قال العالم اللاهوتي الفلسطينى الدكتور القس مترى الراهب، إن استخدام بعض الحركات الدينية العالمية، لبعض النصوص الدينية، لصالح إسرائيل، بدعةً أوروبية، تنتهجها ما نُسميه «المسيحية الصهيونية»، وهي للأسف صارت اليوم حركة قوية.
وأضاف القس مترى الراهب، في حوار خاص مع «البوابة نيوز»، أن العالم الافتراضي اليوم يعيش علي الفن، وهناك حاجة لتطوير أساليب جديدة، لخطاب جديد، يؤسس علي الفن الرقمي والجرافيكي؛ مُعتبرًا أن فيلمًا صغيرًا قد يكون له تأثير أكبر من 40 خطابًا سياسيًا، وبالتالي فإن ما نسعي إليه هو تطوير أساليب جديدة، لخطابْ جديد، للشباب الفلسطيني، مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
* ماذا عن الموقف الحالي في فلسطين والوضع الراهن في الصراع؟
- الوضع الراهن يشاهده العالم أجمع، حربٌ شعواء ضد المدنيين في غزة، تدمر الحجر والبشر والشجر، يعني الأرض المحروقة، وسياسة الأرض المحروقة، وطبعًا الأغلبية من المدنيين أطفال ونساء، هم الذين يقتلون يوميًا، عددهم قارب 6500 قتيل، أكثر من 2000 طفل، و1200 امرأة، بالإضافة إلى أكثر من 18 ألف جريح، وهذا الشي يندي له الجبين، ولكن للأسف يبدو أن جبين الإنسانية لا يندى، وإنما يقف مع المعتدي.
* ما رأيكم في الموقف المصري تجاه الصراع الموجود الآن؛ بدايةً من مؤتمر السلام، وغيره من الأمور المعلنة أو غير المُعلنة؟
- كانت لافتة هامة جدًا من الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن يدعو لإقامة مؤتمر قمة للسلام على أرض الكنانة والسلام مصر الحبيبة، وفي العاصمة الإدارية الجديدة، ويجمع هذا الكم من رؤساء الدول، عسى أن يخرج بشىء عملي.
ولكن للأسف فإنه بسبب تعنت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وربما أيضًا تخاذل بعض الدول الأخرى، لم يخرج المؤتمر بالقرارات المنشودة منه، ولكن هذا المؤتمر، أثبت أن العالم اليوم منقسم، بين العالم الغربي المنحاز انحيازًا تامًا لإسرائيل، وهناك دول المنطقة التي تعاني، وتخاف أن يمتد الصراع إلى دول أخرى.
كما أن المؤتمر أظهر أيضًا أن هناك فكرة ترسخ لدولة فلسطينية في سيناء، على أراض مصرية، وهذا الأمر لا يقبل به كل الفلسطنيون ولا المصريون ولا الأردنيون، كما أنه منافٍ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وكنت أتمنى أن يخرج المؤتمر على الأقل بقرار بوقف لإطلاق النار، ولكن حتي هذا لم يستطع أن يصل إليه، وإنما فقط وصل إلى ضرورة وصول المساعدات الإنسانية لغزة، ولكن بشكل صغير جدًا لا يلبي الحاجة، ولا يسد الرمق.
* وكيف يرى الدكتور متري الراهب زيارة رئيس أساقفة كانتربري، جاستين ويلبي، إلى الأراضي المقدسة، وبالأخص فلسطين، في هذا التوقيت؟
- أنا لا أعلق كثيرًا علي زيارة رئيس الأساقفة، إلي فلسطين، لأنه في نهاية الأمر هو موجود في موقعه بالتعيين من الدولة، ومن دولة هي كانت خلف خراب فلسطين، بداية من وعد بلفور، وحتي الانتداب البريطاني، وحتي النكبة، وما زالت تحابي لإسرائيل، لأنها ترى في إسرائيل قاعدة لمصالحها هي، وبالتالي فإن زيارة رئيس الأساقفة كانت بالنسبة لي مخيبة للآمال.
