رغم مرور أكثر من شهر على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لايزال جيش الاحتلال الإسرائيلي ينفذ سياسة ممنهجة للعقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني باستهداف المدنيين دون تمييز، وكذلك المستشفيات وسيارات الإسعاف ودور العبادة ومقرات المنظمات الأممية الدولية، بالمخالفة لما نص عليه القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني الذي يمنح حماية خاصة للمدنيين ومثل تلك المنشآت في أوقات الحروب.
وتتواصل المذابح الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غـزة المنكوب ردًا على عملية "طوفان الأقصى" التي لجأت إليها حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية بعد حصار إسرائيلي جائر فُرض على القطاع منذ أكثر من 16 عامًا، وأسفر عن تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية به، وزيادة مُعدلات الفقر والبطالة.
وسقط جراء "طوفان الأقصى" الذي بدأته حماس في السابع من شهر أكتوبر الماضي نحو 1400 قتيل إسرائيلي، وردت إسرائيل، كما هي عادتها دائمًا، بانتزاع الثمن أضعافًا مُضاعفة بقتلها قرابة عشرة آلاف فلسطيني في القطاع، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، وهي فئة لم تُشارك في "طوفان الأقصى"، ولا ناقة لها ولا جمل في القتال، سوى أن الأقدار شاءت وجودهم في هذا القطاع، الذي يعد من أكثر الأماكن اكتظاظًا في العالم.
واستهدف القصف المُستمر على مدار الساعة، مئات المنازل، ولم تسلم منه المُستشفيات وبيوت العبادة، وحتى منشآت المؤسسات الدولية، ومن ضمنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والمدارس التابعة لها والتي لجأ إليها النازحون من شمال القطاع تصورًا منهم أنها ستوفر لهم ملاذًا آمنًا من العدوان الإسرائيلي.
وتشير تقديرات وزارة الأشغال الفلسطينية إلى تدمير الاحتلال 40 ألف منزل في القطاع إضافة إلى تضرر 220 ألف منزل بشكل جزئي، وترتب على ذلك تشريد 1.5 مليون إنسان من شمال القطاع ومدينة غزة إلى الجنوب، الذي أعلنته إسرائيل مكانًا آمنا ولكنه لم يسلم من القصف أيضًا. ويوم الجمعة الماضي، استهدف قصف إسرائيلي موكب سيارات مدنية على طريق "الرشيد" الساحلي رغم رفع الموكب أعلامًا بيضاء. وكان غالبية من قتلوا في هذا القصف نساء وأطفال تناثرت أشلاؤهم على الطريق.
وفيما يتعلق بدور العبادة.. توضح بيانات رسمية لحكومة قطاع غزة أن 55 مسجدًا تعرضت للدمار التام فيما تعرض 112 مسجدًا لدمار جزئي، وتعرضت كنيسة "برفيريوس" وهي ثالث أقدم كنيسة في العالم، إلى القصف فيما تضررت كنيستان أخريان جراء العدوان، وعلى صعيد المدارس فقد جرى تدمير 60 مدرسة وتضررت 220 مدرسة أخرى بفعل العدوان الإسرائيلي.
كما بلغ عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين استُشهدوا منذ بدء العدوان على القطاع 46 شهيدًا فيما يبدو مُحاولة واضحة من الاحتلال لمنع تسليط الضوء على جرائمه المرتكبة بالقطاع.
وتقول وكالة (الأونروا)، حسب آخر تحديث لها والذي صدر الليلة الماضية، إن 79 من موظفيها قتلوا جراء العدوان الإسرائيلي الذي طال 48 منشأة من منشآتها،.. مشيرة إلى أن 50 فلسطينيًا من الذين يفترض أنهم محميون بموجب وجودهم في منشآتها قتلوا وأصيب 461 آخرون منذ السابع من أكتوبر الماضي.
