ترتبط المجتمعات الإنسانية في كل مراحل التاريخ بالنخبوية، وتبقى المساواة المطلقة في كل الأحوال حلمًا من الأحلام. حيث تكون هناك دائمًا أقلية من الحكَّام (النخبة) تنفرد بالسلطة وبيدها زمام الأمور، وتستحوذ أيضًا على أغلب المناصب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والدينية، في الوقت الذي يتم فيه تغييب أغلبية الشعب عن صنع القرار أو المشاركة فيه. ولا يوجد تجمع بشري يخلو من نخبة موجودة فيه تمتلك قدرات ومواصفات وإمكانيات خاصة تميزها عن غيرها، قد يكون النطاق الاجتماعي قبيلة أو قرية أو مجتمعًا علمانيًا أو ليبراليًا أو إسلاميًا أو مسيحيًا.. إلخ.
ومصطلح «النخبة» Elite وفقًا لقاموس كامبردج لعلم الاجتماع هو أن النخبة: هي الفئة المسيطرة على موارد الطاقة المتركزة في المؤسسات الكبرى، على سبيل المثال رأس المال، والسلطة، ووسائل الإكراه، والاتصال الجماهيري، والمعرفة، والكاريزما، وكذلك قدرة مجموعات النخب العمل بشكل جماعي. وتظهر النخب في جميع المجتمعات المنظمة، وعلى وجه الخصوص في الدول البيروقراطية القوية. لذلك يُعَدُّ الجزء الأكثر وضوحًا من النخبة الوطنية هي النخبة السياسية (القادة).
كما تشير كلمة «النخبة»؛ في الدراسات السوسيولوجية الوصفية؛ إلى تلك الفئة المالكة للقوة، والمال والمؤهلات، والامتيازات. وينتمي إلى هذه الفئة السياسيون ورجال الدين، والمثقفون، والمجرمون، والناجحون، ويمكن التعبير عن هذا المعنى على نحو آخر؛ فنقول إن «النخبة» هى فئة يمكن النظر إليها بوصفها تتميز عن الأنواع الأخرى من الفئات الاجتماعية بامتلاكها نوعًا ما من القوة. وهناك نوعان من «النخبة»: واحدة تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في الحكومة، أي «النخبة الحاكمة، أو الطبقة الحاكمة، والأخرى لا تشارك في الحكم، وإنما تمتهن العلم أو الفنون وهي نخب غير حاكمة. وبذلك نجد أن النخبة تتحكم في السلطة؛ ليس فحسب في مجالها الخاص، بل أيضًا في مجال الشؤون العامة.
تتميز النخبة بأنها على درجة عالية من الثقة بالنفس والحصافة والقدرة على رؤية مواضع ضعف الآخرين وحساسيتهم، واستغلال ذلك لمصلحتها الخاصة، بينما تكون الجماهير عادةً مرتبكة ومحاصرة في شبكة من المشاعر والأحكام المسبقة، وهذا يبرر وجود مجتمع منقسم إلى قسمين: الأول تسوده المعرفة، والثاني تسوده المشاعر، بحيث يكون الفعل قويًا وحكيمًا. بهذا المعنى، تتمتع النخبة بالوصاية الكاملة على كافة قضايا المجتمع التي تواجهها، بمعنى يسود الموقف الذاتي لهذه النخبة أو تلك المجموعات النخبوية، وليس تعبيرًا عن الواقع الموضوعي. لذلك تعتقد النخب أن لديهم الحقيقة المطلقة، ومِنْ ثَمَّ لديهم الحق في الرفض أو الإثبات المطلق.
إن امتلاك الثروة تؤهل للوصول للمكانة النخبوية في حال ارتباطها بالسلطة والأشخاص الأقوياء، ولكن امتلاك الثروة وحدها لا تضمن الوصول للمكانة النخبوية، لأنه من الممكن أن يتحول الرأسمالي إلى مجرد مستثمر إذا لم يتمكن من توجيه رأسماله لحشد عشائري وحزبي من أجل الدعم والوصول إلى حالة النفوذ السياسي.
إن فكرة تمايز النخبة، أي عدم المساواة في قدرات الأفراد، هي فكرة تُعبر عن مبدأ ثابت لتوصيف حالة انقسام المجتمع، التي يُنْظَر إليها بوصفها مسألة حتمية لا مناص منها. ويستند التمييز بين فئة من الناس وأخرى فيما يتعلق بإمكاناتها، ونشاطاتها، إلى جملة من المؤشرات المتعلقة بالقدرات الجُسمانية والعقلية، مثل: المهارات والذكاء وغيرها مما يسمح به المجال العام لتمكين جماعة ما تمثل أقلية من احتلال مكانة اجتماعية عالية.