أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً استعرض من خلاله سوق المعادن ومدى تأثره بالتحول إلى الطاقة المتجددة، حيث أشار المركز إلى أن المعادن تُعَد من العناصر الضرورية في تصنيع العديد من التقنيات في عالمنا الحديث، بما في ذلك الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، والأوراق النقدية، وكابلات الألياف الضوئية، والمعدات الطبية، وهي تلعب دورًا أساسيًّا أيضًا في تحوُّل الدول للطاقة المتجددة، فتدخل في تصنيع العديد من البطاريات القابلة لإعادة الشحن والمركبات الكهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية، كذلك تُستخدَم في تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه.
وفي ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من اختناقات في أسواق الطاقة، وأيضًا في إطار اتفاقية باريس والتعهُّد بالحد من ظاهرة الاحتباس الحراري لحماية المناخ والطبيعة والإنسان، ارتفع الطلب العالمي على الطاقة المتجددة، وبرز الدور الحيوي الذي تلعبه المعادن في توليد الطاقة المتجددة في الدول.
وأشار تقرير المركز إلى أن الطاقة المتجددة نمَت بوتيرة سريعة على مدى العقدين الماضيين، ووصلت إلى أعلى قِيَمِها في عام 2022 بنحو 3.38 ملايين ميجاوات، وبمعدل نمو قدره 9.4% مقارنةً بعام 2021 وفقًا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وكان هذا النمو مدفوعًا إلى حدٍّ كبير بالسياسات الحكومية، وتزايُد المخاوف بشأن أمن الطاقة والتحديات المستمرة في سلسلة التوريد، وتحسين القدرة التنافسية ضد بدائل الوقود الأحفوري، وانخفاض أسعار الطاقة المتجددة؛ حيث تبيَّن أن تكلفة توليد الطاقة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أقل في المتوسط بنحو 40% من تكلفة توليد الطاقة من الفحم أو الغاز.
كما أشار التقرير إلى رفع الوكالة الدولية للطاقة معدلات النمو للطاقة المتجددة خلال الفترة من (2022 - 2027) بنحو 30%، ومن المتوقع أن ينمو إنتاج الطاقة المتجددة خلال الفترة من (2022 - 2027) بنحو 85% مقارنةً بالخمس سنوات السابقة، وبمقدار 2400 جيجاوات، ومن المرجح أن تُسهِم الطاقة المتجددة بنحو أكثر من 90% من إجمالي التوسع في إنتاج الطاقة الكهربائية.
وفي هذا السياق، خلقت الطاقة المتجددة نحو 13.7 مليون وظيفة في عام 2022، ارتفاعًا من 12.7 مليون في عام 2021، ويتركز نحو ثلثي الوظائف في آسيا؛ حيث تمثل الصين وحدها 41% من الإجمالي العالمي. وتُعَد وظائف الطاقة الشمسية الكهروضوئية هي الأسرع نموًّا في القطاع؛ حيث بلغت نحو 4.9 ملايين وظيفة ممثلة أكثر من ثلث إجمالي القوى العاملة في مجال الطاقة المتجددة، وتشغل النساء 40% منها. وعلى نحو متصل مثَّلت وظائف الطاقة الكهرومائية في عام 2022 نحو 2.5 مليون وظيفة محققة ارتفاعًا قدره نحو 2.3% مقارنةً بعام 2021، كذلك بلغ حجم الوظائف في مجال الوقود الحيوي نحو 2.5 مليون وظيفة، بينما بلغت الوظائف المرتبطة بطاقة الرياح 1.4 مليون وظيفة، وتتصدر الصين وأوروبا على سائر دول العالم في الوظائف الناتجة عن طاقة الرياح.
وذكر التقرير أن حجم الطلب على المعادن قد مثل من جانب قطاع توليد الطاقة المتجددة نسبة ضئيلة من إجمالي الطلب على المعادن حتى منتصف عام 2010، لكن مع تزايُد وتيرة التحول نحو تقنيات الطاقة المتجددة، أصبح قطاع الطاقة المتجددة هو الشريحة الأكثر طلبًا للمعادن، ويرجع ذلك إلى احتياج البنية التحتية إلى توليد الطاقة المتجددة لقدر كبير من المعادن أكثر من الوقود الأحفوري. فعلى سبيل المثال، تحتاج السيارة الكهربائية نحو ستة أضعاف ما تحتاج إليه المدخلات المعدنية للسيارة التقليدية، كذلك تتطلب محطة الرياح موارد معدنية أكثر بتسع مرات من محطة توليد الطاقة التي تعمل بالغاز وفقًا لمنظمة الطاقة الدولية.
وقد تختلف أنواع الموارد المعدنية المستخدمة حسب تكنولوجيا الطاقة المتجددة؛ فيُعَد كلٌّ من الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز والجرافيت عناصر ضرورية لأداء البطارية وطول عمرها وكثافة الطاقة، بينما تُعَد العناصر الأرضية النادرة ضرورية في بعض الصناعات الأخرى، على سبيل المثال: المغناطيس الدائم (يُستخدَم لتوليد مجال مغناطيسي ذاتي) يؤدي دورًا محوريًّا في تصنيع توربينات الرياح، ومحركات السيارات الكهربائية. أما بالنسبة لشبكات الكهرباء فتحتاج إلى كمية هائلة من النحاس والألومنيوم، ويُعَد النحاس حجر الزاوية لجميع التقنيات الكهربائية.
