أثار انسحاب بعثة الأمم المتحدة من مالي مخاوف من اتساع دائرة الهجمات التي يشنها مسلحون على طريقة حركة "طالبان" الأفغانية، الي استولت علي الحكم في افغانستان في أغسطس2021، وتستهدف العمليات الإرهابية في مالي أعمالها في قطاعات لوجستية حيوية.
وذكرت تقارير محلية في باماكو أنّ مترجمين وعاملين في قطاعات لوجستية مختلفة باتوا يخشون تكرار السيناريو الأفغاني، من خلال عمليات انتقامية تستهدف كل المتعاونين الذين يؤيدون الحضور الأممي في البلاد.
وقد تم توظيف حوالي 900 مواطن مالي للعمل مع البعثة المتكاملة للأمم المتحدة، كمترجمين وسائقين ومكلفين بمهام دعم أخرى في القواعد التابعة للأمم المتحدة في جميع أنحاء البلاد، وتزداد مخاوف هؤلاء من عمليات انتقام محتملة يمكن أن تقوم بها الجماعات المتشددة.
وبالتزامن مع قرب استكمال انسحاب البعثة الأممية من مالي، يتزايد تقدم الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم داعش أيضا، وهذا ما يزيد مخاوف الكثير من العاملين في الترجمة وفي مجالات أخرى، لا سيما بعد أن تم إعدام شاب مالي في يونيو الماضي من قبل جماعات متطرفة لمجرد أنهم اشتبهوا في تعاونه مع القوات الأممية، بعد أن لاحظوا أنه يرتدي حذاء عسكريا.
وفي أغسطس الماضي راسلت مجموعة من المترجمين الماليين الحكومة الألمانية وقواتها المتمركزة في مالي تطلب الحماية، وجاء في الرسالة: "إن رحيلكم سيخلق فراغا أمنيا كبيرا، خاصة بالنسبة للمترجمين الفوريين الذين لعبوا دورا حساسا للغاية منذ بداية المهمة.. لقد رأينا رسائل هنا في مالي يهدد فيها المسلحون بمهاجمة كل من عمل في القوات الوطنية والدولية"، وأضافت الرسالة: "إننا نخشى خطر الأعمال الانتقامية بعد انسحاب هذه البعثة".
ويستحضر المتخوفون من انتقام الجماعات المتشددة أمثلة كثيرة من التاريخ القريب، مشيرين إلى أنّه عندما انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، ظل آلاف المترجمين دون حماية، وكانت النتيجة أن أعدمت حركة "طالبان" بعضهم، بينما اضطر الكثير منهم إلى الاختباء.
وتعبر مخاوف المترجمين وبقية العاملين مع القوات الأممية، من انتقام الجماعات المتطرفة في مالي، عن حساسية الوضع الأمني في البلاد بعد الانسحاب النهائي لبعثة "مينوسما" من مدينة كيدال، كبرى مدن شمال البلاد، ذلك أن الفراغ الذي ستتركه البعثة الأممية والذي تعجز السلطات المالية حاليا عن سدّه، ستحاول الجماعات المتطرفة أن تستغله لفائدتها، وفق مراقبين
وقالت الباحثة بالشأن الافريقي ميساء عبد الخالق، إن اجبار بعثة الامم المتحدة على الانسحاب جاء بعد قرارات المجلس العسكري الحاكم في مالي مشيرة الى ارغام البعثة على البدء بالانسحاب في يونيو/حزيران الماضي بعدما طالب المجلس العسكري الحاكم منذ 2020 بانسحابها، معلنا فشل البعثة في مهامها الامنية وفي حماية حقوق الإنسان.
وأضافت "عبدالخالق" في تصريحات لـ"البوابة"، أن هناك تخوفت من تداعيات تنسحب على تدهور الوضع الامني والاستقرار في مالي جراء ارغام بعثة الأمم المتحدة التي يُقدّر عددها بنحو 15 ألف جندي على الانسحاب في البلد الذي يقع تحت وطأة التوترات مع الانفصاليين الى جانب مخاطر ارهاب الجماعات المسلحة التي تسعى للعب دور مكان البعثة الاممية، ولفتت الى مخاوف من قيام الجهات المسلحة التي تتنافس للسيطرة على الأراضي في الشمال إلى الاستفادة من إخلاء قواعد البعثة الأممية، على الرغم من محاولة الجيش لاستعادتها، ورأت ان انسحاب البعثة عكس عدم الثقة بين المجلس العسكري والبعثة الاممية وهو ما يزيد المشهد الامني تعقيدا في مالي تحت وطأة الهجمات الارهابية التي تشهدها البلاد من وقت الى اخر
واكدت "عبد الخالق"، أن الجيش المالي عزز انتشاره في منطقة كيدال الإستراتيجية التي تعد معقلا للطوارق في شمالي البلاد وهو ما يشير الى مخاوف من عمل امني من قبل الطوارق، ولفتت الى ان هذه المخاوف تأتي بعد سلسلة عمليات للطوارق ومنها شهر اكتوبر الماضي بعد أن أعلن متمردو الطوارق في شمالي مالي الاستيلاء على قاعدة عسكرية اخرى من الجيش بعد قتال في شمالي البلاد وهي القاعدة العسكرية الرابعة التي يتم الاستيلاء عليها منذ اغسطس الماضي في سلسلة هجمات شنها تحالف مسلح معروف باسم تنسيقية حركات أزواد، والذي يتزامن مع انسحاب بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تنفيذا لأوامر أصدرها المجلس العسكري.