* وماذا عن وضع المقدسات الدينية المسيحية، والمسيحيين في فلسطين، والأراضي المقدسة، وبالاخص الآن وفق المستجدات الراهنة؟
- للأسف ما حدث في الأيام الأخيرة، في كنيسة الروم الأرثوذكس بغزة، أعطي إشارةً إلى أنه لا توجد حماية للمقدسات والمسيحيين، وأنهم يقاسمون آلام وآمال الشعب، وأيضًا هذا الاستهداف للكنيسة، وتخاذل رئيس أساقفة كانتربري، أمام هذا الحدث، إن دل علي شىء إنما يدل على أن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، لا يهمهما مستقبل المسيحيين، وإنما هي تستغل المسيحيين عندما تريد، لأهدافها الشخصية.
* كم عدد المسيحيين بعد الأحداث الأخيرة، في كل المناطق بالأراضي المقدسة؟
- في فلسطين التاريخية، هناك 170 ألف مسيحي، منهم 120 ألفًا، داخل حدود فلسطين 48، حوالي 50 ألفًا في الضفة الغربية والقدس وغزة، بينما عدد المسيحيين في غزة اليوم يتراوح بين 800 إلى 1000 شخص على الأكثر.
* وماذا عن الخطاب الذي وجهته عدة مؤسسات وحركات شعبية مسيحية فلسطينية تجاة الكنائس في العالم؟ وماذا عن رفض هذه المؤسسات لاستخدام بعض النصوص الدينية في إطار الصراع الدائر بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطنيين؟
- استخدام بعض الحركات الدينية العالمية، لبعض النصوص الدينية الموجودة لصالح إسرائيل، هذا ما نسمية المسيحية الصهيونية، والتي هي بدعة أوروبية، ولكن للأسف هي اليوم حركة قوية، في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في بعض الدول الأوروبية، وأيضًا في الجنوب.
واليوم في أفريقيا وأمريكا اللاتينية هناك تمدد لهذه الحركات المسيحية الصهيونية. لكن القضية الفلسطينية ستبقي القضية المحورية في هذه المنطقة، وما حدث في الأيام الأخيرة أكبر شاهد علي هذا.
* ماذا عن تهديد بعض الدول كإيران وروسيا والصين، وغيرها من الدول.. هل تعتقد أنه سيكون هناك حرب عالمية ثالثة؟
- لا أعتقد أن إيران من مصلحتها أن تدخل الحرب، ولا أعتقد أن روسيا مهتمة بمنطقة الشرق الأوسط حاليا، لأن لديها ما يكفيها في أوكرانيا، ولكن نحن نعيش الآن في مرحلة مخاض عالمي، هناك نري انتهاء العالم ذو القطب الواحد، وبداية لعالم متعدد الأقطاب، ولكن هذا ما زال في البداية وفي كون التشكل.
* كيف يري الدكتور متري الراهب ادعاءات إسرائيل تجاه حماس في إطلاق الصواريخ على المدنيين، وهم الذين استهدفوا المستشفي الأهلي التابع للكنيسة الأسقفية، أو استهداف كنيسة الروم الأرثوذكس؟
- لا أعتقد بأن هذه الادعاءات حقيقية، فهل تكون لحماس مصلحة في تدمير 31 مسجدا في غزة؟! لا أفهم هذا التفكير، الضحية الأكبر هي الحقيقة.
* وماذا عن الآراء حول ادعاء بعض الحركات لفكرة عودة شعب الله المختار، وهدم المسجد الأقصى لبناء هيكل سليمان وتقديم الذبيحة؟
- هذا أيضًا أحد الأفكار المخيفة، التي تقود فعليًا إلى حربٍ إقليمية، إذا قام اليمين الإسرائيلي المتطرف، والذي هو اليوم جزءٌ من الحكومة الإسرائيلية، بمثل هذا العمل، طبعًا هذا العمل، وهذه الأفكار ليست بجديدة، فكما تعلم فإنه في سنة 68 حاول أحد الأشخاص من أستراليا، أن يحرق المسجد الأقصي.
كذلك في التسعينيات من القرن الماضي، حاولت بعض المجموعات المتطرفة الإسرائيلية، بوضع عبوات ناسفة، ونسف المسجد الأقصي، هذا خطر حقيقي، لأن هناك المسيانية اليهودية، والتي هي خطيرة جدًا، والتي هي اليوم جزءٌ مهمٌ في حكومة نتنياهو.
* نريد الحديث عن توسيع رقعة الصراع، واعتدائه على جنوب لبنان مع غزه، وكيف ترى هذا الأمر؟
** ما يحدث هو مناوشات، أكثر منه شىء آخر، وأنا لا أعتقد أن هناك مصلحة لإيران حاليًا، في الدخول لحرب، ولا أعتقد أن لبنان له مصلحة في دخول الحرب، ولكن نحن على برميل من البارود، وفي النهاية، وفي مثل هذه الأوقات، حتى غير المتوقع ممكن أن يحدث.
