصبح العلامة المالية والتجارية لقادة ذلك التنظيم.. وحالة حماس – بالذات – كان ينبغى أن تبيت من اختصاص الجيش، لان تلك المنظمة هى ذراع لجماعة الإخوان الإرهابية فى مصر، ولما كان الجيش يتحمل العبء الاساسى فى مواجهة ذيول هذا التنظيم فى سيناء فقد كان من المنطقى أن يواجه حثالة ورعاع حماس الذين أتوا من الأفعال ما يعد اهانة للكبرياء المصرى الوطنى، واختراقا لسيادة بلدنا الحبيب سواء باقتحام السجون، أو الهجوم على الأقسام، أو إطلاق سراح الجواسيس المجرمين والإرهابيين أو قتل المتظاهرين من فوق أسطح العمارات، أو تهديد وترويع المصريين بتحويل بلدهم إلى بحر دماء إذا لم يقبلوا بتزوير الانتخابات، وإذا لم يتخلوا عن تحقيق إرادتهم بإطاحة أول جاسوس مدنى منتخب عن كرسى الرئاسة فى ثورة 30 يونيو الأسطورية.. وبعدها اشتركت حماس فى كل المؤامرات الإعلامية والسياسية التى حاكتها أطراف المؤامرة الدولية والإقليمية على بلدنا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتنظيم الدولى للإخوان.
مصر – الآن – وفى ظل إعلان السيسى أنها لن تصبح ملعبا لأحد، وان الاستهتار بها لن يمر من دون عواقب – عليها تعظيم المواجهة مع حماس وإشعار تلك الحركة الإرهابية بأن وقت الحساب الكامل على جرائمها حان ولن يستطيع أحد تأخيره.
أما قطر – ولعلها أحقر الأطراف التى أساءت إلى كبرياء مصر وأكثرها شراً – فإن (عواقب) استهتارها بمصر كثيرة، وبيقين فإن تلك العواقب ينبغى أن تدفعنا لعقاب قطر المخربة، وبالتحالف – بالذات – مع دول مجلس التعاون الخليجى، وان إجراءات كثيرة (يمكن الحديث عن بعضها ولا يجوز ذكر البعض الآخر) أصبحت ركناً أساسيا من حتمية المواجهة مع السفلة الذين استهتروا بمصر، ولكن ابسط إجراءات المواجهة التى نستطيع البدء بها فورا مع قطر هى قطع العلاقات الدبلوماسية تماما مع الدوحة كسلمة أولى فى درج تصعيد ممنهج ينبغى علينا الخطو فوقه.
وتبقى الولايات المتحدة الأمريكية أو الطرف الاساسى الذى تصور مصر ملعبا واستهتر بها، ولقد قاد السيسى اقترابا خشنا وحذرا معها عبر تجاهله لموضوع قطع المعونة، ورفضه الرد على مهاتفة أوباما، وسعيه للتزود بالسلاح الروسى وتطوير العلاقات مع موسكو، وحديثه للواشنطن بوست عن أن مصر لن تنسى فعلة من أدار لها ظهره.
ضربة السيسى لأوباما فى ثورة 30 يونيو، أفقدت الرئيس الامريكى المنحط صوابه، وجعلته يثرثر بكلام محموم مخبول مثل الذى ذكره مع الرئيس محمود عباس أبو مازن فى زيارته الأخيرة لواشنطن: "أن الناس فى مصر يريدون السيسى.. حسنا سوف نساعده.. ولكن ينبغى عليه أن يتوقف عن حبس نشطاء المجتمع المدنى ويجب أن يدمج الإخوان فى العملية السياسية المصرية"..
يعنى أوباما فاقد التوازن يتحدث وكأن تأييده أو عدم تأييده للسيسى هو مؤثر فارق، فيما لا يضع المصريون فى اعتبارهم كل ما يأتي من واشنطن، وهم يرون تلك الإدارة الأمريكية عدواً صريحاً مهما تجملت.. ثم أن أوباما تحدث بلهجة خولى الزراعة الذى يتفقد الأنفار: "هم يريدونه".. مالك أنت؟.. ما دخلك؟؟.. إن مجرد تعليقك على الأمر هو محاولة لفرض نفسك على سياق لا يخصك، ويرفضك من الأصل والأساس.. أما حكاية حبس النشطاء فهو يذكرها وكأنها قرار للسيسى فيما هى نتاج لحكم قضائى.. والمدهش أن أوباما المحامى الذى درس الحقوق فى هارفارد لا يعرف – فيما يبدو – الفارق بين الحكم القضائى والقرار السياسى فضلا عن أن السيسى لا يملك بعد سلطة إصدار قرار سياسى بهذا الخصوص.. أما حكاية (دمج الإخوان فى الحياة السياسية المصرية) التى ترددت على السنة الأمريكان وبعض جواسيسهم وعملائهم فى القاهرة فهى أسخف ما يمكن أن يطلبه طرف من شعب مصر، بصرف النظر عن سخافة التدخل فى ذاته، إذ أنها المرة الأولى – فيما أتصور – التى يطلب فيها رئيس دولة من بلد آخر أن يُدمج مجموعة من القتلة والإرهابيين فى نظامه السياسى.
وفى إطار الرد على الولايات المتحدة فإن إحدى عبارات البيان/ البشارة الذى وجهه السيد عبد الفتاح السيسى للمصريين مساء الأربعاء الفائت، كانت تقول بأن مصر (لن تعيش على المعونات والمساعدات) وهى رد مخرس على محاولات واشنطن إذلال مصر بمساعداتها، الأمر الذى تجاهله السيسى منذ اللحظة الأولى قائلا: (إن موضوع المساعدات هو شأن أمريكى).
..................................
عند هذه النقطة بالذات فى بيان السيسى أردت التوقف، رغم أن فى ذلك البيان عشرات من الزوايا التى تستحق المناقشة والتفكير.