استطاعت الحضارة المصرية أن تنقل للعالم أفكارًا معمارية مختلفة عبر التاريخ حتى يومنا هذا. إذ بدأ المهندس المصري القديم وضع أسس الهندسة الإنسانية ببراعة شديدة منذ فجر التاريخ، ومن أتيحت له الفرصة للسفر خارج مصر استطاع أن يرى تميز المهندس المصري الذي لا زال بارزًا، ومختلفًا بوحي حضاري عملي يمكنه من استغلال المساحات بشكل معماري عملي لافت يميزه عن غيره، ويتميز المصريون أيضًا في صياغة الأوجه المعمارية ذات التفاصيل الفسيحة البسيطة التي تعطي فرصة لإبراز جمال الخامات المستخدمة كديدنهم منذ بداية الحضارة الإنسانية. فقط حين يأتي النور يظهر الجمال.
إن هذا الاهتمام بطبيعة الخامة الأصلية وجمالها تميز به المصريون منذ إهدائهم استخدام الحجر للبناء بدلًا من اللبن الطري. حين قام المهندس المصري القديم امحوتب باستخدام الحجر في بناء هرم زوسر أول ملوك الأسرة الثالثة. إذ أبدع امحوتب في استخدام الحجر الجيري كذلك في تطعيم زينة مبانيه الجميلة. ثم أهدى خلفاؤه للعالم روائع حجر الجرانيت الذي تميز المهندسون المصريون في نحته، ولا أدل على ذلك من أعمدة معبد سح رع.
إن العصر الحديث مازال يحمل للعالم مفردات المدرسة المصرية التي تحترم الحياة في الجماد قبل الأحياء. إن المصري لا يقدم شيئًا يطغى على جمال القطع التي يستخدمها. إذ يوجد في أعماقه اتجاه حضاري نحو إحياء القطع قبل تقديمها. إن هذا التقدير للجمال يقدم دائمًا جمالًا يستطيع أن يعيش عبر التاريخ ويمكن لأي إنسان أن يفهمه دون الغوص في المفردات التي أسهمت في إنتاجه. إذ خاطب المصمم المادة الصماء بلغة حية قبل أن يقدمها في أبهى صورها. وهذه لغة مشتركة بين البشر جميعًا على اختلاف مشاربهم.
العصر الحديث حمل للعالم جمال العمارة المصرية على يد مهندسيين أمثال الراحل الجميل حسن فتحي. ابن الاسكندرية الذي قدم للعالم التصميمات النوبية والعثمانية في مساحات بسيطة تقدر ذات الفكرة. كان حسن فتحي أستاذًا عالميًا يقدم علمه بثلاث لغات، وكان موسيقيًا وكاتبًا مسرحيًا، صمم حوالي 160 مشروعًا منفصلًا. وكان حسن فتحي تعبيرًا عن امتداد الروح المصري التي استغلت المد الأجنبي العثماني في مصر لتقديم مصرية احترام روح المادة قبل تغطيتها بالتفاصيل، لذا يظهر احترام المساحات بشدة.
إنك تستطيع أن ترصد أهرامات الجيزة وأبو الهول في كثير من عواصم العالم لكنك لن تجد في مصر محاكاة مشهورة لمعمار أجنبي دون أن يكون معاد الصياغة بفكر مصري. أنا مع المطالبة بالحفاظ على الطابع الخاص بكل إقليم لمصر. إذ استطاعت أن تعبر كل فئة مصرية عن ذاتها بشكل معمار مميز تم تصديره للعالم بشخصية واضحة حتى أن البعض يحاول السطر عليه وسرقته أو إدعاء اتمائه لآخرين. ستجد آلاف الأهرامات في كثير من أنحاء العالم مثل ساحة اللوفر وميدان لاس فيجاس إلا أنك ستجد الجميع يحلمون بصورة واحدة يظهرون فيها إلى جانب هرم منها ولو على البعد.