* ما هو دور جامعة دار الكلمة، التابعة للكنيسة اللوثرية في تشكيل وبناء العقلية الفلسطينية والحفاظ على الهوية والثقافة في ظل هذه التوترات؟
** جامعة دار الكلمة، هي الجامعة الأولى في فلسطين، متخصصة في الفنون والتصميم والثقافة، وهذا إيمانًا منا بأهمية الثقافة في المجتمعات كافة، وفي المجتمع الفلسطيني خاصة، وهذا السؤال ليس فقط أننا نريد دولة فلسطينية، ونسعي لها، ولكن السؤال إلى أي دولة، وبالتالي فإن الثقافة لها دور مهم جدًا في الإجابة علي هذا السؤال.
ثانيًا موضوع الفنون، هو موضوع مهم جدًا، لأن العالم الافتراضي اليوم يعيش علي الفن، وهناك حاجة لتطوير أساليب جديدة، لخطاب جديد، يؤسس على الفن الرقمي والجرافيكي، فاليوم قد يكون فيلم صغير له تأثير أكبر من 40 خطابا سياسيا، وبالتالي هذا مانسعي إليه، تطوير أساليب جديدة، لخطاب جديد، للشباب الفلسطيني.
بالتالي فإن هذه الجامعة الحديثة نسبيا، قامت في السنين الأخيرة بنقلات نوعية، ووضعت نفسها علي خارطة فلسطين، اليوم أكثر الفنانين الفلسطينيين الشباب انخرطوا بالجامعة، وحصلوا علي رسائل الماجستير والدكتوراة، لأننا الجامعة الوحيدة التي تطرح رسائل ماجستير، في هذا المجال، وبالتالي أري أن لهذه الجامعة مستقبلا، ولكن هي في حاجة أيضًا إلي عمل كبير لكي تبقي منارة في هذا الوطن.
* وماذا عن دور مجلس الكنائس العالمي ودعمه للكنيسة في فلسطين في ظل هذه الظروف؟
- هناك مشكلة أن الكنائس الأوروبية في تقلص متسارع جدا، نتيجة العلمانية من ناحية، ونتيجة للرقمنة من ناحية أخري، ولكن أيضًا نتيجة أن الكنيسة لم تستطع أن تطور خطابها، وبقي خطابها خطاب لا يجيب علي أسئلة الكثير من الشباب اليوم، وبالتالي الدعم المادي الذي يأتي من أعضائها تقلص، وبالتالي تقليص دعمه للكنائس في المنطقة أولًا.
ثانيًا: أوكرانيا استنفذت كل مصادرها، اليوم الكنائس الأوروبية، همها صار كيف ندعم أوكرانيا، لأنه في نهاية الأمر تخدم مصالح دولها، ولكن من ناحية أخري، إذا نظرت إلي الكنائس التقليدية في الولايات المتحدة الأمريكية، ستجد أنها في تقلص، في الأعداد، ولكن هذه الكنائس اليوم دعمها ليس المالي، بينما الدعم المعنوي لفلسطين، لا يضاهيه دعم، أي أن اليوم الكنائس الأمريكية «الكنائس الرئيسية» تدعم الشعب الفلسطيني، ولو معنويًا.
* هل تريد أن تتحدث أو تقول أي شيء للحكومة المصرية في هذا التوقيت؟
- نشكر الحكومة المصرية، بقيادة القائد الرئيس عبدالفتاح السيسي، رجل المواقف الجادة والمحترمة، في إعداده لمؤتمر القمة، ونكن له كل التقدير والاحترام، في هذا الوقت بالذات، وعلي تصميمه أنه لا دولة فلسطينية علي حساب الشعب المصري، وأن القضية الفلسطينية كانت وستبقي قضية الأمة الرئيسية.
* وفي الختام؛ ماذا عن دور الكنيسة المصرية في دعمها للفلسطينيين؟
- نشكر الكنيسة المصرية بكافة مذاهبها، علي دعمها المعنوي لفلسطين، والقضية الفلسطينية، وعلاقتنا بكنائس مصر، هي علاقة أخوة وصداقة وطيدة جدًا، وعلاقة متينة، وبالتالي تمنياتنا للكنائس المصرية أيضًا بالازدهار والبركة.