هل تتذكرون حديقة الأندلس.. التي تعتبر من المعالم المهمة في القاهرة؟.. لقد دخلت حياتنا من خلال أفلام السينما التى تم تصويرها داخل هذه الحديقة ويطوف فى ذهنى الآن الراحل الفنان العظيم عبد الحليم حافظ وهو يغنى بين أشجار وورود هذه الحديقة العديد من الأغانى الرومانسية لبطلات أفلامه فنانات الزمن الجميل مثل آمال فريد وماجدة وفاتن حمامة، ومن هنا فقد ارتبطنا جميعًا بهذه الحديقة بذكريات رومانسية وخاصة عندما كانت هى المتنفس الوحيد بالقاهرة وهى تقع فى منطقة جزيرة الزمالك التابع لقسم قصر النيل.
وتطل هذه الحديقة الجميلة على النيل من جانبها الشرقي، أما الجانب الغربي فيطل على أول شارع الجزيرة، أما جانبها الجنوبي فإنه يطل على ميدان الأوبرا الجديدة وأول كوبرى قصر النيل، وقد اهتم بهذه الحديقة الرجل الراقى المبجل الدكتور عبد العظيم وزير عندما كان محافظًا للقاهرة، والذى حاول جاهدًا أن يعطى للقاهرة متنفسًا جميلًا أخضر واستطاع مع مؤسسة الأغاخان أن يحول أكوام التراب العالية إلى حدائق رائعة ليس لها مثيل في مناطق كثيرة فى القاهرة، وقد اهتم اهتمامًا خاصًا بحديقة الأندلس، بل واختار لها مهندسًا استشاريًا معماريًا يعيد للحديقة رونقها وجمالها.
وقد نسق صديقى الدكتور وزير بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار لاختيار حديقة الأندلس لكي تكون تابعة للمجلس الأعلى للآثار وتسجل ضمن التسجيل العلمى ولذلك اتفقنا على تغيير التطوير طبقًا للدراسات الموجودة لدينا والتي قام بها الدكتور محمود عباس رئيس الإدارة المركزية لآثار العصر الحديث بالمجلس الأعلى للآثار، ولذلك اعتمدنا على فكرة وبدأنا عقد اجتماع مع الاستشارى لتطوير الحديقة على أسس علمية سليمة.
وللذين يعلمون والذين لا يعلمون فإن تاريخ إنشاء حديقة الأندلس يعود إلى عصر إسماعيل باشا، وهي من مشروعات إسماعيل النيلية السبع التي قام بها ليصبح النيل طوليًا وفى نفس الوقت يستغل الجزر التي كانت بداخله مما نتج عن هذه المشروعات جزيرة الزمالك وبدأ العمران فى هذه الجزيرة، ولما أمر الخديوى إسماعيل باشا بإنشاء سرايا الجزيرة عام ١٨٦٩ على مساحة ستين فدانًا كانت تشمل جبلاية الجزيرة وأرض الجزيرة والبرج وأرض المعارض.
ولما خلعوا الخديوي إسماعيل تم تقسيم تركته وانتهى الأمر بأن قامت شركة باهار السويسرية بشراء السرايا الأراضى المحيطة بها وبدأت فى تجزئة هذه الأراضى وبيعها وحولت القصر لفندق وتركت الحدائق بعد أن تم عمل أسوار خارجية على بعضها، ومنها المساحة الخضراء الكبيرة التي عرفت فيما بعد بحديقة الأندلس.. وأول من قام بتطوير هذه الحديقة والاهتمام بها هو محمود بك ذو الفقار عام ١٩٣٥ والذي حصل على لقب الباشاوية بعد ذلك فى أواخر حكم الملك فؤاد الأول.
والحديقة تشغل مساحة فدانين وتتكون من جزءين الأول الجنوبي ويسمى حديقة الفردوس العربية وهى على نمط الحدائق العربية الأندلسية الموجودة بجنوب إسبانيا، والجزء الآخر الشمالى ويسمى الحديقة الفرعونية.
ونجد في الجزء الجنوبي زخارف أندلسية عربية ويوجد جوسق وهى ميدان يتوسطه تمثال لأحمد بك شوقى من عمل المثال محمود مختار ويلى التمثال خمسة تماثيل على شكل أسود يتدفق منها الماء إلى بركة مستطيلة تتوسط الحديقة وتحوى نافورتين رخاميتين، ويحيط بالبركة من كل جانب من الجوانب الأربعة ثمانية مدرجات متصاعدة مزروعة بالنخيل، وفى الزوايا الأربعة أربعة ممرات متدرجة متصاعدة مبلطة بالرخام والفسيفساء.
أما الحديقة الفرعونية التي تقع فى الجزء الشمالي فنجد في جانبها الجنوبي بوابة فرعونية يتوسطها نموذج لتمثال شيخ البلد وينتشر بهذا الجزء النخيل المملوكي وغيرها من الأشجار وموزع في جوانب الحديقة الفرعونية نماذج أخرى لتماثيل فرعونية مختلفة الأشكال.
كما يحيط بالحديقة كلها سور حديدى مقام على حلة حجرية، وبالسور ثلاثة أبواب بالحديقة أحدها جنوبي مغلق وبابان في الضلع الغربي أحدهم مستعمل للدخول للحديقة وبجانبه حجرة الإدارة، أيها السادة عما قريب سوف نحتفل جميعًا بتطوير والحفاظ على حديقة الأندلس التى تحتفظ بأسرار الحب لكل المصريين.
من أهم ما أفخر به في حياتي هو أنني سجلت حديقة الاندلس وحديقة الأسماك وحديقة الحيوان ضمن التراث المصري لكي أحميها على مر العصور.
زاهي حواس: من أهم الأثاريين المصريين، وزير سابق للآثار، يحاضر فى العديد من الدول الغربية حول الآثار الفرعونية وتاريخ قدماء المصريين. له مؤلفات بالعربية والإنجليزية فى هذا المجال.. يكتب عن حديقة الأندلس والتطوير الذى لحق بها.