وبناءً على ذلك، من المتوقع أن يؤدي التحول إلى نظام الطاقة المتجددة إلى ارتفاع الطلب على هذه المعادن بمقدار أربع مرات على الأقل بحلول عام 2040، كذلك من المتوقع أن ينمو الطلب خلال العقدين المقبلين على كل من النحاس والعناصر الأرضية النادرة إلى أكثر من 40%، وقد يتراوح الطلب على كل من النيكل والكوبالت بين 60% و70%، بينما الليثيوم من المتوقع أن ينمو الطلب عليه بنحو 90% خلال الفترة نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، سوف يتطلب تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2040 إلى زيادة استخدام الطاقة المتجددة، مما يتسبب في نمو الطلب على المعادن المستخدمة في المركبات الكهربائية والبطاريات بنحو ثلاثين مرة مقارنة بالطلب الحالي، كذلك سوف يشهد الليثيوم نموًّا في الطلب بأكثر من أربعين مرة، ويليه الجرافيت والكوبالت والنيكل بمعدل نمو يتراوح بين 20 و25 مرة مقارنةً بالطلب الحالي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2040.
وعلى نحو متصل، سوف يؤدي التوسع في شبكات الكهرباء إلى مضاعفة الطلب على النحاس خلال الفترة نفسها. كذلك سوف يسهم ارتفاع الطلب على الطاقة الكهروضوئية المستمدة من الشمس في ارتفاع الطلب على المعادن، أما بالنسبة للطاقة الكهرومائية والكتلة الحيوية والطاقة النووية فسوف تشكل نسبة طفيفة من الطلب على المعادن؛ وذلك نظرًا لمتطلباتها المعدنية المنخفضة نسبيًّا، وهذا في سيناريو التنمية المستدامة.
وذكر التقرير أن دول عديدة في المنطقة العربية تتمتع بمصادر الطاقة المتجددة، كذلك تمتلك العديد من المعادن والإمكانات اللازمة لتبني تكنولوجيا الطاقة المتجددة، وبناءً على ذلك، وفي إطار التوجه العالمي للتحول إلى الطاقة المتجددة، يمكن أن توفر المعادن العديد من الفرص لدول المنطقة الغنية بالموارد، وتشمل كلًّا من: التنويع الاقتصادي، وزيادة حجم الإيرادات، وزيادة عدد الوظائف المباشرة وغير المباشرة، وزيادة حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحسين عائدات الاستثمار، وتوفير فرص لتطوير البنية التحتية، وظهور أعمال تجارية جديدة تأخذ في اعتبارها البُعدَيْن: البيئي والاجتماعي.
وأشار التقرير إلى أن الزيادة السريعة في الطلب على المعادن أدت إلى زيادة المنافسة الجيوسياسية على الموارد المعدنية، وزيادة تقلُّب أسعارها في المدى القصير، وارتفاع مخاطر تعطُّل سلاسل التوريد. كما أن تطوير البنية التحتية للتعدين ومرافق المعالجة يتطلب عدة سنوات؛ مما يعني أنه لا يمكن زيادة الإنتاج بسرعة. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت المعايير الاجتماعية والبيئية للتعدين أكثر صرامة؛ مما أدى إلى استغراق منح التصاريح بعض الوقت. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا تحديات بيئية يواجهها التعدين في الدول العربية، وتتمثل في: إزالة الغابات، وتدهور الأراضي، وتلوث التربة والهواء، وفقدان التنوع البيولوجي، والتخلص من المخلفات.
وقد استعرض التقرير أهم التوصيات لتعزيز دور المعادن في تحول الطاقة بالمنطقة العربية:
أولًا: توفير بيئة تشغيلية جيدة للاستثمارات طويلة الأجل في مجال الطاقة المتجددة، ووضع استراتيجية واضحة ومتكاملة لتحقيق التنمية المستدامة من قبل الحكومات.
ثانيًا: وضع خطة استراتيجية لتطوير قطاع التعدين تهدف إلى تحقيق التعدين المستدام، ونشر المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة العالمية، وتنفيذ اللوائح بشكل صارم.
ثالثًا: تشجيع الاستثمار العام في رسم خرائط الموارد والتنقيب عن المعادن، ووضع أنظمة إدارة الموارد والاحتفاظ بقاعدة بيانات مركزية للمعادن، كذلك تبسيط التصاريح والتراخيص للتعدين وتمكين نظام النافذة الواحدة.
رابعًا: إعداد تقييم بيئي لدورة حياة المنجم باستخدام مناهج الإدارة التكيفية (عملية منظمة تهدف إلى اتخاذ قرارات قوية في مواجهة حالة عدم اليقين)، وإصدار تقارير بيئية سنوية، واعتماد إطار الاقتصاد الدائري للكربون في قطاع التعدين من خلال تعزيز كفاءة الموارد وتوسيع نطاق إعادة التدوير واستخدام المواد البديلة، وإنشاء هيئات رقابية مستقلة للإشراف على التعدين؛ لضمان الشفافية والمساءلة.
خامسًا: قد تتزايد الفجوة بين العرض والطلب على المعادن في المدى القصير، ومن ثَمَّ يمكن زيادة الاستثمارات في استكشاف وتطوير المناجم؛ مما يؤدي إلى تعزيز الإنتاج، كذلك يمكن إعادة تدوير المعادن، ودعم أنشطة الجمع والفرز الفعالة وتمويل البحث والتطوير في تقنيات إعادة التدوير؛ لتقليل فجوة الإنتاج.
وأكد التقرير في ختامه أنه ينبغي لدول المنطقة العربية الانخراط في سلاسل القيمة العالمية للمعادن، وإزالة العوائق التي تعتري القطاع، وتعزيز الاستثمار الخاص والعام فيه من خلال وضع سياسات واضحة، وإزالة المخاطر الاستثمارية لتحقيق الاستفادة المُثلى من التعدين، كذلك تحقيق المكاسب الاقتصادية، وضمان الانتقال إلى الطاقة النظيفة.