كما استهدف القصف الإسرائيلي المستشفيات، وكانت أبرز المستشفيات المستهدفة هي "الأهلي المعمداني" التي ارتكب الاحتلال الإسرائيلي بحقها مجزرة بعد عشرة أيام من بداية الحرب وأسفرت عن استشهاد وجرح مئات من الأشخاص.
ويوم الجمعة الماضي، استهدف الاحتلال موكب إسعاف كان مُتجهًا صوب معبر رفح وعندما قرر الموكب العودة إلى مستشفى الشفاء الذي خرج منه، تم قصفه مرة ثانية عند بوابة المستشفى، وذلك حسب بيان رسمي من الهلال الأحمر الفلسطيني.
وحذرت وزيرة الصحة الفلسطينية من كارثة داخل المستشفيات في قطاع غزة، حيث يلفظ العديد من الجرحى أنفاسهم الأخيرة نتيجة عدم توافر الإمكانيات الطبية ونقص الوقود بينما يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عدم إدخال الوقود إلى القطاع بحجة أنه سيذهب إلى حركة حماس وستستخدمه في المقاومة.
ولا تسمح إسرائيل بدخول المساعدات إلى القطاع سوى القليل للغاية، وما لا يكفي مُطلقًا احتياجات سكانه المنكوبين من الغذاء والدواء في سياسة عقاب جماعي تعتبر جريمة حرب من المنظور الدولي.
وفي إطار سياسة العقاب الجماعي.. أصدرت إسرائيل قرارًا بإلغاء تصاريح كل عمال قطاع غزة داخل أراضي الـ 48 (إسرائيل) والذين يبلغ عددهم 18200 حسب وزير العمل الفلسطيني نصري أبوجيش، حيث تعرض هؤلاء العمال للبطش والتنكيل والطرد من أعمالهم من قبل أصحاب العمل الإسرائيليين حتى وقبل صدور قرار رسمي بذلك من السلطات الإسرائيلية، وعندما تقطعت السبل بهؤلاء العمال ولم يتمكنوا من العودة إلى القطاع جراء الحرب الجارية بين فصائل المقاومة وإسرائيل، ارتأوا في الضفة الغربية مكانًا آمنًا لهم، لكن جيش الاحتلال طاردهم في كل أنحاء الضفة واعتقلهم ونكل بهم قبل إعادتهم إلى القطاع مرة أخرى.
وبالتزامن مع العدوان على قطاع غزة.. صعد الاحتلال الإسرائيلي اقتحاماته في الضفة الغربية خاصة مُحافظتي جنين ونابلس الشماليتين، واستخدم الجيش في عدوانه على جنين القصف بالطائرات.
وأقام جيش الاحتلال حواجز تفتيش كثيرة على الطرق السريعة بين المُحافظات، وأطلق العنان لمستوطنيه ووزع عليهم السلاح - بحجة تأمينهم - فخرجوا يطلقون الرصاص على الطرق السريعة ؛ ما أدى إلى إحجام الفلسطينيين عن السفر من مُحافظة إلى أخرى، وهو ما حول محافظات الضفة الغربية إلى جزر مُتناثرة الخروج منها في حد ذاته يُعد مُغامرة قد يكون ثمنها عدم العودة.
وشن الاحتلال حملة اعتقالات واسعة النطاق في الضفة الغربية منذ بداية العدوان استهدفت بالأساس الأسرى المُحررين وكل من له تاريخ في مناوءة الاحتلال. وبلغ عدد المُعتقلين حتى الآن 2150 أسيرًا حسب أحدث تقرير لهيئة شؤون الأسرى والمُحررين الفلسطينية. وبلغ عدد الشهداء نتيجة المواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المُنتفضة جراء عدوانه على قطاع غزة نحو 155 شهيدًا.
ولاتزال المذبحة مُستمرة، وقت كتابة هذه السطور، وسط نداءات من أطفال ونساء غزة إلى المجتمع الدولي وقادة العالم للضغط على إسرائيل لوقف جماح عدوانها وشهوة انتقامها.